السادات: فرص كبيرة لنجاح مبادرة “العودة الآمنة” ولا تقف خلفها الأجهزة الأمنية
القاهرة – قال رئيس حزب الإصلاح والتنمية المصري (الليبرالي)، محمد أنور السادات، إن هناك فرصا كبيرة لنجاح مبادرة “العودة الآمنة”، التي أطلقها قبل أيام، وإن الدولة وأجهزتها ربما تصبح طرفا في هذه المبادرة بشكل رسمي خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع انطلاق جلسات الحوار الوطني التي دعا إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية رمضان الماضي.
وفي مقابلة خاصة مع الجزيرة نت، تحدث السادات عن أعداد كبيرة من الطلبات التي وصلتهم حتى الآن من المصريين المعارضين في الخارج من أجل العودة إلى وطنهم، مؤكدا أنه “من الصعب حصر تلك الأعداد بدقة في الوقت الحالي، وسنعلن عن الحالات التي وصلتنا نهاية الشهر الجاري”.
ولفت إلى أنه سيتم جمع هذه الطلبات بالتزامن مع بداية انعقاد جلسات الحوار الوطني، ثم سيطرح حزب “الإصلاح والتنمية” هذا الأمر على مسؤولي ومقرري لجان الحوار، حتى يتم التعامل مع هذا الملف بشكل عاجل وسريع.
لكن السادات أوضح أنه لا توجد الآن ضمانات تحول دون إلقاء القبض على العائدين من الخارج “سوى مراعاة كل شخص لتحركاته، وأنشطته، وكتاباته؛ فهناك بعض الأمور التي يصعب تقبلها من قِبل الدولة وأجهزتها، وربما تُوضع معايير وضوابط وتفعّل في مرحلة لاحقة”.
واستطرد رئيس حزب الإصلاح والتنمية، قائلا “حان الوقت للتعامل بجدية مع هذا الملف الهام، وقد يتم تطوير هذه الفكرة وبلّورتها بشكل آخر بعد مناقشتها بحضور ممثلي مؤسسات الدولة المعنية بهذا الأمر”.
وكشف السادات أنه من المقرر انعقاد جلسات الحوار الوطني بمشاركة القوى السياسية خلال الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، موضحا أنه سيتم توجيه الدعوات للأحزاب والشخصيات العامة للمشاركة في الحوار خلال الأسبوع الحالي. ويتوقع أن توجه له دعوة المشاركة في الحوار الوطني بشكل رسمي خلال الأيام القليلة المقبلة.
وفي 17 سبتمبر/ أيلول الجاري، أطلق حزب الإصلاح والتنمية (أحد مكونات الحركة المدنية الديمقراطية) مبادرة “العودة الآمنة” للمصريين المعارضين في الخارج، وسط ردود فعل متباينة.
كيف استقبلت ردود الفعل المختلفة التي أعقبت إطلاق مبادرة “العودة الآمنة” للمعارضين المصريين الموجودين بالخارج؟
ردود الفعل على المبادرة كانت متباينة؛ فكان هناك ترحيب وتشجيع عند البعض، وتحفظ عند آخرين حتى يطمئنوا من وجود ضمانات بعدم تعرض العائدين لأي نوع من أنواع الأذى أو الاحتجاز أو التوقيف، وكلها ردود فعل طبيعية، وهناك الكثير ممن أرسلوا لنا بياناتهم وأبدوا رغبتهم في العودة.
بشكل مُحدد، كم عدد الطلبات التي وصلتكم حتى الآن من أجل العودة مرة أخرى لمصر؟
من الصعب حصر الأعداد بدقة في الوقت الحالي؛ لأن ملف استقبال الطلبات مُكلّف به أشخاص آخرون، وأيضا ما زلنا نستقبل الطلبات حتى نهاية الشهر، وبالتالي فمن الصعب الآن التحدث عن أعداد بعينها. وقد وصلنا بالفعل عدد كبير لا يُستهان به من الحالات التي سنعلن عنها نهاية الشهر الجاري، وهؤلاء ممَن تنطبق عليهم المعايير التي أعلنا عنها في المبادرة.
كيف سيتم التعاطي مع هذه الطلبات؟
سيتم جمع هذه الطلبات بالتزامن مع بداية انعقاد جلسات الحوار الوطني، وخاصة جلسات “المحور السياسي” الذي يضم عددا من اللجان الفرعية مثل لجنة حقوق الإنسان، ومباشرة الحقوق السياسية، ثم سيطرح الحزب هذا الأمر على مسؤولي ومقرري هذه اللجان، حتى يتم التعامل مع هذا الملف بشكل عاجل وسريع.
وما الذي تهدف إليه هذه المبادرة؟
الهدف منها ليس كما فهم البعض هو العودة للمشاركة في الحوار الوطني، وإنما الهدف هو استثمار الأجواء والمناخ العام لتحريك هذا الملف المسكوت عنه فيما يخص المصريين بالخارج، بغض النظر عن الظروف التي جعلتهم يخرجون من مصر، ومحاولة لإيجاد حل، وإن كنّا لا نستطيع إيجاد حلول لكل الحالات المختلفة؛ فهناك حالات لا يجب أن تبقى في الخارج أكثر من ذلك، وإنما تعود بسلام وأمان ولن يتعرض لها أحد، وهو ما حدث بالفعل مع بعض الحالات التي أعرفها شخصيا وكنت أنا الطرف والوسيط في هذه العودة.
ونحن سنطرح كل ما يصل إلينا من طلبات أمام مسؤوليات القائمين على الحوار الوطني؛ فالجميع مصريين ومن حقهم الرجوع لبلدهم في أي وقت، كي يطمئنوا على أهلهم، ويعيشوا حياة طبيعية، كما من حقهم التنقل بحرية والسفر للخارج مرة أخرى إذا أراد أحدهم مزاولة أعماله في الخارج، بمعنى أنه لن يتم منعه من السفر خارج البلاد بعد عودته لمصر.
ما الجهة المنوطة بتقرير أحقية الشخص في العودة من عدمه؟
الجهة بالتأكيد هي الدولة مُمثلة في المستشار النائب العام، وأجهزة الأمن؛ فهذه الجهات هي التي تستطيع أن تُحدد الأشخاص الذين صدرت بحقهم أحكام، أو أن هذا الشخص موضع اتهام في أي قضية منظورة أمام القضاء، وبالتالي هم مَن سيقررون أن هذا الشخص يمكنه العودة أو لا.
لماذا تجاهلت الكثير من وسائل الإعلام المحلية الحديث عن مبادرة “العودة الآمنة”؟
بسبب حساسية هذا الموضوع، وهو ما يؤكد ويرد على المشكّكين الذين يقولون إن المبادرة جاءت بتكليف وتنسيق مع أجهزة أمنية أو من الدولة، وإنما هو طرح شخصي يتبناه حزب “الإصلاح والتنمية”، وهو أمر نفكر فيه ونناقشه منذ سنوات، وعندما رأينا الدولة بدأت في الإفراج عن بعض المحبوسين احتياطيا وتُصدر قرارات عفو رئاسية، وجدنا أنه من باب أولى عودة المصريين الراغبين في العودة من الخارج، وقد صاحب هذا التجاهل الإعلامي هجوم من بعض الإعلاميين المحسوبين على أجهزة الدولة.
إذا كان هذا الطرح شخصي وحزبي بالأساس، فلماذا أعلنتم أن المبادرة تلقى ترحيبا من مؤسسات الدولة المختلفة؟
كنتُ حريصا جدا منذ البداية على اختيار الألفاظ، وقلت ليس هناك دولة عاقلة ترفض عودة مواطنيها من الخارج، وخاصة مَن لم تصدر بحقه أحكام قضائية، وإذا كانت الدولة تُفرج عن المحبوسين احتياطيا، وتصدر قرارات عفو رئاسية عن المحكوم عليهم؛ فمن الطبيعي ترحيبها بعودة شبابها ورجالها ونسائها؛ فمن هنا جاءت كلمة “الترحيب”، وهي لا تعني أن الدولة موافقة، وإنما ما تقوم به الدولة هذه الأيام لا يتعارض أبدا مع ما ندعو إليه.
ونحن نؤكد لكم مرة أخرى أن هذا الطرح هو مبادرة حزبية، نتبناها مع أطروحات أخرى تتعلق بالحوار الوطني، بعضها اقتصادي واجتماعي، وأطروحات تخص حياتنا ومستقبلنا وطموحاتنا. وهذا الطرح لم يأتِ نتيجة اتفاق أو تنسيق مع أي من مؤسسات الدولة على الإطلاق.
لكن ماذا لو تم إلقاء القبض على أحد العائدين من الخارج بعد إبلاغه بأنه لا مانع يحول دون عودته؟
هذا الأمر قد يحدث مع مَن هو بالداخل، وليس مَن يعود من الخارج فقط، وبالتالي فهذا الأمر غير مرتبط بفكرة العودة من الخارج، وإنما يتوقف على نشاط الشخص، وكتاباته، وتعليقاته داخل البلاد، فإن كان “يُراعي الأصول” ولا يتجاوز في حق أي أحد، ولا يُشكّك في شيء، أو تصدر منه أي إساءة للدولة، فلا أعتقد أنه سيتعرض لأي نوع من التوقيف أو الاحتجاز.
وما تفسيرك لإلقاء القبض مُجددا على بعض الذين أُطلق سراحهم مؤخرا كالناشط السياسي شريف الروبي وغيره؟ ألا يساهم ذلك في ترسيخ حالة الانتقاد والتشكك لمبادرة “العودة الآمنة”؟
ليست هناك أي ضمانات تحول دون التوقيف مرة أخرى سوى مراعاة كل شخص لتحركاته، وأنشطته، وكتاباته؛ فهناك بعض الأمور التي يصعب تقبلها من قِبل الدولة وأجهزتها، ونحن الآن نمارس دورنا، لكن مع مراعاة عدم التجاوز حتى لا نعرّض أنفسنا، وأحزابنا أو أي مؤسسات تابعة لنا للمواجهة مع الدولة أو تحت طائلة المساءلة القانونية، وطرحنا لهذا الملف لأنه يهم الكثير من المصريين، ومع المناقشات ربما تُوضع معايير وضوابط وتفعّل في مرحلة لاحقة، بعد أن تصبح الدولة وأجهزتها طرفا رئيسيا في هذه المبادرة.
في تقديرك، متى ستصبح الدولة والأجهزة طرفا في المبادرة بشكل رسمي؟
نحن ننتظر بدء جلسات الحوار الوطني -المقرر انعقادها الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل- وسنطرح الأمر ضمن موضوعات أخرى كثيرة. ومن انتظر 8 سنوات عليه أن ينتظر شهرا أو اثنين، وسنرى مدى التجاوب والتفاعل، ولا نطلب ممن بالخارج بالعودة فورا، أو أن كل الأمور على ما يرام، فليست لنا مصلحة من ذلك.
ولا نقول إن الدولة تفعل ذلك بمناسبة الحوار الوطني أو بمناسبة مؤتمر المناخ، وإنما الموضوع يشغلنا منذ سنوات طويلة، وحان الوقت للتعامل معه بجدية، ونحاول من خلال الطرح تطوير الفكرة، أو بلّورتها بشكل آخر بعد مناقشتها، وأن تتم المناقشة بحضور ممثلي مؤسسات الدولة المعنية بهذا الأمر.
هل هناك أحد في الأجهزة والمؤسسات تواصل معكم بعد إطلاق المبادرة؟
لا، لم يتحدث معي أحد حتى الآن بخصوص مبادرة “العودة الآمنة”، ولكن من خلال تجربتي السابقة -سواء مع مكتب المستشار النائب العام ومع الأجهزة الأمنية- نجحنا في إخراج أعداد كبيرة من الشباب والمحبوسين احتياطيا، كما نجحنا في عودة بعض المصريين من الخارج، الذين كانت ظروفهم الإنسانية والقانونية تحتم عودتهم، وذلك بالتشاور وعرض المسألة بطريقة ما، فوجدنا استجابة ونوع من إعمال العقل والحكمة من قِبل هذه المؤسسات، ولذلك فالفرصة كبيرة للنجاح، وأنا متفائل كثيرا.
لكن في الوقت نفسه أنا مُقدّر لردود الفعل والانتقادات الموجهة للمبادرة، وأتفهم مزاعم الأشخاص الذين يرددون أن “المبادرة تقف خلفها الأجهزة الأمنية”، فصاحب هذا الانتقاد “معذور”؛ بسبب طول فترة غيابه، وما يسمعه من مصر، كلها أخبار مُقلقة ومُحزنة، وإن سمحوا لي بالعودة فلن يسمحوا لي بالخروج، لكني أقول للجميع: اعلموا أن مصر بها أناس شرفاء ومُخلصون يرغبون في المساعدة ولا يريدون أي شيء، وكان بإمكاني أنا وغيري أن نجلس ونشاهد من بعيد ونكتفي بذلك.
وإن كان في طرحنا بعض التعبيرات التي أزعجت البعض مثل “عودة الشباب” فنحن لا نقصد بالطبع الشباب فقط، وإنما المصريين من كل الأعمار، والبعض أنكر تعبير “مَن أساء من غير قصد” فإذا به يقول “بل عن قصد”؛ فأين الكلمة الطيبة؟
نحن نحاول أن نُلطف الأجواء وأنت تريد أن تُشهر سيفك؟ وأعود وأكرر: أنا متفائل بشكل كبير، وأرى أن هناك فرصا كبيرة لحالات كثيرة جدا من المصريين في الخارج تمكنهم من العودة مرة أخرى.
كيف ترى التناقض بين اشتراط عدم الاتهام بالعنف والانضمام لجماعات إرهابية للراغبين في العودة وبين الاتهامات “الجاهزة” التي يتعرض لها النشطاء المحبوسون بالانضمام لجماعات إرهابية والتورط في قضايا عنف وفي النهاية يخرجون من السجن؟ وما المعيار في ذلك؟
البعض انزعج من كلمة “شروط” في صياغة المبادرة، وفي الحقيقة هي ليست شروطا، وإنما معايير تنطبق على البعض، وبحكم كوني رجلا سياسيا، وقارئا جيدا للمشهد السياسي، وما متاح في هذه المرحلة، حددنا هذا المعيار، وإن كنا نعلم علم اليقين أن هذا المعيار لا ينطبق إلا على شريحة صغيرة، وأن الشريحة الكبرى أغلبها لا تنطبق عليهم المعايير، كمَن صدرت بحقهم أحكام قضائية، أو سبق لهم الانضمام لتيارات سياسية كجماعة الإخوان المسلمين، أو مَن تم ضمه على ذمة قضايا، وقد يترتب على ذلك أحكام، فكانت وجهة نظري أن نبدأ بالممكن والمتاح، لنرى ما يمكن أن يسفر عنه هذا الطرح من نتائج بعودة بعض الناس بسلام وأمان.
وربما هذه الفكرة تتطور في المستقبل القريب بحيث توجد مساحة تشمل الجميع بلا استثناء مع مرور الوقت، واستقرار الأوضاع، وهدوء النفوس؛ فالجميع من حقه العودة، وننتظر طرح المبادرة بشكلها الحالي لنرى مدى التجاوب وردود الفعل، فإن كانت هناك استجابة لتكون أشمل وأعمّ فهذا شيء يسعدنا للغاية، وإن كانت مقصورة ومحدودة في هذه المرحلة -كما أتوقع- فأهلا وسهلا.
جورج إسحاق وكمال أبو عيطة أكدا، في تصريحات سابقة لهما، وجود خلافات داخل أجهزة الدولة بشأن درجة انفتاح المجال العام، ما صحة هذه التصريحات؟
ليست لدي معلومات حول هذا الشأن، ولا أعلم مصدر معلوماتهما، لكن ما أعرفه جيدا هو أن كل الأجهزة في مصر تنسق مع بعضها البعض، وحين أقول “تنسق” فهذا يعني إمكانية وجود اختلاف في وجهات النظر فيما بينها أو في أسلوب معالجة المشكلة، لكن في النهاية الكل ملتزم بالسياسات والتوجهات، لأن الدولة لها “رأس واحدة”، أما أن تصل إلى “صراعات” فهذا غير وارد مطلقا، وفي النهاية ما يُتفق عليه يلتزم به الجميع؛ فهذه أجهزة دولة مسؤولة، والأمر لا يُدار بأهواء شخصية.
ما القيمة التي يمثلها محمد أنور السادات حتى يلعب هذا الدور في الإفراج عن سجناء الرأي وعودة المصريين المعارضين بالخارج، خاصة أنه مُستبعد من المشاركة في الحوار الوطني؟
ضاحكا: “ربما لخفة ظله أو روحه الطيبة”، وهذا من واقع ما يتمتع به من خبرات وتجارب وأسلوب في الإقناع، فضلا عن أنه يحمل اسم له تاريخ عريق وكبير، إلا أن الدور الذي كان يلعبه في السعي للإفراج عن بعض المحبوسين احتياطيا، وحالات أخرى مثل التوسط للتخفيف عن بعض المحتجزين في محبسهم، أو تسهيل إقامتهم في مكان احتجازهم، وأمور أخرى متعلقة بالنواحي الإنسانية مثل السفر، توقف تماما منذ الإعلان عن تشكيل لجنة العفو الرئاسية، والحوار الوطني بجميع محاوره.
والتوقف يعني أني لا أقوم به الآن، ولكن يقوم به المجلس القومي لحقوق الإنسان كمؤسسة بذاتها، كعامل مساعد مع لجنة العفو ومع كل مؤسسات الدولة، والدور الفردي الذي كنت أقوم به توقف تماما منذ حفل إفطار الأسرة المصرية، وما ترتب عليه من إعادة لجنة العفو، والدعوة للحوار الوطني.
أما فيما يخص عدم دعوتي للحوار الوطني فهذا صحيح، وهو نتيجة وجهة نظري في بداية إطلاق الحوار الوطني، لكن تم التصحيح بناء على الملاحظات التي أبديتها فيما يخص مكان انعقاد الحوار، وتم تشكيل مجلس أمناء ولجان متعددة، وتمت تسمية مقررين للجان المختلفة، وهم أصبحوا أصحاب القرار بشأن موضوعات المناقشة، والأطراف التي سيتم دعوتها؛ فقد بات القرار في يد مجلس الأمناء الذي يشمل أعضاء بالحركة المدنية، التي تمثل جسم المعارضة، وبالطبع هي ليست كل المعارضة، وإنما تمثل رمزية للمعارضة، وهناك معارضون آخرون لهم كل الاحترام.
وخلال هذا الأسبوع الحالي سيتم توجيه الدعوات للأحزاب والشخصيات العامة للمشاركة في جلسات الحوار الوطني، وأتوقع أن توجّه إلينا الدعوة خلال الأيام القليلة المقبلة، وأنا مشارك وحاضر في الحوار بطريقة غير مباشرة، من خلال مجموعة أحزاب وشخصيات الحركة المدنية التي أنا عضوا فيها، أما الحضور المباشر سيحدث حينما توجّه الدعوات لكل ذي شأن فيما يخصه من الموضوعات.
لماذا لم تبدأ جلسات الحوار الوطني حتى الآن وقد كان المقرر لها بداية يوليو/ تموز الماضي؟
المسألة ليست بهذه البساطة، والتأخير سببه تشكيل اللجان، وكان هناك اتفاق على أسماء واختلاف على أخرى، وإعداد تفاصيل كثيرة جدا فأخذت وقتا أطول مما كان متوقعا لها، لكن المهم أن نبدأ، وأن ما سيُطرح من موضوعات، وما سينتهى إليه الحضور أيّا كانوا موالين أو معارضين أو أصحاب رأي مستقل، المهم أنه يجد سبيله من خلال التوصيات التي سترفع لرئيس الجمهورية، وحتى التطبيق والتنفيذ سواء بمشروعات قوانين جديدة، أو بتعديل قوانين قائمة أو قرارات تؤخذ متعلقة بالشأن الاقتصادي، أو ما يتعلق بالحقوق والحريات والحبس الاحتياطي وما إلى ذلك من موضوعات يتم إعداد ملفاتها الآن، ونتمنى الوصول لتوافق الحد الأدنى بين الجميع ليجد سبيله إلى التنفيذ.
منذ أكثر من عامين وأنت تُبشّر بحدوث “انفراجة كبيرة” في المشهد السياسي والحقوقي المصري، ألا ترى أنك كنت متفائلا أكثر من اللازم؟
أن يكون عندك أمل وتفاؤل أفضل بكثير من التشاؤم، وأنا بطبعي متفائل، وما زلت، حتى وإن لم تكن الانفراجة كبيرة ولم تمتد لكثيرين، لكن ما أراه الآن في مصر بعيدا عن أي نجاحات في بعض الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛ فالدولة تجتهد، وتحاول على قدر المستطاع، لكن ما يعنيني هو الملف السياسي، والحقوقي، حتى لو كان معدل الإفراجات محدودا ومتواضعا، فنحن نشهد إفراجات متتابعة، وهناك آخرون في الطريق، وهذه بداية أمر جيد نبني عليه، حتى نصل إلى صيغة تجعل الجميع يشعر بأنه يمارس دوره، وأن رأيه له قيمة، حتى نجعل الناس يشاركون رأيهم فيما يخص قوانين أو أي ممارسات أو سياسات تتعلق بهم، وأن صوتهم له قيمة وتأثير، وكلها أمور لن تحدث في يوم وليلة.
كما أرى أنه ليس هناك الآن أي مبرر لأي إجراءات استثنائية، ولا مبرر لتبقى هناك قيود وموانع أمام الناس لممارسة حقوقهم في ظل احترام للقانون والدستور، والدولة المصرية حاليا ليس لديها عذر في بقاء الإجراءات الاستثنائية؛ فالأوضاع مستقرة، والدولة متماسكة حتى مع معاناتنا مع المشاكل الاقتصادية والأوضاع المالية، لكن حان الوقت لفتح كل الملفات المسكوت عنها، خاصة فيما يتعلق بالسياسة، والبرلمان، والمحليات، والصحفيين، والحق في التعبير، وكل هذه الملفات لا بد أن تُفتح وتجد طريقها للحل، هذا ما أتمناه، وما أسعى إليه دوما، ومتفائل بحلها.
ما الهدف الحقيقي من حالة الانفتاح والحوار المأمولة، حيث يقول البعض إن الغرض الرئيسي منها يتمثل في محاولة امتصاص الغضب الشعبي المتوقع بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية؟
أنا أسمع هذا الكلام وأكثر، ليس فقط من أجل امتصاص الغضب الشعبي، وإنما مرتبط أيضا بضغوط خارجية، ومرتبط بمؤتمرات دولية مصر طرف فيها، مثل مؤتمر المناخ الدولي “كوب 27” الذي تستضيفه مصر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ومفاوضات صندوق النقد، وغيرها من التكهنات، لكن ما أراه أن الحكومة تمد أيديها وتحاول الإصلاح وتغيير القوانين، وتشرع قوانين للانتخابات حتى تسمح لأحزاب المعارضة أن تأخذ فرصتها في التمثيل النيابي والمحليات.
وإذا كانت الحكومة تمد يدها بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا من خلال قرارات العفو الرئاسي، فكلها مكاسب، ويجب أن ننظر إلى الجانب المضيء من خلال السعادة التي عمّت أسر وعائلات على مدى الشهور القليلة الماضية بعد خروج أبنائهم، وإن كان هناك الكثير يعاني فسنظل خلفهم حتى ينالوا حريتهم.
ولا نريد أيضا أن نكون أسرى للماضي، فالسابق كان صعبا، والدولة أوضحت أنها كانت تمر بظروف وتحديات، بعضها تحديات داخلية كالإرهاب والعنف، وتحديات خارجية من الدول المحيطة والدول الخارجية التي تدعمها وتساندها، أما الآن كدولة فالأمور الحمد لله استقرت، والمؤسسات مكتملة، ومتماسكة، وهو ما يسمح بالمعالجة وإلغاء القيود والممارسات الاستثنائية، فعلينا أن نعطي للدولة فرصة، ولأنفسنا فرصة، فإذا صدقوا فبها ونعمت، وإن لم يصدقوا سنقف من جديد ونقول: “لا، أنتم لم تتغيروا”. لذا، أدعوا الناس للصبر، وإن كان الناس قد صبروا وتحملوا كثيرا، فعلى الأقل أصبحنا في بداية الطريق، وإن كانت بعض الإفراجات ليس كل شيء، لكن هي البداية وسنرى ما سيحدث لاحقا.