ضغطة زر تدمر الكوكب.. إليكم الخسائر البشرية جراء استخدام السلاح النووي والدول التي تمتلكه
“إن العالم تفصله خطوة واحدة غير محسوبة عن حرب نووية مدمّرة”، هذا التحذير أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أغسطس/آب الماضي عندما كان يتحدث في افتتاح مؤتمر الدول الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
ولم يمض وقت طويل حتى عاد غوتيريش من جديد ليقول إن “فكرة الصراع النووي أضحت موضع نقاش، وهذا غير مقبول على الإطلاق”.
وقبل غوتيريش دقّ لاسينا زيربو ناقوس الخطر في 2019 عندما كان يشغل منصب المدير التنفيذي لدى “منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية” حين قال للجزيرة الإنجليزية “أعتقد أننا اليوم نواجه الوضعية التي كنا فيها يوم قصف ناغازاكي وهيروشيما”.
يجيب هذا التقرير عن 3 أسئلة: ما مبررات الخوف من اندلاع صراع نووي؟ وما الخسائر البشرية التي نتجت عن استخدام السلاح النووي؟ ثم ما الدول التي تمتلك بالفعل هذا السلاح الفتاك؟
مبررات الخوف
تُعرّف الأمم المتحدة الأسلحة النووية بأنها “أخطر الأسلحة على وجه الأرض. فبإمكان أحدها أن يدمر مدينة بأكملها، ويقتل الملايين ويعرض للخطر البيئة الطبيعية للأجيال القادمة وحياتها، من خلال آثاره الوخيمة الطويلة الأجل”.
ومع كل توترات سياسية يصعب التحكم فيها، تثور المخاوف من أن يفقد أحد الخصوم أعصابه ويتخذ قرارا يكبّد البشرية خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، فيرد الآخر بشكل أعنف فتغيب مدن وربما دول كاملة عن الوجود.
وعندما بدأ الجيش الروسي عملياته العسكرية في أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، حذر العديد من المراقبين والخبراء من وقوع مواجهة عسكرية بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) تقود في المحصلة إلى استخدام السلاح النووي.
وذهبت تقديرات المحللين إلى أنه ليس من مصلحة المجتمع الدولي إلحاق هزيمة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لأن ذلك قد يدفعه إلى استخدام الأسلحة غير التقليدية لتأكيد عظمة بلاده وقدرتها على إبعاد أعدائها الغربيين عن حدودها.
ولكن هذه التقديرات لم تجد آذانا صاغية، فقد خصص الغرب ميزانيات هائلة لتسليح أوكرانيا فحشدت كل إمكاناتها العسكرية والاقتصادية والسياسية لإلحاق الهزيمة بالجيش الروسي.
وقدمت واشنطن وحدها مساعدات عسكرية تزيد قيمتها على 10 مليارات دولار لحكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وكذلك، حصلت أوكرانيا على أسلحة ومساعدات من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا والعديد من الدول الغربية الأخرى.
واستضافت ألمانيا أخيرا اجتماعا لعشرات من وزراء دفاع الدول الغربية وحلفائها، لحشد الدعم العسكري للجيش الأوكراني في مواجهة القوات الروسية.
ويومئذ، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن الاجتماع يهدف لمناقشة “كيف يمكن للدول العمل معا لتدريب القوات الأوكرانية، وتحسين قدراتها الدفاعية”.
وأضاف “تحتاج مجموعة الاتصال هذه إلى اتخاذ موقف لدعم الشجعان المدافعين عن أوكرانيا على المدى الطويل، وذلك يعني تدفقا مستمرا وحازما للإمكانات الآن”.
هذه الجهود آتت أكلها، فقد شنّت القوات الأوكرانية هجمات مضادة وطردت القوات الروسية من مناطق سيطرت عليها قبل أشهر.
لكن جرح كبرياء الدب الروسي ينطوي على خطر بالغ، فلم يعد الحديث النووي همسا كما كان قبل أشهر، بل أقرّ بوتين عقيدة نووية جديدة لبلاده وقال إنه لن يتردد في استخدام هذا السلاح الفتاك لمنع أي اعتداء على بلاده.
وبات على العالم أن يأخذ هذا التهديد على محمل الجد، فروسيا هي القوة النووية الأولى في العالم مع مخزون بنحو 4500 رأس نووي، وفق تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI)، وقد شكل الرئيس الأميركي جو بايدن فريقا من متخصصين مدنيين وعسكريين لتقييم المخاطر والردود، محذرا روسيا من أنه “لا يمكن الانتصار” في الحرب النووية، على حد قوله.
ووفق ماثيو كروينيغ من مركز “سكوكروفت” للإستراتيجيات والأمن، فإن من الوارد أن يستخدم بوتين أسلحة نووية تكتيكية تضمن انتصاره في الحرب.
وقد يؤدي الرد على هذه الضربة من الغرب إلى حرب نووية لا تبقي ولا تذر.
وكذلك فإن عدم الرد ينطوي على خطر بالغ، وفق كروينيغ، فقد يشجع بلدانا أخرى مثل الصين على “التفكير بأن السلاح النووي يمكن أن يساعدها على تحقيق أهدافها من دون تداعيات خطيرة”.
وردا على تصريحات الرئيس الروسي بشأن استخدام محتمل للأسلحة النووية، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر أميركية قولها إن إدارة الرئيس جو بايدن تأخذ تهديدات بوتين على محمل الجد.
كما قال منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن واشنطن تتعامل مع تهديدات بوتين النووية بجدية.
وأضاف كيربي، في مقابلة مع شبكة “إيه بي سي” (ABC) الأميركية، أن بلاده تراقب تموضع روسيا الإستراتيجي، مشيرا إلى أنه ستكون هناك عواقب وخيمة عند استخدام أسلحة نووية.
وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ندّد بايدن بتهديد نظيره الروسي باستخدام أسلحة نووية، ووصف ذلك بغير المسؤول.
وفي مقابلة مع الجزيرة، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إن تصريحات بوتين الأخيرة والاستفتاء على ضم أجزاء من أراضي أوكرانيا لا يعكسان خطوات قائد واثق بنفسه، مؤكدا الاستمرار في دعم أوكرانيا ماليا وأمنيا.
وفي ردود الفعل الدولية الأخرى، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن التعبئة العسكرية لبوتين والتهديدات النووية تمثل تصعيدا خطيرا وغير مسؤول.
ووفق خبراء تحدثوا لصحيفة “تايمز” (The Times) البريطانية، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بات بعد الهجوم الأوكراني المضاد أمام خيارات قاتمة.
وحسب هؤلاء الخبراء، فإن بوتين بإمكانه إما قبول هزيمة مذلّة أو اللجوء إلى استخدام السلاح النووي لضمان النصر وجبر انكساره بعد النكسات في ساحة المعركة.
ووفق الباحث الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية فرانز ستيفان غادي، “كلما نجح الجيش الأوكراني ازدادت المخاطر بأن يأمر بوتين باستخدام سلاح نووي تكتيكي”.
ومن شأن استخدام السلاح التكتيكي أن يبعث برسالة غير مشفرة تقول بوضوح إن روسيا على استعداد لاستخدام مزيد من الأسلحة النووية.
ويلاحظ غادي أن “لدى روسيا ما يكفي من قدرات الضربة التقليدية البعيدة المدى، لتدمير مدن مثل خاركيف وكييف” إذا أرادت ذلك، “وهجوم بهذا الحجم من شأنه أن يجبر حلف شمال الأطلسي (ناتو) على الرد”.
الخسائر البشرية
إن المخاوف من استخدام السلاح النووي ليست وليدة الفراغ، فقد كبّد هذه السلاح البشرية خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وما تزال تداعيات استخدامه تفتك بشعوب تعرضت له رغم مرور عقود على ذلك.
لقد كانت الولايات المتحدة أول دولة تمتلك السلاح النووي، فقد أجرت تجربة نووية في 16 يوليو/تموز عام 1945 في صحراء نيو مكسيكو.
وبعد ذلك بأقل من شهر، كانت الولايات المتحدة أول وآخر دولة تستخدم هذا السلاح في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، ففي صبيحة السادس من أغسطس/آب 1945 أسقطت قاذفة القنابل “بي 29” قنبلة ذرية تزن 4 أطنان على مدينة هيروشيما اليابانية.
وعلى الفور قتلت القنبلة 80 ألف شخص، ولاحقا ارتفع عدد القتلى إلى أكثر من 120 ألفا، ولحق دمار هائل بالمدينة والمناطق المحيطة بها.
لكن اليابان لم تستسلم، فأعادت الولايات المتحدة الكرّة بعد 3 أيام وأسقطت قنبلة أكبر وزنا على مدينة ناغازاكي وقتلت 70 ألف شخص على الفور، وحينئذ رفعت طوكيو الراية البيضاء.
وإلى جانب القتلى، ألحق الإشعاع النووي تشوهات وأمراضا كثيرة بسكان تلك المناطق، ولم تتعاف اليابان حتى اليوم من الأضرار الناتجة عن الضربتين.
ورغم أن العالم بادر إلى محاولة احتواء السلاح الذري ووأْده في المهد، فإن تلك الجهود كانت ضربا من العبث، فبعد 4 سنوات من تفجير القنبلة النووية جاء دور روسيا وبدأت تجاربها النووية.
ومن بين المعاهدات الرامية إلى احتواء خطر هذا السلاح: معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة حظر تجارب الأسلحة النووية في الجو وفي الفضاء الخارجي وتحت سطح الماء، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.
وتقول الأمم المتحدة “إنه لا يزال هناك 22 ألفا من هذه الأسلحة في عالمنا اليوم، وإنه أجري حتى اليوم ما يزيد على ألفي تجربة نووية، وإن نزع السلاح هو أفضل وقاية من هذه الأخطار”.
وإذا كانت الولايات المتحدة أول وآخر دولة تستخدم السلاح النووي في الحرب، فإن دولا أخرى تسبّبت في إزهاق أرواح عديدة من خلال تجارب نووية غير مشروعة أو عبر الفشل في صيانة المنشآت النووية.
فمن صحراء الجزائر دخلت فرنسا نادي الدول النووية حيث أجرت تجربتها النووية الأولى ففجرت قنبلة ذرية يوم 13 فبراير/شباط 1960، تحت اسم “اليربوع الأزرق”.
وتقول تقارير جزائرية إن فرنسا أجرت 57 تفجيرا وتجربة نووية في صحراء الجزائر الكبرى، وخلّفت هذه التجارب قتلى من المدنيين والعسكريين وسبّبت أمراضا وتشوهات لسكان المناطق المجاورة.
وفي 2009 تحدثت وزارة الدفاع الفرنسية عن إصابة عدد من الجنود الفرنسيين جراء التجارب النووية في صحراء الجزائر، وأعلنت عن برنامج لتعويض المتضررين، قائلة إن قلة منهم كانوا جزائريين.
لكن الرواية الجزائرية تختلف كليا عما تقوله باريس، ففي حديث لوسائل الإعلام قال وزير الخارجية الأسبق صبري بوقادوم إن ضحايا التفجيرات النووية الفرنسية في بلاده تجاوزوا 30 ألفا.
وقال لوكالة الأنباء الجزائرية في وقت سابق إن هؤلاء السكان أصيبوا بأمراض ناجمة عن التعرض لنشاط إشعاعي. ووفق الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن 24 ألف شخص تعرَّضوا لمشكلات بسبب هذه الإشعاعات.
وتقول الرابطة إن الجيش الفرنسي عرّض عمدا 150 سجينا جزائريا لهذه الإشعاعات لمعرفة مدى تأثير الإشعاع على البشر بمعنى “استعمالهم كفئران تجارب”.
وفي 26 أبريل/نيسان من عام 1986 وقعت كارثة في محطة تشيرنوبل للطاقة النووية بشمال أوكرانيا الخاضعة آنذاك للاتحاد السوفياتي.
وعن سبب هذه الكارثة، تقول الأمم المتحدة “بدا أن إيقاف النظام مدة 20 ثانية لاختبار أثر انقطاع الكهرباء هو مجرد اختبار آخر للمعدات الكهربائية، إلا أن خطأ في التشغيل بعد إغلاق توربينات المياه المستخدمة في تبريد اليورانيوم المستخدم وتوليد الكهرباء أدى إلى ارتفاع حرارة اليورانيوم بالمفاعل الرابع إلى درجة الاشتعال. وبعد 7 ثوان، أدى ارتفاع درجة الحرارة إلى إحداث موجة انفجار كيميائية، أطلقت بدورها ما يقرب من 520 نويدة من النويدات المشعة الخطرة إلى الغلاف الجوي”.
ووفق تقرير أممي، فإن قوة الانفجار أدت إلى انتشار التلوث في بيلاروسيا وأوكرانيا وروسيا، ولقي 31 شخصا حتفهم على الفور، وتعرض 600 ألف من المشاركين في مكافحة الحرائق وعمليات التنظيف لجرعات عالية من الإشعاع.
“ووفقا لتقارير رسمية، تعرض ما يقرب من 8 ملايين و400 ألف شخص في بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا للإشعاع، وتعرض للتلوث 155 ألف كيلومتر مربع من الأراضي التابعة للبلدان الثلاثة”.
الدول التي تمتلك السلاح النووي
وحتى اليوم هناك 9 دول تمتلك السلاح النووي؛ 5 منها تتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي هي: روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين، وقد انضمت هذه الدول لمعاهدة “الحد من انتشار الأسلحة النووية” التي وقعت عام 1968.
والتحقت معظم دول العالم بالمعاهدة الرامية لاحتواء السلاح النووي والحد من التجارب النووية، ولكن هناك 12 دولة لم توقع ولم تصدق على هذه المعاهدة ومن بينها 4 دول نووية هي الهند وباكستان وكوريا الشمالية وكذلك إسرائيل.
وبعض دول الشرق الأوسط وقعت على هذه الاتفاقية ولم تصدق عليها، بينها إيران ومصر.
وفي الأعوام الأخيرة أجرت كوريا الشمالية تجارب صاروخية نووية.
وفي ظل تنامي الصراع في مناطق بآسيا والشرق الأوسط، يثور التساؤل عما إذا كان بإمكان العالم تجنب وقوع هجوم نووي.
وقبل أعوام قال لاسينا زيربو “عندما أسمع كلمة ضغط الزر ينتابني الرعب. أملي الأكبر عندما نقترب من أي كارثة أن نعود بطريقة أو بأخرى للعقل.. لا يمكن لأي شخص الانتصار عندما تنشب حرب نووية. الجميع خاسرون في هذا الصراع المدمر، والسؤال: كم حجم الخسارة لدى كل طرف؟ فليس هناك منتصر على الإطلاق”.
ويشكل الصراع بين الهند وباكستان مأزقا قويا، فهما بلدان نوويان ولديهما مخزونات ضخمة من الأسلحة المدمرة. وفي ظل استمرار النزاع بين البلدين حول كشمير، هناك تخوفات من أن يفقد أحدهما أعصابه ويبدأ الهجوم النووي.
وخاض البلدان 3 حروب في أعوام 1948 و1965 و1971، اثنتان منها في إطار الصراع على كشمير، مما أسقط قرابة 70 ألف قتيل من الطرفين، وهناك مخاوف من اندلاع حرب رابعة يستخدم فيها الطرفان أو أحدهما السلاح النووي.
ووفق دراسة نشرتها أخيرا مجلة “ساينس أدفانسيز”، فإن دخول البلدين في حرب نووية قد يودي بحياة 125 مليون شخص، حيث يمتلك كل منهما نحو 150 رأسا نوويا.
وبعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الذي وقعه المجتمع الدولي مع طهران، عادت المخاوف من امتلاكها قنبلة ذرية تذكي سباق تسلح في الشرق الأوسط.
وفي مناسبة سابقة، عبرت الأمم المتحدة عن خشيتها من سباق تسلح يدفع دولا نافذة مثل تركيا والسعودية إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية، إذ “لا يمكننا أن نقول لطرف يمكنك عمل هذا، وللطرف الآخر ليس مسموحا لك”.
وفي 2019 قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده يجب أن تمتلك أسلحة نووية، رغم أنها وقعت في السابق على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية.
وتحدثت تقارير أيضا عن عزم السعودية السعي لامتلاك سلاح نووي إذا نجحت إيران في صنع القنبلة الذرية، نظرا للخصومة السياسية بين الدولتين.