الدوحة – سجل الدولار الأميركي ارتفاعات قياسية خلال الفترة الأخيرة أمام مختلف العملات الرئيسية الأخرى على غرار اليورو والين والجنيه الإسترليني قبل أن يفقد قليلا من مكاسبه اليوم الثلاثاء. وزاد مؤشر الدولار بنسبة 40% عن أدنى مستوى مسجل في 2011.

فما أسباب ذلك؟ وهل قوة الدولار مهمة؟ ومن هم الرابحون والخاسرون من قوته؟

 

نتعرف على ذلك من خلال رصد ما نقلته عدد من الصحف العالمية على لسان الخبراء، وما استقته الجزيرة نت.

قصة الدولار القوي

يعتقد الكاتب مارتن وولف في مقاله الذي نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) أن قوة العملة الأميركية شيء مهم، إذ يميل الدولار إلى فرض ضغوط انكماشية على الاقتصاد العالمي.

ويرى أن أسواق رأس المال الأميركية والدولار يلعبان دورًا أكبر بكثير مما يوحي به الحجم النسبي لاقتصادها، فأسواقها المالية هي أسواق العالم وعملتها هي الملاذ الآمن في جميع الدول. وبالتالي، فعندما تغير التدفقات المالية اتجاهها من أو إلى الولايات المتحدة يتأثر الجميع.

من جهته يقول المستشار المالي عمرو السيد، في حديث للجزيرة نت، إن فكرة الدولار القوي باتت سياسة تتبناها الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 1995، وهي سياسة تعتمد -كما تظن أميركا- على أن الدولار القوي في مصلحة الاقتصاد الأميركي والعالم أجمع.

 

ويضيف أن الدولار القوي سيدفع لتحفيز حاملي السندات الأجنبية على شراء سندات الخزانة الأميركية.

ويتوقع عمرو السيد أن يواصل الدولار رحلة الصعود لعام إضافي آخر.

 

أسباب انفلات الدولار

عزا محللون اقتصاديون ارتفاع قيمة الدولار أمام بقية العملات الرئيسية الأخرى إلى عدة أسباب أهمها:

  • قرار الاحتياطي الفدرالي (المركزي الأميركي) رفع سعر الفائدة بشكل مستمر وأسرع من باقي الدول الكبرى الأخرى لكبح جماح التضخم، في وقت ينتظر فيه أن تواصل أميركا رحلة رفع أسعار الفائدة، وهي الخطوة التي قد تعزز قيمة عملتها الخضراء أكثر فأكثر.
  • ارتفاع مخاطر الركود العالمي خاصة في أوروبا والصين، واعتبار الدولار ملاذا آمنًا في هذه الظروف. وعلى هذه الخلفية، بدأ تدفق رأس المال خارج أسواق الأسهم الأوروبية والآسيوية.
  • الإقبال على الاستثمار في الدولار باعتباره أداة للتحوط من تقلبات الأسواق ومواجهة الأزمات إلى حين عودة قيمة العملات الوطنية إلى مستوياتها الطبيعية أو ارتفاعها.
  • سحب المستثمرين أموالهم من اقتصادات العالم لوضعها في الأصول الأميركية للاستفادة من الزيادة في سعر الفائدة.
  • تجميد نصف احتياطات الذهب والعملات الأجنبية للبنك المركزي الروسي في جميع الدول الغربية تقريبًا أدى إلى تقويض الثقة في اليورو والفرنك السويسري والجنيه الإسترليني، بحسب ما يرى تقرير بصحيفة “فزغلياد” (Vzglyad) الروسية.

الرابحون من قوة الدولار

حسب المحللين فإن قوة الدولار:

  • تجعل الواردات الأميركية أرخص، مما يفيد بعض الصناعات ويساعد على الحد من التضخم.
  • تعيد إلى الاقتصاد الأميركي استقراره من خلال التجارة لأن الواردات أرخص، مما يجعل تعويض المنتجات المحلية أسهل.
  • تزيد من إيرادات الودائع وصناديق المعاشات التقاعدية، الأمر الذي يخدم مصالح أصحاب المعاشات والمدخرين.
  • تفيد الأميركيين في الولايات المتحدة عند سفرهم إلى البلدان الأجنبية الأخرى أو الإقامة فيها.
  • تساعد المستثمرين المقيمين في أميركا على شراء السندات الأجنبية بأسعار منخفضة.
  • انخفاض قيمة عملات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الأميركية، يجعل شركات هذه البلدان أكثر تنافسية، إذ تصبح صادراتها أقل كلفة.
  •  تبقي دول أوروبا واليابان والصين -بحسب محللين- راضية عن قيمة عملتها، وفي غير عجلة من أمرها لرفع أسعار الفائدة، لأن رفع قيمة عملاتها يستدعي رفع سعر الفائدة إلى حد كبير والتفوق على بنك الاحتياطي الفدرالي، في حين يتمثل هدفها الرئيسي في خفض معدلات التضخم ورفع الناتج المحلي الإجمالي وخفض معدل البطالة والحفاظ على التوازن.

 

الخاسرون من قوة الدولار

يرى المحللون أن الارتفاع القياسي للدولار أمام عملات باقي دول العالم سيؤدي إلى:

 
  • رفع أسعار المواد الغذائية والوقود والأدوية وباقي السلع المستوردة من قبل الدول خاصة البلدان النامية والأقل دخلا.
  • تخلف العديد من الدول النامية والأقل دخلا عن سداد ديونها المقومة بالدولار، وتشير الأرقام إلى أن إجمالي الديون المتعثرة التي تعاني منها البلدان النامية بلغت 250 مليار دولار، في حين قفزت الدوين العالمية إلى مستويات قياسية بلغت أكثر من 305 تريليونات دولار.
  • تعرّض الدول الغنية لضغوط، إذ إن ضعف اليورو -على سبيل المثال- يزيد تكلفة الواردات المقومة بالدولار مثل النفط، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة التضخم في أوروبا.
  • حتى أميركا نفسها لن تسلم من قوة الدولار، إذ إن ذلك يجعل الصادرات الأميركية أكثر تكلفة، ويثقل كاهل الشركات المصدرة، مما يتسبب في قيام بعض المصدرين الأميركيين بخفض الإنتاج.
  • تراجع مبيعات الشركات الأميركية وتقلص أرباحها الدولية.
  • رفع تكاليف السفر والسياحة والدراسة في أميركا.

ما العمل؟

ينقل تقرير “نيويورك تايمز” (The New York Times) عن بعض الخبراء الاقتصاديين قولهم إن الدولار هو العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم، مما يعني أن الولايات المتحدة، وبالتالي الاحتياطي الفدرالي، ملزمان بأخذ جميع مصالح أصحاب المصلحة في الدولار بعين الاعتبار، بما في ذلك التنسيق مع البنوك المركزية الأخرى للتأكد من أنها لا تفرط في تشديد السياسة النقدية.

التقرير حذر من أنه إذا تسبب ترفيع بنك الاحتياطي الفدرالي في معدلات الفائدة في ركود النمو في الخارج، سيؤدي ذلك إلى تباطؤ النمو في الولايات المتحدة. وإذا لم يأخذ بنك الاحتياطي الفدرالي والبنوك المركزية الأخرى مثل هذه التأثيرات المرتدة بعين الاعتبار، فقد يبالغون في تشديد سياساتهم.

وينقل التقرير عن موريس أوبستفيلد، الخبير الاقتصادي في جامعة كاليفورنيا وكبير الخبراء الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، قوله “هناك خطر يتمثّل في أن تؤدي البنوك المركزية بشكل مشترك إلى حدوث ركود عالمي حاد لا داعي له”.

وفي وقت قد يساعد التنسيق الدولي في تحقيق الأهداف المرجوة من السياسات النقدية، فإن رئيس الفدرالي الأميركي جيروم باول يرى أنه من الصعب الحديث عن التعاون في عالم يتمتع فيه الناس بمستويات مختلفة جدا من معدلات الفائدة.

 

الدولار في تداولات اليوم

تراجع الدولار اليوم الثلاثاء مع توقف عوائد سندات الخزانة الأميركية عن الارتفاع بعد موجة من الزيادات، الأمر الذي أتاح فرصة لأسواق الأسهم وساعد اليورو والجنيه الإسترليني على التقاط الأنفاس، والتعافي بعد تسجيل أدنى مستوياتها في عدة سنوات.

 

وارتفع اليورو بنسبة 0.5% إلى 0.9876 دولار بعدما وصل لأدنى مستوى في 20 عاما عند 0.9528 دولار يوم 26 سبتمبر/أيلول الماضي.

كما صعد الجنيه الإسترليني 0.6% إلى 1.1390 دولار، بعدما بلغ أدنى مستوى له على الإطلاق عند 1.0327 دولار في اليوم نفسه.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الروسية + فايننشال تايمز + نيويورك تايمز

About Post Author