الابن المدلل للكرملين و”صقر” الحرب على أوكرانيا.. تعرف على رمضان قديروف؟
موسكو- جاء إعلان الرئيس الشيشاني رمضان قديروف عزمه على إرسال أبنائه للمشاركة في الهجوم الروسي على أوكرانيا ليسلط الضوء من جديد على واحدة من أكثرالشخصيات المثيرة للجدل في المشهد السياسي الروسي، لا سيما في ظروف الحرب الحالية.
والتصق اسم قديروف بأكثر التصريحات حدة تجاه التعامل مع كييف، ولم يتردد في دعوة الكرملين للتفكير في استخدام السلاح نووي منخفض القوة ضدها.
ولم يسلم من تصريحاته اللاذعة حتى الجنرالات والجنود الذين كانوا مكلفين بالدفاع عن مدينة ميلين التي سقطت مؤخرًا بأيدي القوات الأوكرانية. وقبل ذلك وصف رافضي للتعبئة والمشاركة في الحرب “بالجبناء”.
ورغم أن مجلس الدوما رد على قديروف بأنه ممنوع منعا باتا تجنيد الأطفال في الجيش، فإنه رد بالقول إن “صغر السن لا يجب أن يتعارض مع تدريب المدافعين عن الوطن الأم”.
البدايات
تعود مقدمات صعود قديروف للسلطة إلى نهاية المرحلة النشطة من الحرب الشيشانية الثانية (2000)، عندما نقلت السلطات الروسية السيطرة على الجمهورية إلى أكتاف النخب المحلية، مقابل التخلي عن شعار الاستقلال.
وأدى ذلك إلى تشكيل وضع فريد لجمهورية الشيشان داخل الاتحاد الروسي؛ إذ تسيطر الحكومة المركزية على الجمهورية على نحو محدود. ورسميًا، تعمل المؤسسات والإدارات على المستوى الاتحادي حصريًا وفقًا لقوانين الاتحاد الروسي. أما في الممارسة العملية فهم يطيعون توجيهات قديروف والقوانين الشيشانية التقليدية.
جاء صعود رمضان قديروف إلى الحلبة السياسية على المستوى الاتحادي بشكل سريع، بل وغير متوقع إلى حد ما. وتعود أسباب نجاحه في تولي رئاسة الشيشان عام 2007 -وعمره 30 عامًا- إلى مجموعة من العوامل:
- تمكنه من استعادة النظام في الجمهورية ذات المليون ونصف المليون مواطن، والتخلص من جميع منافسيه، بمن فيهم أولئك الذين تمتعوا بدعم بعض السياسيين والأمنيين في موسكو.
- إنشاؤه خلال وقت سريع نظامه السياسي الخاص (رأسية شخصية للسلطة)، لكن معارضين شيشانيين يقولون إنه لجأ في بعض الأحيان إلى الأساليب القاسية، ورافقها اضطهاد جماعي باستخدام التعذيب والقمع.
الولاء لبوتين
ويُعرف عن قديروف ولاؤه المطلق للرئيس الروسي فلاديمير يوتين، وأعرب عدة مرات عن قناعته بأن بوتين يجب أن يظل رئيسًا لروسيا إلى الأبد. وعلى سبيل المثال، نظم في أكتوبر/تشرين الأول 2014 احتفالًا بعيد ميلاد الزعيم الروسي في العاصمة غروزني ضم (وفقًا لوزارة الشؤون الداخلية الشيشانية آنذاك) نحو 100 ألف مشارك.
وفي هذا السياق، يشير الكاتب السياسي ألكسي مالاشينكو إلى أنه في الوقت نفسه الذي أجريت فيه هذه الاحتفالات تقريبًا كان 54% من المواطنين الروس يؤيدون عدم وجود بديل لبوتين كرئيس، مما يشير -حسب مالاشينكو- إلى أن قديروف يفكر ويتصرف تمامًا بما يتماشى مع الخطاب الرسمي الروسي.
ومن هنا يرى كثير من المراقبين الروس أن قوة قديروف تستند -إلى حد كبير- إلى علاقته الشخصية مع بوتين، التي تطورت من تلقاء نفسها بعد مقتل والده أحمد قديروف عام 2004 في تفجير بملعب دينامو بغروزني.
علاوة على ذلك، يبدو قديروف في نظر الكرملين الأكثر نجاحًا بين رؤساء جمهوريات شمال القوقاز، حتى أن بعض السياسيين الروس يأسفون لأن تجربة قديروف في الشيشان -من وجهة نظرهم- لم تمتد إلى شمال القوقاز بأكمله، وإلى حد ما إلى بقية روسيا.
ويعتمد الحكم الذاتي في الشيشان على قوات مسلحة محلية يتراوح عددها بين 10 و30 ألف شخص، ويطلق عليها “كاديروفتسي” (القديروفيون)، ويتبعون رسميا وزارة الخارجية الروسية والحرس الوطني.
ووفقًا لمركز كارنيغي في موسكو (تعدّه القوانين الروسية عميلا أجنبيا)، فإن هذه القوات تشكل الجيش الخاص لقديروف، الذي يقوده رفاقه، وتخضع جميع قوات الجيش والأمن تقريبًا لسيطرة سلطات جمهورية الشيشان، ولا يظل سوى جهاز الأمن الفدرالي المحلي مستقلا.
قبضة موسكو في القوقاز
بالنسبة لموسكو، شكلت قيادة قديروف في جمهورية الشيشان عنصرًا مهمًا في حرب روسيا ضد الجماعات المسلحة في شمال القوقاز، ولعب المقاتلون الشيشان دورًا بارزًا في دعم القوات الروسية خلال ما يسمى حملات التطهير من الانفصاليين والأصوليين، التي تمثلت في تسلل مقاتلين شيشان إلى صفوفهم أو قتلهم، وعزلهم عن المدن.
ووفقًا لمصادر روسية، فإن ذلك أدى إلى طرد ما بين 4000 إلى 5000 مقاتل من تلك المناطق إلى العراق وسوريا، حيث انضم عدد كبير منهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية، ومن بين هؤلاء نحو 1500 شيشاني.
دور شرق أوسطي
كما يلعب قديروف دورًا خاصًا في السياسة الروسية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وعلى مدى السنوات الماضية، عقد هو ورفاقه -بصفتهم ممثلين عن الرئيس بوتين والاتحاد الروسي- عشرات الاجتماعات مع قادة ومسؤولين كبار في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين وقطر وليبيا وغيرها.
إلى جانب ذلك، تقيم مؤسسة قديروف الخيرية علاقات مع الجالية الشيشانية الكبيرة -إلى حد ما- في تركيا وسوريا والأردن؛ وبالتالي نشر نفوذ قديروف داخل هذه الجاليات في الشرق الأوسط، الشيء الذي عزز مكانة الزعيم الشيشاني في الساحة السياسية الروسية.
ورغم أن مراقبين روسا يرون أن قديروف الضامن الأهم للوضع الحالي في الشيشان، فإنهم على المدى الطويل لا يستبعدون في حال رحيل الزعيم الروسي مراجعة النموذج الحالي للعلاقات بين الحكومة المركزية وغروزني.
ومن المكن أن يؤدي ذلك -من جملة أمور أخرى- إلى توجه الشيشان مجددًا للحصول على الاستقلال وتوسيع حدودها على حساب الجمهوريات المجاورة، كما فعلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فحسب هؤلاء، ما تزال الميول الانفصالية في الجمهورية قوية.