بعد أن كان داعما لحل سلمي ودائم الاتصال ببوتين.. ما أسباب تغير إستراتيجية ماكرون من الحرب في أوكرانيا؟
باريس- بعدما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون آخر القادة الأوروبيين الذين يتصلون بشكل دوري بالرئيس فلاديمير بوتين مشجعا على إيجاد حل ومخرج سلميين للأزمة الأوكرانية، تغيرت نبرته في الفترة الأخيرة وأصبحت خياراته تميل أكثر إلى التصعيد والحل العسكري، حيث أعلنت باريس الأسبوع الماضي أنها تدرس إرسال المزيد من العتاد العسكري إلى أوكرانيا لمواجهة روسيا، بما يشمل مدافع “هاوتزر” الفرنسية من طراز “قيصر”.
كما أعلن ماكرون الجمعة في اختتام القمة الأوروبية ببراغ رصد “صندوق خاص” بقيمة 100 مليون يورو يمكن أوكرانيا من “شراء العتاد العسكري مباشرة من طرف مصنعي الأسلحة، التي هي في حاجة لها، لدعم جهودها في الحرب”.
ما قيمة المساعدات العسكرية الفرنسية لأوكرانيا؟
قدمت فرنسا لأوكرانيا منذ بداية الحرب 18 مدفع قيصر عيار 155 مليمترا وصواريخ مضادة للدبابات والطائرات، وعربات مدرعة، ووقودا، وتجهيزات فردية ونحو 15 مدفع “تي آر إف1”.
وقالت وسائل إعلام محلية إن باريس تدرس تزويد كييف بـ6 إلى 12 مدفع “قيصر” إضافيا مستقطعة من طلبية للدانمارك، وتدرس فرنسا أيضا إمكانية منح كييف 20 مركبة مدرعة من طراز باستيون.
وقال الرئيس ماكرون الخميس الماضي إن بلاده تدرس إرسال مدافع “هاوتزر” من طراز “قيصر” إضافية إلى أوكرانيا التي تحاول منذ أكثر من 7 أشهر دحر الجيش الروسي عن أراضيها.
وفي شهر مايو/أيار الماضي أعلن قصر الإليزيه، أنه منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أرسلت السلطات الفرنسية مساعدات عسكرية إلى كييف بقيمة إجمالية قدرها 100 مليون يورو.
لماذا غيّرت فرنسا موقفها من الحرب في أوكرانيا؟
أشار المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية في باريس فرج معتوق إلى أن هناك نوعا من اليأس تجاه عملية السلام من الجانب الفرنسي لأن بوتين يتحدث إلى ماكرون ولكنه لا يأخذ برأيه، وهذا ما فهمه الرئيس الفرنسي في الفترة الأخيرة فقط.
كما أن الانتصارات الميدانية الأخيرة للجيش الأوكراني وتقدمه خاصة في الأسبوعين الأخيرين أسهمت بشكل أساسي في تغيير موقف فرنسا وإستراتيجيتها الاتصالية، لأن ماكرون لا يريد أن يكون آخر من يساند هذا الجيش الذي بصدد قلب الموازين ومعادلة الحرب، بحسب معتوق.
وأضاف للجزيرة نت أن “النقطة الجوهرية في هذه المسألة هي أن فرنسا لا يمكن لها أن تغرد خارج السرب الأوروبي، فلما ننظر إلى المواقف القوية والمتزمتة لليتوانيا والتشيك وخاصة بولندا التي تنصت لها كثيرا فرنسا، كل هذه البلدان هي على مرمى حجر من روسيا ويتهددها الخطر في كل لحظة، لذلك كان على ماكرون أن يساند مواقف هذه الدول ويتخلى عن أمله في السلام ويتخذ موقفا جديدا”.
هل براغماتية ماكرون هي السبب؟
وخلال إعلانه عن إنشاء الصندوق الأوروبي الخاص بأوكرانيا، قال ماكرون “سنضخ في هذا الصندوق 100 مليون يورو في البداية”، ما سيتيح “التمكن من العمل أيضا مع القاعدة الصناعية للدفاع الفرنسي”.
ويؤكد معتوق أن الجانب البراغماتي للرئيس ماكرون يتدخل كثيرا في تغيير الإستراتيجية لأن شركات تصنيع الأسلحة الفرنسية ستجني فوائد كبيرة من المساعدات العسكرية الأوروبية.
وتابع مشددا على نقطة يعتبرها إستراتيجية وهي أن هذه الحرب تمثل فرصة من ذهب لباريس لكي تختبر أسلحتها وتجربها على الميدان وحتى تثبت أنها متفوقة في التكنولوجيا الدفاعية وفي صناعة الأسلحة النوعية مثل مدفع قيصر.
ما الموقف الروسي؟
وكرد على هذا التصعيد الفرنسي الأخير، والموقف الجديد والإجراءات والمساعدات العسكرية النوعية المعلن عنها أخيرا، قامت روسيا باستدعاء السفير الفرنسي بيير ليفي بموسكو لتقديم توضيحات بشأن دعم باريس العسكري التقني لكييف، وأبلغ نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو السفير الفرنسي تقييمات موسكو للدعم العسكري التقني لأوكرانيا من فرنسا والغرب.
وشدد الدبلوماسي الروسي على خطورة زيادة توريد الأسلحة والمعدات لنظام كييف، وتكثيف البرامج التدريبية للجيش الأوكراني.
وقالت الخارجية الروسية في بيان إن هذا الخط يتعارض مع تأكيدات المسؤولين في باريس بشأن اهتمامهم بتسوية سلمية في أوكرانيا.
ما الخصائص الفنية لمدفع قيصر؟
وفق موقع وزارة الدفاع الفرنسية، يتميز مدفع قيصر بخصائص فنية متطورة:
- مدفع عيار 155 مليمترا الطول 52 عيارًا (يزيد قليلاً على 8 أمتار).
- الشركة المصنعة نيكستر Nexter.
- أكثر قدرة على الحركة من المدفعية التقليدية ذاتية الدفع.
- المدفع مثبت في شاحنة عسكرية للطرق الوعرة 6 × 6 أو 8 × 8 بمدى يصل إلى 600 كيلومتر.
- قدرة كبيرة على التحرك بسرعة وإعادة التموضع بشكل متكرر.
- يتكون طاقمه من 5 أشخاص.
- تكلفة الوحدة للنظام 5 ملايين دولار للنسخة 6 × 6.
- يمتلك نظام تحكم بالغ التطور مزودا بكمبيوتر لإدارة النيران.
- يحتوي على رادار مسؤول عن دقة النيران وعمليات الإطلاق.
- يعمل بنظام القصور الذاتي والملاحة بالقمر الصناعي.
- معدل إطلاق النار 6 طلقات/ دقيقة.
- قادر على إصابة هدف على بعد 40 كيلومترًا بدقة ممتازة.
- نظام تلقيم نصف آلي للذخيرة وتمدد هيدروليكي.
ما الجيوش التي تستخدم مدفع قيصر؟
يمتلك الجيش الفرنسي حاليا 76 من مدافع قيصر ويخطط للحصول على 33 مزودة بمعيار “إن جي” (NG) من الجيل الجديد، بحلول عام 2025.
وبالإضافة إلى القوات البرية الفرنسية التي بدأت باستخدام مدافع قيصر في يوليو/تموز 2008 تستخدم عدد من الجيوش والبلدان حول العالم، مدافع قيصر، كالجيش المغربي، والجيش التايلندي منذ عام 2008، والجيش السعودي والجيش البلجيكي منذ عام 2010، والقوات البرية الإندونيسية منذ عام 2014.
كما تم نشر نظام القيصر بشكل ملحوظ في أفغانستان في عامي 2010 و2011، وفي سوريا بين 2016 و2019.
هل سيغير مدفع قيصر الواقع على الأرض؟
أوضح معتوق أن هذا المدفع مؤثر بشكل كبير على الميدان لأن كل الخبراء العسكريين يقرون بأهمية هذا المدفع وقدرته الفتاكة وتفوقه على أرض الميدان حيث يصل مداه إلى 40 كيلومترًا كما أنه يتميز بالسرعة والدقة، ولكنه يستدرك متسائلا إلى أي مدى يمكن أن تؤثر ضربات هذا السلاح الفتاك في جلد الدب الروسي؟ مجيبا في نفس الوقت: هذا ما لا نعرفه.
هل تنجح الإستراتيجية الجديدة في كسر شوكة الدب الروسي؟
لاحظ أستاذ العلاقات الدولية بباريس أنه من الصعوبة بمكان أن تنجح الإستراتيجية في كسر شوكة الدب الروسي، مشددا في نفس الوقت على أن روسيا لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، خاصة إذا واصل بوتين السيطرة على الجبهة الداخلية وتواصلت ثقة الشعب الروسي فيه.
ما أبعاد الموقف الجديد على مستقبل الحرب؟
شدّد معتوق على أن المؤشرات تذهب نحو تصعيد كبير وإطالة أمد الحرب وأن بوتين يراهن على الرأي العام الغربي مع موجات البرد ونقص الغاز ومواد الطاقة، وأن كل هذه الأمور مرشحة للتطور والتأزم مع قدوم الشتاء.
ورجّح أن تتوسع دائرة الحرب وتدخل أطراف أخرى على الخط مثل بيلاروسيا، خاصة مع تكثيف المساعدات العسكرية النوعية الغربية لأوكرانيا.