نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية (Foreign Affairs) مقالا مطولا لباحث دولي يعقد فيه مقارنة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين، مستعرضا أوجه الشبه بين شخصيتيهما وأسلوبهما في الحكم، وعلاقتهما بالغرب ودول الجوار.
فيوضح مقال الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أندري كوليسنيكوف، أن جوانب الشبه بين الشخصيتين لا تقتصر على حقيقة أن استخدام القبضة الحديدية التي انتهجها ستالين، في حكم الاتحاد السوفياتي السابق، أصبحت هي النموذج الذي يتبعه قصر الكرملين اليوم في إدارة شؤون روسيا.
ويقول الباحث إن بوتين نفسه أصبح يشبه إلى حد كبير ستالين في سنينه الأخيرة، عندما كان هذا الزعيم السوفياتي في أوج حالاته من القسوة وجنون العظمة.
ففي نهاية الحرب العالمية الثانية، كان ستالين قد تجاوز 20 عاما في الحكم. ومنذ ذلك الحين -وحتى وفاته عام 1953- انتقل بنظامه إلى مراحل جديدة من الاستبداد الشديد اتسمت بعدم تحمله آراء الآخرين، والشك على الدوام بالمقربين منه، والتباهي، والوحشية الوقحة حقا، والأفكار الوسواسية المضللة، على حد تعبير المقال.
ومثل ستالين فترته الأخيرة، أمضى بوتين أيضا أكثر من 20 عاما في السلطة -بما في ذلك فترته رئيسا للوزراء من 2008 إلى 2012-، وفي ولايته الرئاسية الحالية التي بدأت عام 2018- حيث أظهر خلالها كثيرا من صفات الزعيم السوفياتي الراحل.
فقد أجرى بوتين تعديلا على الدستور لإعادة ضبط الأمور وفق شروطه الرئاسية، ودبّر محاولة تسميم واعتقال زعيم المعارضة أليكسي نافالني، وبدأ حربا ذات عواقب وخيمة على العالم بأسره.
أوجه الشبه بين الزعيمين
ويزعم كاتب المقال أن روسيا تحولت عام 2022 إلى حكم فرد مطلق كامل الأوصاف بعد أن استوعب بوتين مجددا كل المقوِّمات التقليدية للحكم الشمولي “الستاليني” تقريبا، من عبادة الشخصية إلى تمجيد “الموت البطولي”.
وتبدأ أوجه التشابه بين بوتين وستالين بأسلوبهما ونموذجهما في القيادة. فبالنسبة لبوتين -كما كان حال ستالين- فإن عملية صنع القرار تنحصر في شخص واحد فقط. ولا يملك مساعدوه ومستشاروه أي قدرة تقريبا في التأثير عليه أو اقتراح إجراءات بديلة.
ويرى الباحث في مقاله أن بوتين تجاوز -في بعض الأمور- مثله الأعلى في إضفاء الطابع الشخصي على حكمه. فعلى سبيل المثال، كان ستالين مولعا بالحديث عن نفسه بصيغة الجمع، وهي نفس الطريقة التي يتبعها بوتين عندما يتحدث باسم الدولة أو النخب.
لقد تعلم بوتين أيضا من “الدكتاتور” السوفياتي كيفية التعامل مع نظامه، فكثيرا ما كان ستالين مرتابا من دائرته الداخلية، وكثيرا ما كان يطلق العنان لغضبه على شركائه المقربين.
ويمضي الكاتب في مقارناته لافتا إلى أن بوتين -كما ستالين من قبله- سيطر تماما على النخب الروسية، مما جعلها ترتعد خوفا وتكره حاكمها في السر. ويضيف أن أفراد النخب اليوم يخشون بوتين، لكنهم يخشون بعضهم بعضا أكثر، تماما كما فعل أسلافهم في عهد ستالين.
تكتيك آخر ورثه بوتين عن ستالين يتمثل في استخدام القوة العسكرية لحل المشكلات، وهو أمر يبدو أنه عفا عليه الزمن تقريبا في القرن الحالي. وفي هذا السياق، يعود الكاتب بالذاكرة إلى حرب الشتاء عام 1939 -أي قبل الحرب العالمية الثانية- عندما أخفق ستالين في انتزاع مناطق من فنلندا المجاورة فكان أن عمد إلى غزوها، وهو الشيء نفسه الذي فعله بوتين مع أوكرانيا.
ومثلما توقع ستالين من البروليتاريا (الطبقة العاملة) الفنلندية أن تستقبل رفاقها السوفيات بالورود، افترض بوتين أن الأوكرانيين سيرحبون بالجنود الروس كمحررين. وفي الحالتين، ثبت خطأ الزعيمين. حتى استخدام بوتين للانفصاليين الموالين لروسيا كان ابتكارا ستالينيا، كما يفيد مقال فورين أفيرز.
ويمضي المقال: عندما أبرم بوتين اتفاقا مع حكومتي إقليمي دونيتسك ولوغانسك شرق أوكرانيا “اللتين تم تشكيلهما على نحو مصطنع” كان يسير على خطى ستالين الذي أسس قيادة فنلندية بديلة يسيطر عليها الكرملين، ثم دخل في اتفاقية مع النظام “العميل”.
رؤية بوتين للعالم
بيد أن التجانس بين بوتين وستالين يتجاوز أساليب الأخير القاسية لتشمل رؤيته الحقيقية للعالم. فالرئيس الروسي الحالي يعتقد -مثل نظيره- أن العالم مقسم إلى مناطق نفوذ، ويفترض أنه يستطيع تحديد المناطق التي يعتقد أنها تخصه بضربات كاسحة على الخريطة.
ويظن بوتين كذلك أن بلاده يمكن أن تزدهر في ظل عزلة سياسية تعيشها، وسياسة الاكتفاء الذاتي الاقتصادي. كما أنه يعتنق -مثل ستالين- النزعة القومية الاستعمارية.
وكما كان الحال مع ستالين السنوات الأولى من الحرب الباردة، قطع بوتين العلاقات مع الغرب وبدأ في تصوير كل شيء أجنبي على أنه غير متوافق مع الأيديولوجية والقيم الروسية.
وبعد أن مهد الطريق لإعادة كتابة التاريخ، وصف بوتين عملية غزو أوكرانيا بأنها حرب ضد النازية والغرب لا تقل عن كونها “حربا وطنية عظمى لم تنته بعد”.
وطبقا للباحث في مقاله، فإن وصف بوتين هذا يعد “تزويرا للتاريخ على نطاق واسع وتلاعبا بالوعي الجماعي لبلد بأكمله “لقد أصبح التاريخ، بنظر بوتين، أداة رئيسية للحفاظ على حكمه والسيطرة على البلاد تماما كما كان يؤمن بذلك ستالين”.