انقسام في أوساط النخب الروسية بشأن الحرب في أوكرانيا (رويترز)

انقسام في أوساط النخب الروسية بشأن الحرب في أوكرانيا (رويترز)

قالت محللة سياسية روسية إن النخب السياسية في بلادها تكابد لقطع صلتها بالرئيس فلاديمير بوتين في ظل التراجع “المحرج” للقوات الروسية في أوكرانيا.

ورأت رئيسة مؤسسة “آر بوليتيك” (R. Politik) للتحليل السياسي تاتيانا ستانوفايا أن إعلان وزارة الدفاع الروسية انسحاب قواتها بالكامل من مدينة خيرسون (جنوبي أوكرانيا) في وقت سابق من الشهر الجاري يمثل “كارثة حقيقية”.

 

وأضافت أن هذا التراجع “المحرج” -الذي أعقب الهجوم المضاد الناجح لأوكرانيا في مقاطعة خاركيف في سبتمبر/أيلول الماضي- دفع العديد من النخب الروسية للتشكيك في الغزو والاعتراض عليه.

وزعمت أن ثمة انقساما في الجبهة الداخلية الروسية بدأ الظهور بين فريقين: أحدهما مؤيد لنهج الرئيس فلاديمير بوتين في حربه على أوكرانيا، وآخر معارض.

واستعرضت ستانوفايا (وهي باحثة غير مقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي) -في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية- بشيء من التفصيل طبيعة الخلافات بين الفريقين وهواجسهما من تداعيات الحرب.

 

“موسكو لم تُحسن إدارة الحرب”

وكشفت عن أن الفريق الذي ظل يعارض الحرب منذ بدئها، لكنه ظل صامتا وآثر السلامة؛ انضم إليه العديد من الأشخاص الذين دعموا الحرب بنشاط ولكنهم باتوا الآن على قناعة بأن موسكو لم تحسن إدارة الغزو، وأعربوا سرا عن رغبتهم في أن تنتهي الحرب.

 

بل إن البعض منهم -كما توحي الكاتبة- يساورهم القلق من أن الرئيس بوتين لم يعد لائقا لقيادة البلاد، وعرضة لارتكاب الأخطاء، وعاطفي بشكل مفرط في اتخاذ القرارات.

وذكرت عددا من الشخصيات والقوى السياسية الروسية “الوطنية” البارزة المؤيدة للحرب، الذين طالبوا موسكو مؤخرا بالقتال حتى الوصول إلى كييف عاصمة أوكرانيا، إلا أنهم بدوا أخيرا أكثر واقعية.

ومن أمثال هؤلاء مراسل بقناة “أوبراز بودوشيغو” التابعة لمؤسسة “تليغرام” الشهيرة الموالية للجيش الروسي، إذ كتب أن على موسكو العمل على تجميد الصراع وإجراء إصلاحات داخلية.

وهناك يوري بارانشيك الوطني الروسي البارز في مؤسسة “تليغرام”، الذي قال إن الحرب “الخاطفة” التي شنتها موسكو على أوكرانيا قد فشلت، وينبغي عليها الكف عن محاولة المضي قدما فيها، والاستعاضة عن نهجها هذا بالتحصن في مواقعها الحالية في ساحات القتال، والتركيز على القضايا الداخلية.

محلل تلفزيوني آخر شهير هو ألكسندر ميدفيديف نصح روسيا مؤخرا بالاعتراف بأن الوضع في أوكرانيا سيئ، وأقر بأن موسكو ستواجه المزيد من الهزائم.

 

حتى القوميين العدوانيين -كما تطلق عليهم ستانوفايا- مثل أليكسي زيفوف جادلوا بأن الحرب تظهر أن النظام السياسي الروسي قد فشل. ويشدد هؤلاء على أن تعمل روسيا على تدبير شؤونها الداخلية، والتصدي للفساد بدل مواصلة القتال في أوكرانيا.

 

صعود الواقعيين

قد يعتقد البعض في الغرب أن الخلاف المتزايد داخل روسيا يمثل فرصة، ولربما تكون هناك مجموعات روسية مؤثرة تريد من موسكو تخفيف نبرتها الخطابية والدخول في مفاوضات حقيقية مع كييف والغرب لإنهاء الحرب.

ولكن حتى لو كانت هناك دعوات متنامية في الداخل لإعادة النظر في الحرب والتركيز على المشاكل المحلية، فهناك -حسب رأي الباحثة الروسية- تعقيدات جدية تجعل من الصعب على هؤلاء “الواقعيين” أن يتحولوا إلى صناع سلام.

ووفقا لمقال فورين أفيرز، فإن أولئك الواقعيين يتوجسون من أي مفاوضات قد تؤدي إلى قرار مذل يهدد مستقبلهم السياسي أو حتى سلامتهم الشخصية.

والجدير بالملاحظة أنه لم يؤيد أي شخص في القيادة الروسية علنا أي شكل من أشكال التنازلات الإقليمية التي من شأنها أن ترقى إلى مستوى الاعتراف بهزيمة روسيا، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى محاكمة جنائية.

 

وللسبب نفسه، لن تجرؤ النخب في البلاد على الانقلاب على الرئيس بوتين؛ فعلى الرغم من إخفاقاته فإنه يظل أفضل رهان للحفاظ على حكمه وضمان أمنه وسلامته.

وتلفت الكاتبة في مقالها إلى أن صعود الواقعيين قد يكون حاسما لإنهاء الصراع، إدراكا منهم بأن المسار الحالي للحرب سلوك “انتحاري”، وأن تنفيذ المزيد من الفظائع وإهدار الموارد المتقلصة من شأنه أن يفاقم موقف روسيا المتدهور بالفعل في صراع سيتعين على موسكو وضع حد له في النهاية.

وتمضي ستانوفايا إلى القول إن موسكو باتت منقسمة بشدة بشأن الصراع الحالي؛ بين نخب من “القوميين المتطرفين” ترى في إظهار الدعم للحرب مفتاحا لبقائها السياسي، ويتصورون إمكانية تحقيق انتصار واضح وسقوط كييف في نهاية المطاف بأيدي روسيا. وجوقة متزايدة من الواقعيين أدركت أن موسكو لا تملك الموارد التي تحتاجها للفوز؛ لذا فهم يفضلون نهجا تتجنب فيه روسيا المزيد من الهزيمة من خلال تجميد الحرب عبر إبرام اتفاق مؤقت مع الغرب، وحفر خطوط دفاعية حول مواقعهم الحالية واستخدام التعزيزات لوقف تقدم أوكرانيا.

ومع ذلك، فإنه لا أحد في النخبة الروسية يؤيد انسحابا للقوات من أوكرانيا إلى مواقع ما قبل 24 فبراير/شباط الماضي، وهو اليوم الذي شنت فيه موسكو الحرب على جارتها الغربية.

المصدر : فورين أفيرز

About Post Author