المجلس الأعلى للاستثمار سيأخذ على عاتقه اتخاذ كل ما يلزم لتهيئة مناخ أفضل للاستثمار (غيتي)

المجلس الأعلى للاستثمار سيأخذ على عاتقه اتخاذ كل ما يلزم لتهيئة مناخ أفضل للاستثمار (غيتي)

القاهرة– تلقت بيئة الاستثمار في مصر دفعة قوية بموافقة مجلس الوزراء على مشروع قرار رئيس الجمهورية بتشكيل “المجلس الأعلى للاستثمار” ونظام عمله، الذي يأتي في سياق بدء تحرير الاقتصاد المحلي من وصاية الدولة، استجابة لتوجيهات صندوق النقد الدولي.

ويعد مشروع القرار جزءا من سلسلة قرارات أخرى سابقة، مثل اعتماد البنك المركزي المصري سعرا مرنا لصرف الجنيه، وخفض قيمته بنحو 55% مقابل الدولار منذ مارس/آذار الماضي، ورفع الفائدة 2%، وبدء عودة العمل بمستندات التحصيل لتسهيل إجراءات الاستيراد.

 

وينص مشروع القرار على أن يُشكل المجلس برئاسة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وعضوية كل من: رئيس مجلس الوزراء، ومحافظ البنك المركزي المصري، وعدد من الوزراء ورؤساء الجهات المعنية، وتلتزم أجهزة الدولة بما يصدر عن المجلس الأعلى من قرارات.

وسيأخذ المجلس على عاتقه اتخاذ كل ما يلزم لتهيئة مناخ أفضل للاستثمار، ووضع الإطار العام للإصلاح التشريعي والإداري لبيئة الاستثمار، وإقرار السياسات والخطط الاستثمارية التي تحدد أولويات مشروعات الاستثمار المستهدفة، ومتابعة تنفيذ أجهزة الدولة للخطط والبرامج المتعلقة بالاستثمار.

وسيتولى كذلك متابعة تحديث الخريطة الاستثمارية وتنفيذها على مستوى القطاعات المتخصصة والمناطق الجغرافية المختلفة، واستعراض الفرص الاستثمارية المتاحة في كل قطاع، ومتابعة آليات تسوية منازعات الاستثمار وموقف قضايا التحكيم الدولة.

وكانت مصر ألغت وزارة الاستثمار في التعديل الوزاري عام 2019 وضمتها إلى مهام رئيس الوزراء بدعوى محاولة التغلب على مشكلة التداخل المستمر بين وزير الاستثمار وبقية الوزراء وغياب التنسيق.

 

وتوجد هيئة معنية بالاستثمار في مصر، وهي الهيئة العامة للاستثمار، ومن أهدافها الإستراتيجية الترويج لمصر عالميا بوصفها بيئة محفزة وآمنة للاستثمار، وتعزيز التعاون مع هيئات الاستثمار في العالم، وخاصة على المستوى الأفريقي، وزيادة قدرة مصر التنافسية على جذب الاستثمار، خاصة في المجالات التي تمتلك مصر بها ميزة تنافسية.

مجلس ليس جديدا

ربما لا يكون مفاجئا للبعض أن هذا المجلس ليس بجديد أو مستحدث، بل يعود تاريخ تأسيسه إلى أكتوبر/تشرين الأول 2016 بقرار من الرئيس عبد الفتاح السيسي ويرأسه شخصيا ويضم في عضويته رئيس مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزي وعددا من الوزراء والجهات والهيئات، إلى جانب رئيس اتحاد الصناعات ورئيس اتحاد جمعيات المستثمرين.

ومن المهام التي كانت منوطة بالمجلس ذاته مراجعة السياسات الاستثمارية للدولة ووضع الإطار العام للإصلاح التشريعي والإداري لبيئة الاستثمار، وإزالة جميع معوقات الاستثمار، ومتابعة آليات تسوية منازعات الاستثمار، وتحسين مناخ الاستثمار، وجذب الاستثمارات.

وفي أول اجتماع له -في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2016- أصدر المجلس العديد من القرارات المتعلقة بتشجيع مناخ وبيئة الاستثمار وتقديم تسهيلات للمستثمرين وإعفاءات ضريبية لبعض المشاريع الاستثمارية.

وكان أبرز تلك القرارات الموافقة على تمديد قرار تجميد العمل بالضريبة على الأرباح الرأسمالية في البورصة لمدة 3 سنوات، لكن بعد قرار تعويم الجنيه في اليوم التالي والاعتماد على الأموال الساخنة، تلاشى دور المجلس تدريجيا.

 

أزمة الدولار كاشفة للاقتصاد

وضمن مساعي الدولة لجذب الاستثمارات المباشرة في المشروعات الاقتصادية، وافق السيسي نهاية الشهر الماضي على منح الرخصة الذهبية لكل المستثمرين المتقدمين لإقامة مشروعات، وذلك لمدة 3 أشهر قابلة للتجديد.

وأوضح الرئيس المصري -خلال افتتاح المعرض والملتقى الدولي الأول للصناعة، بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس اتحاد الصناعات- أن الدولة تسعى إلى دعم وتوطين الصناعات الوطنية، للاعتماد على المنتج المحلي وتقليل الواردات بنسب تتراوح بين 30% أو 50% أو أكثر.

وتحصل الشركات بموجب الرخصة الذهبية على موافقة واحدة على إقامة المشروع وتشغيله وإدارته وتراخيص لبناء المشروع وتخصيص المنشآت اللازمة له.

وأشار السيسي إلى أن “أزمة الدولار كاشفة، وفاتورة الدولار ترتفع على الدولة عاما تلو الآخر”.

استثمار بعيون صندوق النقد

وأشار المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال، وائل النحاس، إلى أن “إنشاء المجلس كان بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي عام 2016 ضمن البرنامج الاقتصادي المشترك، ولم يجتمع المجلس إلا مرتين فقط، وما جرى هو إعادة تشكيل المجلس، بناء على طلب صندوق النقد أيضا. نرى أنها خطوة إيجابية في ظل الحديث عن الرخصة الذهبية والشباك الواحد وتعديلات قانون الاستثمار”.

 

ويظل تفعيل العمل بنظام الشباك الواحد -في إشارة إلى اختصار الإجراءات البيروقراطية- أحد أهم مطالب المستثمرين في العديد من القطاعات الاقتصادية التي تختصر الخطوات الروتينية لإنشاء الشركات وبدء العمل والإنتاج.

وأضاف النحاس، للجزيرة نت، “أدعو أن يظل المجلس الأعلى للاستثمار في حال انعقاد تام، لحين حل مشاكل الاستثمار سواء مع المستثمرين الحاليين أو الذين غادروا بالفعل، خاصة أن مكونات المجلس من الجهات السيادية القادرة على تمرير القرارات سريعا”.

واعتبر أن المشكلة ليست في قانون الاستثمار، بل في البيروقراطية التي تجعل الاستثمار تحت رحمة مزاج أي موظف، والمطالب الورقية التي لا تنتهي.

وقسّم المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال الاستثمارات الموجودة إلى نوعين: الأول استثمار لا يفيد إلا المستثمر ويضر الدولة مثل استثمار من قبيل تعبئة وبيع مياه للمواطنين، ثم يقوم بتحويل أرباحه بالدولار إلى الخارج ويشكل عبئا على العملة المحلية، والثاني استثمار مفيد للطرفين وهو الذي يقوم على إنشاء صناعات جديدة وتصديرها وجلب عملة صعبة للبلاد، وبالتالي عندما يقوم بتحويل أرباحه ستكون جزءا من العملة الصعبة التي أدخلها من عمليات التصدير.

وذهب النحاس إلى القول إن هذه المرة تختلف عن سابقتها، لأنه بعد عدم التزام مصر بخريطة الصندوق المتمثلة في الخصخصة وتعزيز دور القطاع الخاص وتسهيل إجراءات الاستثمار وهي مطالب 2016، سيشرف الصندوق وجهات التمويل على تنفيذ تلك القرارات والتعهدات.

 

وتوصلت مصر، بعد مفاوضات شاقة مع صندوق النقد الدولي، إلى اتفاق تمويل على مستوى الخبراء، قيمته 3 مليارات دولار، الذي بدوره سوف يمهد لتمويل إضافي يبلغ نحو 5 مليارات دولار من الشركاء متعددي الأطراف والإقليميين.

وقال الصندوق -في بيان نهاية الشهر الماضي- “سيلعب شركاء مصر الدوليون والإقليميون دورا حاسما في تسهيل تنفيذ سياسات السلطات وإصلاحاتها”، مشيرا إلى أن القاهرة ستحصل على مليار دولار إضافي من خلال صندوق الاستدامة وهي آلية جديدة اعتمدها الصندوق لمساعدة الدول النامية، ليصبح إجمالي المبلغ 9 مليارات دولار.

تعديل قانون الاستثمار

على المستوى التشريعي، شارفت تعديلات قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 على المرور إلى محطتها الأخيرة، بوصولها مجلس الشيوخ تمهيدا لعرضها على مجلس النواب ومناقشتها وطرحها للتصويت.

ويقول أحمد كوجك -نائب وزير المالية للسياسات المالية- إن تعديلات قانون الاستثمار تهدف إلى استحداث حوافز ضريبية لتعزيز مناخ الاستثمار في مصر، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر ومراعاة المعايير الدولية.

بينما شكك بعض النواب في قدرة التعديلات الجديدة على معالجة مشاكل الاستثمار من جذورها، مشيرين إلى القانون سيواجه عقبات عديدة داخل دواوين الحكومة خلال تنفيذه على أرض الواقع.

 

 

 

خطوة متأخرة لكن ملحة

وفي شأن متصل، أكد أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، هشام إبراهيم، أن “هناك ضرورة للمجلس الأعلى للاستثمار، في ظل عدم وجود جهة رسمية سوى هيئة الاستثمار العامة التي تلعب دور المنظم والرقيب، وليس لها دور كبير في جذب وتنشيط الاستثمار والترويج له، ويفترض أن يقوم به (بالدور) المجلس الجديد لزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية”.

وأشار، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار تخارج الدولة -بما فيها الجيش- من بعض القطاعات الاقتصادية، طبقا لوثيقة سياسة ملكية الدولة (من المتوقع صدورها نهاية العام) التي تحدد القطاعات التي ستغادرها بشكل جزئي أو كلي لصالح القطاع الخاص، مع ضرورة بقائهما في بعض المشروعات.

ولا يعني التوجه للاستثمار المباشر الاستغناء عن الاستثمار الأجنبي غير المباشر (الأموال الساخنة) في ظل الحاجة الملحة للعملة الصعبة وتسديد الالتزامات على الدولة، بل السير بالتوازي مع جذب استثمارات مباشرة كبيرة سيساعد بمرور الوقت في تقليل الاعتماد على الاستثمار غير المباشر.

تراجع الاستثمار المباشر

وكان حجم الاستثمارات المباشرة في مصر ارتفع من 4.6 مليارات دولار عام 2014 إلى 9.1 مليارات دولار عام 2019، وهو أعلى مستوى له منذ 2010، وشكل نحو 20% من إجمالي الاستثمارات المباشرة في القارة السمراء إلا أن منحدر التراجع بدأ منذ عام 2020 و2021 إلى 5.9 و5.1 مليارات دولار، على التوالي.

وكان انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر بنسبة 12% عام 2021 قد خالف الاتجاه العالمي الذي شهد تعافي التدفقات الوافدة بنسبة 64% مقارنة بالتباطؤ الناجم عن جائحة كوفيد-19 عام 2020.

 

ويبقى حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال عام 2021 أقل بكثير من بعض دول الجوار، مثل السعودية والإمارات حيث تراوح بين 19 و20 مليار دولار، حسب تقرير الاستثمار العالمي الذي أصدره الأونكتاد.

وتأمل الحكومة المصرية في تحقيق انفراجة في الاستثمارات المباشرة بعد أن تعهدت السعودية وقطر والإمارات بدعم الاقتصاد المصري بودائع واستثمارات بمليارات الدولارات وتحويل الودائع إلى استثمارات مباشرة في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية.

المصدر : الجزيرة

About Post Author