أبرزها مستشفى 57357 لسرطان الأطفال.. هكذا أثّرت الأزمة الاقتصادية في العمل الخيري بمصر
القاهرة- بالتزامن مع الإعلان عن أزمة تبرعات في مؤسستين بارزتين في العمل الخيري بمصر، تتصاعد مع دخول فصل الشتاء أعباء إضافية على المؤسسات الخيرية على وقع الأزمة الاقتصادية في البلاد، وانخفاض قيمة الجنيه المصري، بينما تحاول الحكومة التدخل لإنقاذه.
ووجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤسسات العمل الأهلي التنموى مؤخرًا إلى مواصلة جهود الحماية الاجتماعية للمواطنين الأكثر احتياجًا، من خلال تقديم كل المساعدات الاجتماعية المتنوعة الممكنة، كما وجّه بزيادة الدعم الحكومي الموجّه إلى التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي (مؤسسة حكومية) بمقدار مليار جنيه إضافية، ليصبح إجمالي الدعم المقدّم من الدولة 10 مليارات جنيه للتحالف (الدولار حوالي 24.5 جنيه).
وانطلق التحالف في مارس/آذار الماضي تحت رعاية مبادرة “حياة كريمة” الرئاسية، بمشاركة مفتوحة ضمّت -حتى الآن- 24 جمعية ومؤسسة أهلية وكيانًا خدميًا وتنمويًا، من بينها كبرى مؤسسات العمل المدني؛ مثل: جمعية الأورمان، وبنك الطعام المصري.
أزمة مالية
ويعاني قطاع كبير من المؤسسات الخيرية في مصر من أزمة تبرعات في الآونة الأخيرة، حيث يواجه مستشفى سرطان الأطفال 57357، أزمة مالية حادة جراء نقص التبرعات.
وقال مصدر مطّلع بالمستشفى للجزيرة نت “نواجه أزمة مالية صعبة؛ بسبب ارتفاع سعر الدولار، وتكلفة الأدوية، وباقي الأعباء المالية المترتبة على ذلك، ونتمنى سرعة تجاوب المواطنين مع دعوات التبرع”.
وطالب ناشطون ومشاهير -عبر مواقع التواصل- المصريين بإنقاذ المستشفى من الإغلاق، لافتين إلى أن المستشفى يعاني جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أدت إلى تراجع حجم التبرعات التي يتلقاها المستشفى.
وكان الرئيس التنفيذي لمجموعة 57357 ومدير المستشفى شريف أبو النجا، أعلن منذ يوليو/تموز الماضي أن المؤسسة تواجه أزمات مالية بالفعل. ودعت المؤسسة المواطنين قبل أيام إلى استمرار الدعم والتبرع للمستشفي حتى ولو 10 جنيهات فقط، من أجل استمرار علاج الأطفال وطمأنة ذويهم، دون أن تتحدث عن أزمة صراحة.
انخفاض التبرعات وزيادة المصروفات
وكسرت مؤسسة مرسال البارزة في المجال الطبي بمصر حاجز الصمت، بإصدار بيان رسمي أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشف عن وجود أزمة تبرعات في الوقت الحالي، ما استدعى تدشين حملة بالتعاون مع أحد المواقع الإعلامية الرسمية. وأوضحت المؤسسة أن كل يوم يمرّ يزيد معه عدد المرضى، وتزيد تكلفة علاجهم أضعاف.
وأوضح متطوع متعاون مع إحدى الجمعيات الخيرية أن الأمور على غير ما يرام في مجمل العمل الخيري؛ حيث تتزايد الأسعار بينما تقلّ نسب التبرعات، وهو ما يؤثر في الخدمات الخيرية.
وفي حديثه للجزيرة نت، ضرب المتطوع -الذي طلب حجب اسمه- مثلًا بأن عائلات معروفة في إحدى قرى محافظته القليوبية شمالًا، كانت تشارك بنسب ثابتة مع كل عمل خيري، لكن الفترة الأخيرة شهدت تعثرًا في التبرعات لدى بعض العائلات، ما ترتب عليه تأخير بعض الأعمال الخيرية.
وأضاف مصدر آخر بإحدى الجمعيات الخيرية في محافظة الجيزة إن الجمعيات مثلها مثل عموم المصريين، الذين تأثروا بارتفاع أسعار السلع والخدمات، ومن ثم فهي تحاول تقديم خدماتها بالحد الأدنى الموجود، في ظل قلّة التبرعات حتى تفى باحتياجات الفقراء.
الأعباء الإضافية على المواطنين بسبب زيادة الأسعار، دفعت مؤسسة مرسال الخيرية إلى رفع الكفالات الشهرية لنحو 400 من عائلات المرضى بنسبة 30%، حتى يتمكّنوا من التعايش مع الأيام الصعبة الحالية، وفق وصف مدير المؤسسة هبة راشد.
من جهته، أعلن شيخ الأزهر أحمد الطيب -المشرف على بيت الزكاة والصدقات- زيادة الحد الأدنى للإعانة الشهرية المقدّمة من البيت الخيري لصالح غير القادرين والأسر الأوْلى بالرعاية، الذين يقدّر عددهم بحوالي 500 ألف مصري من الفقراء والمساكين، لتصبح 700 جنيه شهريًا بدلًا من 500 جنيه، وبزيادة قدرها 200 جنيه شهريًا لكل أسرة مستفيدة، بداية من شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري لتدارك الضغوط الاقتصادية.
حملات الشتاء
بالإضافة إلى اضطرارها لرفع قيمة المساعدات الخيرية، تواجه الجمعيات الخيرية مسؤولية الوفاء بأعبائها الموسمية المرتبطة بقدوم فصل الشتاء، والتي تتضمن تنظيم حملات توزيع مواد غذائية وأغطية وملابس شتوية.
ودشّن التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى (جهة رسمية) في الأيام الأخيرة المرحلة العاشرة من قوافل “ستر وعافية” بمحافظة قنا جنوب البلاد، التي تتضمن: تزويج يتيمات، وتوزيع مواد غذائية، ولحومًا، وأغطية ضمن حملة دفا الشتاء، وذلك على أكثر من 20 ألف مستفيد.
ودشّن بيت الزكاة والصدقات حملة “ستر ودفا” لمساعدة كل محتاج مع دخول فصل الشتاء، عبر إطلاق قافلة لتوزيع 100 ألف (صُندوق غذائي، وغطاء، ومعطف)، لكل محافظات مصر.
وأطلقت مؤسسة عمار الأرض الخيرية -المقرّبة من الداعية المصري مصطفى حسني- حملة “ستر وغطا”، تضم سهمًا بقيمة 150 جنيهًا لشراء غطاء تدفئة للأسرة الفقيرة في الشتاء، وتضم سهمًا بقيمة 4000 جنيه، أو سهمًا جزئيًا بقيمة 500 جنيه؛ لبناء أسقف للبيوت في القرى الفقيرة.
وواصلت مبادرة “حياة كريمة” الرئاسية قوافل “وصل الخير 4” ، مع بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري بالتنسيق مع التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، لضمان عدم تكرار التوزيع بذات القرى، وتوحيدًا للجهود وضمان وصول المساعدات للمستحقين بشكل عادل، وفق بيان رسمي.
ودشّنت جمعية رسالة -البارزة في العمل الخيري- حملة “صك الخير” بقيمة 250 جنيهًا، لتوفير الحماية للأسر التي تعاني بسبب أمطار الشتاء.
ولجأت جمعية الأورمان لتقديم خدمة التقسيط للأسهم الخيرية بقسط شهري 250 جنيهًا لمدة 18 شهرًا، للمشاركة في حملة “ستر ودفا” للمساهمة في تدفئة الأسر الفقيرة.
تحدٍّ صعب
في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أن معدلات التضخم والركود كبيرة، ما يؤثر سلبيًا في تبرعات فاعلي الخير، ولذلك فإن الجمعيات الخيرية تواجه تحديًا صعبًا للغاية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف الخبير الاقتصادي أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر تؤثر -كذلك- في شريحة الفقراء التي ارتفعت معدلاتها واحتياجاتها بشكل كبير جدًا في الآونة الأخيرة، وهو ما تطلّب أن يرفع بيت الزكاة وغيره قيمة المعونة لها.
ويوضح الصاوي أن خط الفقر للأسرة المصرية كان يقدّر بحوالي 8500 جنيه، ووصل إلى 10000 جنيه أو أكثر، مع تزايد معدلات التضخم والركود بعد انخفاض قيمة الجنيه، ومن ثم فلا بد أن تحاول الحكومة -التي تدفع في حدود 550 جنيهًا فقط في برامج الحماية- رفع القيمة؛ لتتواكب مع الواقع الاقتصادي الحالي.
ويقترح الصاوي أن ترفع الدولة يدها فورًا عن كثير من الأمور الاقتصادية، التي تؤدي إلى تحسين دخول الفقراء؛ مثل: إعفاء شرائح معينة من الضرائب، خاصة أصحاب الدخول المتوسطة أو المنخفضة؛ حتى لا يؤثر في دخول الأفراد ويمتنعون عن التبرع للجمعيات الخيرية، أو على الأقل يُنقصون من حصة تبرعاتهم.
من جانبه، يرى رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية وعضو التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي طلعت عبد القوي، أن هناك قاعدة بيانات كاملة بشأن الفئات الأكثر احتياجًا في كل محافظات مصر، وخريطة الفقر على مستوى القرى، للتعامل مع الأزمة الراهنة.
وأضاف في تصريحات متلفزة أن هناك اهتمامًا رسميًا من الدولة لمؤسسات المجتمع المدني الخيري، دفعها إلى إنشاء مظلة جامعة، لتكون تحالفًا وطنيًا يضم 24 مؤسسة خيرية من كبرى المؤسسات، بجانب مبادرة حياة كريمة الرئاسية، بمستهدفات واضحة ترتكز على دعم الأسر الأكثر احتياجًا، وتحقيق التنمية وتوفير فرص عمل، بما يحقق مردودًا اقتصاديًا ملموسًا للأسر في نطاق نشاط التحالف.
أكثر من 50 ألف جمعية
وتبلغ عدد الجمعيات الأهلية المسجلة في مصر نحو 52 ألف جمعية ومؤسسة، وفق آخر إحصاءات رسمية معلنة أواخر العام الماضي.
وتصل نسبة معدلات الفقر في مصر -البالغ عدد سكانها أكثر من 104 ملايين- إلى 29.7%، وفق الجهاز المركزي للإحصاء (جهة حكومية).
وحسب دراسة حديثة بعنوان “واقع العمل الأهلي في مصر.. الفرص والتحديات”، فإن الجمعيات الأهلية بمصر تمثّل دورًا رعائيًا كبيرًا تطوّر بتطورها، وذلك منذ نشأتها أواخر القرن الثامن عشر.
وقد كشفت الدراسة التي أعدّتها أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية -(جهة حكومية)- هويدا عدلي، أن غالبية الجمعيات تركّز نشاطها على القرية أو النَّجْع الذي توجد فيه، كما أنها تميل للعمل الخيري بالأساس، غير أن الكثير منها يتم إنشاؤه من قبل عائلات وأسر، فضلًا عن الصبغة الدينية للكثير منها، بينما يعمل بعضها وكلاء لبعض المنظمات الخيرية الكبيرة؛ مثل: بنك الطعام، ودار الأورمان في توزيع الطعام والكساء على الفقراء في قرى مصر.
وأوضحت الدراسة -المنشورة على الموقع الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات (جهة حكومية تتبع رئاسة الجمهورية)- أن هذه الجمعيات تتمتع بمصادر تمويل متنوعة ومتدفقة، سواء من الداخل عبر تبرعات رجال الأعمال والزكاة والصدقات، أو عبر التمويل من جهات مانحة دولية، سواء حكومية أو غير حكومية، وتنتشر في جميع أنحاء البلاد مع التركيز على المناطق الأكثر فقرًا، وفقًا لخرائط الفقر؛ مثل: ريف الوجه القبلي.