كيف تخدم إعادة عسكرة اليابان وألمانيا مصالح أميركا؟.. إجابات من واشنطن
واشنطن- بعث الهجوم الروسي على أوكرانيا من ناحية، وتزايد التهديدات الصينية بغزو تايوان من ناحية أخرى، برسائل سلبية لليابان وألمانيا فيما يتعلق بعقيدة تسليح جيشيهما.
وضاعف تطور العلاقات العسكرية والاقتصادية بين روسيا والصين، وانتظامهما في القيام بمناورات عسكرية ضخمة يشارك فيها عشرات الآلاف من جنودهما، الإحساس بغياب رادع عسكري ألماني أو ياباني أمام أي تصعيد روسي أو صيني.
ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمتهما واستسلامهما، تبنت الدولتان دساتير سلمية حدت من قدرتهما على بناء جيوش قوية أو لعب أي دور عسكري في النزاعات الخارجية.
وبسرعة كبيرة، تشهد اليابان وألمانيا خطوات متسارعة باتجاه تغيير عقيدة تسليح جيشيهما، وهو ما يثير الكثير من القلق عند خصوم الدولتين في الصين وروسيا وكوريا الشمالية، في الوقت الذي تلقى هذه الخطوات ترحيبا كبيرا داخل واشنطن.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول ستيف بايفر، خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد بروكينغز، تعليقا على هذا التحول إن هناك “تفهما أميركيا ودعما واسعا للقرارات المتخذة في طوكيو وبرلين لزيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز قدرات جيشيهما”.
ميزانيات للتسليح
والأسبوع الماضي، كشفت اليابان عن ميزانية عسكرية قياسية بلغت 51.4 مليار دولار، وبررت إقرارها بسياسة دفاعية جديدة للتصدي للنفوذ العسكري الصيني، ووصفت الصين بأنها “تحد إستراتيجي غير مسبوق” لأمنها، إضافة لتهديدات كوريا الشمالية.
من جانب آخر، وافق البرلمان الألماني (البوندستاغ) مؤخرا بأغلبية كبيرة على تعديل دستوري يتيح استثمارات بالمليارات لصالح الجيش الألماني.
وفي 31 مايو/أيار الماضي، قال المستشار الألماني أولاف شولتز إن بلاده ستمتلك قريبا أكبر جيش نظامي لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوربا، مضيفا أن ذلك سيعزز بشكل كبير أمن ألمانيا وحلفائها.
طوكيو تشعر بالخطر
وتتطلع اليابان إلى تعزيز قدرتها العسكرية وتعزيز إنفاقها الدفاعي منذ وصول رئيس الوزراء فوميو كيشيدا للحكم في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وبسبب القرب الجغرافي لتايوان التي لا تبعد عن اليابان إلا حوالي 100 كيلومتر من جزيرة يوناغوني اليابانية، يرى الكثير من الخبراء أن أمن مضيق تايوان يعد مصدر قلق طبيعي لطوكيو.
كذلك لدى اليابان نزاعات مع الصين بشأن سلسلة جزر سينكاكو في بحر الصين الشرقي. وبالإضافة إلى “المخاطر” التي تشكلها الصين، أطلقت كوريا الشمالية في وقت سابق من العام الجاري صواريخ باليستية بعيدة المدى فوق اليابان.
وبموجب المادة 9 من دستور اليابان، تعهدت طوكيو بـ”نبذ الحرب إلى الأبد” بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، على نحو لا يسمح لقوتها المسلحة بالحرب إلا للدفاع عن البلاد.
إلا أنه قبل عامين، أصبحت اليابان أحد أركان تحالف رباعي يضم أستراليا والهند والولايات المتحدة لمواجهة نفوذ الصين المتزايد.
ويقول الخبير بايفر إنه “على مدار العقدين الأخيرين، راقبت اليابان الصين وهي تبني قواتها العسكرية بشكل مطرد تتخذ معه موقفا أكثر تهديدا تجاه تايوان، بينما أطلقت كوريا الشمالية هذا العام عددا قياسيا من الصواريخ طويلة ومتوسطة المدى مر بعضها من فوق الأراضي اليابانية”.
ثقة مفقودة
من ناحية أخرى، وعلى الساحة الأوروبية، يؤمن بايفر بأن “الحكومة الألمانية أدركت أن روسيا ليست الشريك الذي كانت تأمل أن تكون عليه، وأن طموحات الكرملين قد تمتد إلى ما وراء أوكرانيا”.
وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يدرك الألمان أن “آسيا والتعامل مع صعود الصين سيستهلكان المزيد من الاهتمام والموارد والتركيز العسكري الأميركي”.
وكانت ألمانيا من بين الدول الأعضاء في الناتو التي انتقدها الرئيس السابق دونالد ترامب لفشلها في الوفاء بالحد الأدنى من التزام المنظمة البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي.
كما ترددت برلين في فرض عقوبات قوية على روسيا نظرا لاعتماد ألمانيا الكبير على الغاز الروسي، الذي يشكل حوالي 30% من إمدادات الطاقة.
وأوقفت ألمانيا أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الذي يورد الغاز من روسيا، وهو مشروع مشترك يكلف 11 مليار دولار كان من شأنه أن يضاعف صادرات الغاز الروسي إلى ألمانيا بعد تدخل روسيا عسكريا في أوكرانيا.
في أول يوليو/تموز الماضي، وافقت الحكومة الفدرالية الألمانية على مشروع الميزانية الفدرالية لعام 2023، وكذلك الصندوق الخاص للجيش الألماني الذي تم الإعلان عنه بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
ويبلغ حجم الإنفاق العسكري عام 2023 ما يقرب من 55.4 مليار دولار، كما بدأت ألمانيا خطوات تأسيس صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني، ومؤخرا أعلنت برلين أنها أبرمت صفقة مع واشنطن لشراء 35 طائرة من طراز “إف-35” (F-35).
واتخذت ألمانيا خطوات عسكرية غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ مدت أوكرانيا بأكثر من ألف صاروخ مضاد للدبابات و500 صاروخ ستينغر المضاد للطائرات.
كما أوقفت الحكومة الألمانية الكثير من القيود المفروضة على الأسلحة الألمانية الصنع التي يتم إرسالها إلى مناطق الصراع، مما مكّن المزيد من دول ثالثة من إرسال أسلحة إلى أوكرانيا أيضا.
مصلحة أميركية
وتصب القرارات اليابانية والألمانية لتعزيز قدراتهما الدفاعية التقليدية في مصلحة الولايات المتحدة إلى حد كبير.
وفي حديث مع الجزيرة نت، اعتبر روبرت بيرسون، أستاذ العلاقات الدولية في ويست بوينت، وهي أشهر أكاديمية عسكرية أميركية، أنه فيما يتعلق بإعادة تسليح اليابان وألمانيا، وهما من أهم حلفاء أميركا في شرق آسيا وأوروبا، فإن “هذا يعد تطورا إيجابيا بالنسبة لواشنطن، فنحن في عصر تتزايد فيه منافسة القوى العظمى، حيث تشكل القوى الاستبدادية الرجعية مثل روسيا والصين تهديدات متزايدة لجيرانها، وكثير منهم حلفاء ديمقراطيون للولايات المتحدة”.
وأشار بيرسون إلى أن “التحالف الغربي يكون أقوى عندما يتقاسم جميع الشركاء عبء الدفاع عن مصلحتنا المشتركة في الاستقرار والأمن العالميين، من هنا فالاستثمارات المتزايدة التي تقوم بها ألمانيا واليابان تشكل مساهمة إيجابية في تلك المهمة المشتركة”.
من جانبه، يقول الخبير الأوروبي للجزيرة نت إن “وجود حلفاء أقوى يخفف بعض العبء عن الولايات المتحدة ويمكن أن يعزز ردع الخصوم المحتملين”.
ويضيف أن من المرجح أن تتأثر قرارات إنفاق المزيد على الدفاع في كل من طوكيو وبرلين إذا عاد الجمهوريون إلى البيت الأبيض، خاصة أن الرئيس السابق دونالد ترامب تبنى سياسة “أميركا أولا”، وهم ما تم ترجمته في عاصمتي الدولتين على أنه تخلٍّ أميركي عن التزاماتها بالدفاع عنهما.