في مثل هذا الوقت من كل عام تعم الاحتفالات في مختلف أرجاء العالم، وبالذات في أوروبا والعالم الغربي بمناسبة أعياد الميلاد والسنة الجديدة، ويستمتع عدد كبير من البشر بالأثواب والملابس الجديدة والحلى المزركشة والزينة المبهرة لشجرة عيد الميلاد المجيد.
ولكن في العديد من الثقافات في نصف الكرة الشمالي، تسبب الانقلاب الشتوي في فترة الأعياد في إثارة مخاوف كبيرة، ولعدة قرون، كانت المجتمعات في جميع أنحاء أوروبا ريفية بشكل أساسي وتحت رحمة الطبيعة، لذلك ليس من المستغرب أن يشعر الناس بأنهم محكومون من قِبَل قوى خارقة للطبيعة.
مثلا اعتقد كثير من الأوروبيين في العصور الوسطى أن هذا هو الوقت الذي تجوب فيه الأشباح والعفاريت والكائنات الأسطورية المرعبة الأرض.
أشباح وعفاريت
في آيسلندا في هذا الوقت من العام، عندما يستمر ضوء النهار من 4 إلى 5 ساعات، اعتقد الآيسلنديون في العصور الوسطى أن هذا هو الوقت المثالي لظهور الأشباح والعفاريت المرعبة، وتتضمن إحدى الملاحم الآيسلندية المسماة “إيربيججا” (Eyrbyggja) قصة مزارع دعا جيرانه إلى وليمة عيد الميلاد، فقط للهرب من رفقة الأشباح، ونصحهم بنفض الوحل عن ملابسهم ورشها على الأشباح الموجودة في البيت حتى لا يصابوا بالمرض. حسب ما ذكرت صحيفة “الغارديان” (The Guardian) في تقرير لها مؤخرا.
ثم هناك العفريت الأسطوري المسمى “نيس” (Nisse) في جنوب السويد والنرويج والدانمارك. وغالبًا ما يضع المزارعون أوعية من عصيدة الأرز على عتبات منازلهم لتهدئة هذه العفاريت القصيرة ذات اللحية البيضاء.
وإذا تمت معاملتهم بشكل جيد، فإنهم يحمون الأسرة والحيوانات من الشر والبؤس، لكنهم إذا تعرضوا للإهانة فسيسرقون البيوت والمحاصيل وصولا إلى قتل الحيوانات وتشويه المزارعين والسكان.
في عام 1812، اخترع الكاتب واشنطن إيرفينغ فكرة القديس نيكولاس وهو يهز المدخنة، لكن قبل ذلك، كانت الأرواح تزور المواقد المنزلية، وغالبًا ما يدخل الإله الإسكندنافي أودين المنزل من خلال المدخنة عند الانقلاب الشتوي.
وفي إنجلترا، كان السكان يثقبون قلب ثور ضخم بالمسامير والأشواك ثم يُعلقونه داخل المدخنة من أجل معاقبة السحرة.
أما “كرامبوس” (Krampus) فهو شخصية مرعبة من الفولكلور النمساوي- البافاري، وهو ذو شعر بني أو أسود، وله حوافر مشقوقة وقرون ماعز صلبة، ويُعتقد أن اسمه مشتق من الكلمة الألمانية “كرامبن” (Krampen)، التي تعني “المخلب”، وهو دائما يحمل أغصانًا من خشب البتولا ليضرب الأطفال المشاغبين ويأكلهم أو يأخذهم إلى الجحيم.
أصول مظلمة
بعض القصص والحكايات والتقاليد الشعبية التي يتم الاحتفال بها أثناء فترة الأعياد لها أصول مظلمة حقيقية، تدل على مدى الوحشية والفقر والجوع والخرافات التي كانت سائدة في مختلف أرجاء أوروبا، مثلا في القرن الـ18 كان عازفو الترانيم الدينية يقتحمون البيوت ويكسرون الأبواب بحثا عن الطعام والشراب.
وروى الكاتب والمؤرخ توماس كريستنسن، في مقال له، كيف كان عازفو الترانيم في القرن الـ17 يصلون إلى المنازل دون سابق إنذار ويطالبون السكان بأجود أنواع الطعام والشراب، وفي كثير من الأحيان يمارسون العنف والاغتصاب، ويدمرون الممتلكات، وينشدون الأغاني بكلمات مثل “لقد جئنا إلى هنا للمطالبة بحقنا، وإذا لم تفتح بابك، سنضعه على الأرض”.
حكاية الملك الطيب وينسيسلاس هي ترنيمة عيد الميلاد الشهيرة التي يتم غناؤها في مختلف الكنائس المسيحية حول الملك اللطيف الذي يساعد فلاحا فقيرا في عاصفة ثلجية، ومع ذلك، فإن معظم الناس لا يعرفون أن مصدر إلهام الأغنية (الملك الطيب) كان شخصا حقيقيا مات بشكل مروع.
ولد وينسيسلاوس الأول دوق بوهيميا (جمهورية التشيك حاليا) عام 907 ميلادي، بعد وفاة والده فراتيسلاوس الأول، وقامت والدته “دراهوميرا” التي كانت ابنة زعيم قبلي وثني بتربيته.
في سبتمبر/أيلول عام 935، قُتل وينسيسلاوس بناءً على أوامر أخيه الطامع في السلطة، وتعرض للطعن مرارًا وتكرارًا برمح أثناء الصلاة في الكنيسة، ثم تم سحب جثته وجرى تقطيع أوصاله بالسواطير حرفيا أمام الكنيسة، وذلك حسب ما ذكرت منصة “إنسايدر” (Insider) في تقرير لها مؤخرا.
وفي الحقيقة، لم يتم الاحتفال بعيد الميلاد دائمًا في 25 ديسمبر/كانون الأول من كل عام حيث تم تحديد تاريخ ميلاد السيد المسيح رسميا فقط بعد أكثر من 300 عام على يد البابا يوليوس الأول. وقبل ذلك، تم تحديد ولادة المسيح في 3 تواريخ مختلفة على الأقل: 29 مارس/آذار و6 يناير/كانون الثاني وفي وقت ما في يونيو/حزيران.
ولكن تم التوافق على تاريخ 25 ديسمبر/كانون الأول لأنه كان يتزامن مع تاريخ مهرجان وثني روماني قديم يدعى “ساترنيليا” (Saturnalia) -عيد الإله ساتورن- وفقًا لموسوعة بريتانيكا.
تضمن هذا المهرجان القديم “الشرب غير المقيد” وتغيير الأدوار بين العبيد وأسيادهم حيث كان يمنح العبيد حرية مؤقتة ليفعلوا ما يحلو لهم في فترة العيد، كما تم فيه إغلاق المدارس، والسماح للمجرمين بالانتشار، وكذلك تشجيع الأثرياء على تقديم الهدايا للفقراء لتجنب السرقة، إضافة إلى إقامة الولائم، وتبادل الزيارات، وتزيين البيوت، وغيرها من المظاهر الاحتفالية التي نشاهد الكثير منها الآن في احتفالات عيد الميلاد.
لقد كانت هذه الأساطير دائما جزءا من التاريخ البشري التي لها جذورها الحقيقية في كثير من الأحيان، وكثير من الأعياد لها أصول وثنية، وحسب ما يقول ويل ديورانت مؤلف كتاب “قصة الحضارة” (The Story of Civilization): “يجب علينا أن نتذكّر أنّ التاريخ الذي نكتبه مختلفٌ إلى حد كبير عن التاريخ الذي نعيشه”.