1.5 مليون فتوى خلال العام الماضي.. لماذا زاد إقبال المصريين على الفتاوى الدينية؟
القاهرة- بات عام 2022 هو الأعلى في عدد الفتاوي التي تصدرها دار الإفتاء المصرية في تاريخها، إذ أجابت عن أكثر من مليون و563 ألف طلب فتوى، بزيادة تقدر بنحو 200 ألف فتوى عن العام السابق.
تصدرت القضايا الأسرية قائمة الفتاوى التي رغب المصريون في معرفة أحكامها الشرعية. وفي حين تنوعت الفتاوى الرسمية بين الشفوية والهاتفية والمكتوبة والإلكترونية، احتلت قضايا الأسرة، خاصة المتعلقة بالمرأة، نسبة 63% من إجمالي الفتاوى. ومثلت قضايا التطرف 12% من الفتاوى، تلتها قضايا العبادات بـ9%، ثم المعاملات المالية بنسبة 7%، وجاءت في مراتب متأخرة كل من فتاوى العادات والآداب والأخلاق.
من جانبه، أوضح مفتي مصر، شوقي علام، حرص دار الإفتاء على أن تكون مصدرا للإشعاع الإفتائي على مستوى العالم، مشيرا إلى جهودها في تدريب وتأهيل الطلاب والأئمة من العاملين بحقل الإفتاء لمواجهة الآراء المتطرفة والشاذة، موضحا أن عددا من الفتاوى الصادرة هذا العام تصدت لمجموعة من الظواهر السلبية مثل العنف الأسري، وحقوق المرأة العاملة، وحقوق الزوجة وواجباتها.
وأعلنت دار الإفتاء، أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدء التشغيل الكامل لتطبيق “فتوى برو” (Fatwa Pro)، بهدف التواصل مع المسلمين الناطقين باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ليكون بمثابة المعين لهم في الحصول على فتاوى.
وقبل عام 2013، كانت أعداد الفتاوى لا يتخطى 500 ألف فتوى سنويا، لكن البلاد شهدت تدرجا واضحا في زيادة الإقبال على الفتوى بين المصريين خلال السنوات الأخيرة.
مقام عال
في هذا السياق، يقول أستاذ التفسير بجامعتي الأزهر وقطر، رمضان خميس، إن زيادة أعداد الفتوى هذا العام يرجع لكثرة المشكلات والمسائل التي تظهر في حياة الناس.
وأضاف خميس -في تصريح للجزيرة نت- أن العصر الحالي هو عصر سريع الحركة في كل جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولعل فترة جائحة كورونا ولدت كثيرا من المشكلات على مستويات متعددة، فترتب عليها زيادة في أعداد الفتوى.
ورأى أستاذ التفسير أن إقبال المصريين على الفتوى الرسمية دلالة واضحة على تدينهم، مشيرا إلى أن الإنسان -بصفة عامة- يلجأ إلى الدين بقوة حين يشعر بالحاجة الفطرية إلى ركن يستند إليه، مؤكدا في الوقت نفسه أن غياب رموز علمية ودينية على الساحة كان سببا في انعطاف المسلم إلى الجهة الرسمية للفتوى.
أما عن تعدد وتنوع مصادر الفتوى في مصر، فعده خميس أمرا جيدا فيه سعة وتيسير، موضحا ضرورة أن يتأهل المفتي بشروط الفتوى ويتحقق بأركان المفتي حتى يكون أهلا للتوقيع عن رب العالمين.
تصحيح الفتاوى
بدوره، أكد أمين الفتوى بدار الإفتاء، خالد عمران، اهتمام دار الإفتاء بأي سؤال يأتيها من المواطنين، لافتا إلى كونها الجهة الإفتائية الأولى بالبلاد، إذ إنها أول دار للإفتاء بالتاريخ، حسب قوله. وتأسست دار الإفتاء المصرية عام 1895 بأمر من حاكم مصر وقتئذ الخديوي عباس حلمي.
وأوضح عمران -في تصريحات متلفزة- حرص دار الإفتاء على محاربة الفتاوى المغلوطة وتصحيحها تفاديا للتضليل المجتمعي، لافتا إلى أن تلك الفتاوى يتم تداولها بشكل سريع وواسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف أن الأسرة بمختلف قضاياها كانت المحور الأهم عند المستفتين خلال عام 2022، خاصة قضايا الزواج والطلاق والعلاقة بين الزوج والزوجة والعلاقة بين الأبناء، مشيرا إلى أن النسبة الأكبر من الأسئلة كانت ترد من النساء.
وعن أغرب القضايا التي طلب المصريون الفتوى بشأنها، قال أمين الفتوى إن أغرب القضايا تعلقت بالخيانة الحقيقية ووهم الخيانة، فضلا عن مشروعية بعض الألعاب الإلكترونية، خاصة تلك التي تمثل تهديدا لحياتهم.
عدم الثقة
تلك الزيادة في عدد الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء، هذا العام وعلى مدار الأعوام الأخيرة، تتناقض مع استطلاع رأي أجرته المؤسسة الدينية الرسمية بنفسها، أغسطس/آب 2020، حول الجهة التي يلجأ إليها المصريون بحثا عن الفتوى.
فعبر صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك، كانت دار الإفتاء خيّرت المصريين بين محرك البحث غوغل وموقع دار الإفتاء، وجاءت النتيجة لصالح الخيار الأول بنحو 70% من المشاركين في الاستطلاع.
بنهاية عام 2020، أصدرت دار الإفتاء بيانا أكدت فيه إصدار 1.3 مليون فتوى بزيادة تقدر بنحو 200 ألف فتوى عن العام الذي يسبقه، وهو رقم ضخم يتناقض مع عدم ثقة المصريين بالجهة الرسمية، حسبما أكد الاستطلاع الذي أجرى في العام نفسه.
ومطلع عام 2020، أجرى المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام دراسة حول مدى ثقة المصريين في الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء، وأظهرت أن 46% من المستهدفين بالدارسة لا يثقون بالفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء بشكل عام، في حين أبدى 51% من المستهدفين بالدراسة عدم ثقتهم بالفتاوى ذات الجانب السياسي.
إثارة الجدل
لا يقتصر الإفتاء في مصر على جهة واحدة، إذ تصدر عن مؤسسة الأزهر فتاوى عبر هيئة كبار العلماء، ولجنة الفتوى بالجامع الأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية، ومركز الأزهر العالمي للفتوى، فضلا عن اجتهادات مشايخ وزارة الأوقاف وأساتذة الفقه والشريعة، والمنتمين لجماعات دينية، التي يتلقاها مصريون بوصفها فتاوى يثقون بها.
ذلك التنوع في مصدر الفتوى ينتج عنه بالتبعية عدد ضخم من الفتاوى يثير بعضها الجدل المجتمعي، سواء بسبب خلاف حول مطلقها أو لماهية الفتوى نفسها.
وشهد عام 2022 عدة فتاوى مثيرة للجدل، مثل الفتوى التي أصدرها الرئيس السابق لحزب النور السلفي، يونس مخيون، بشأن تحريم مشاهدة كرة القدم، مؤكدا أنها لعبة تهدر الوقت والعمر، وتصرف الناس عما ينفع، معتبرا لاعب الكرة الأرجنتيني ليونيل ميسي عدوا للدين.
كما أفتى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أحمد كريمة، بأن عقد الزواج بين الأنثى التي لم تبلغ 18 عاما والذكر الذي لم يتجاوز 21 عاما غير صحيح شرعا، مؤكدا ضرورة أن يتحلى الزوجان بالأهلية الشرعية.
وأثارت فتوى عضو هيئة كبار العلماء، محمود مهنا، جدلا واسعا، حين أفتى بجواز الصلاة في دورة المياه لمن دخل الإسلام حديثا ويخشى أن يكتشف أمره.
كذلك أفتى أمين الفتوى بدار الإفتاء، خالد عمران، بحرمة التبرع بالأعضاء التناسلية بعد الموت لضمان عدم خلط الأنساب، وأدلى أستاذ الفقه المقارن، سعد الدين الهلالي، بتصريحات حول عدم وجود نص ديني يؤكد فرضية الحجاب على المرأة.
ورغم مكانة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فإن فتواه بضرورة تطبيق “حق الكد والسعاية” -لضمان حفظ حقوق الزوجة في ثروة زوجها- أثارت جدلا مجتمعيا واسعا.