لا تقع ضحية “فجوة الإعجاب”.. الآخرون يحبونك أكثر مما تعتقد وهذا هو الدليل
“هل تحدثت كثيرا؟”، “لم يكن ينبغي أن أحكي هذا الموقف”، “هل بدت تعليقاتي سخيفة؟”، هذه الأسئلة وغيرها من الأفكار التي تراود بعض الناس بعد المناسبات الاجتماعيات، فيبدؤون في التفكير في كل ما قالوه وفعلوه، وينتابهم قلق شديد إزاء الانطباع الذي تركوه لدى الآخرين.
وبالطبع، نريد جميعا أن نشعر أننا محبوبون، لكن التحليل المفرط لتصرفاتنا لا يشغل تفكير أحد غيرنا، إذ ننظر لأنفسنا غالبا نظرة ناقدة، ونظن أن الآخرين ينتقدونا بالحدة نفسها.
ولكن لحسن الحظ، ظنك ليس في محله، ومن حولك يحبونك أكثر مما تعتقد، وليست هذه مجرد كلمات من أجل رفع روحك المعنوية، ولكن هذا ما خلصت إليه الدراسات النفسية.
فجوة الإعجاب
وجدت دراسة أجراها باحثون من جامعة كورنيل وييل وهارفارد وإسيكس -نشرتها مجلة “سايكولوجيكال ساينس” (Psychological science)– أن الناس غالبا ما يقللون من مدى إعجاب الآخرين بهم، وتناولت الدراسة التناقض بين أفكار الشخص عن نفسه وأفكار الآخرين عنه.
ويعبر الاختصاصيون النفسيون عن هذا التباين في وجهات النظر بمصطلح “فجوة الإعجاب”، ويعرّف على أنه ما تظن كيف يفكر بك شخص ما، مقابل ما فكر فيه بالفعل عنك، حسب موقع “سايكولوجي توداي” (Psychology Today).
ويبدو أن الباحثين يمرون أيضا بتجارب نفسية مشابهة، مما دفعهم لإجراء الدراسة، فعبّر جوس كوني، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة هارفارد، عن نفسه قائلاً لمجلة “تايم” (Time) “لدي دائما هذا الشك الذي يتسلل إلي بأن شريكي في المحادثة لا يحبني بقدر ما أحببته، ولا يستمتع بمشاركة الحديث معي بقدر ما استمتعت أنا بصحبته”.
وأجرى الباحثون سلسلة من التجارب، حيث يلتقي شخصان ويتحدثان لأول مرة، ثم يُقيم كل طرف تفاعله في أثناء المحادثة وتفاعل الطرف الآخر معه، وعبر المحادثات التي تفاوتت في مدتها، وجد الباحثون أن تقييم المشاركين للطرف الآخر دائما ما كان أكثر إيجابية من تقييمهم لأنفسهم.
لماذا نقلل من أنفسنا؟
أوضح كوني أن هناك عدة عوامل تسهم في وجود فجوة الإعجاب، منها تركيز الأشخاص الشديد على أنفسهم خلال المحادثات، وافتراضهم أن أفكارهم عن أنفسهم هي ما يعتقده الآخرون عنهم.
وتدفعنا الأفكار السلبية عن الأمور التي لا يمكن لمن نتحدث معهم ملاحظتها، مثل مخاوفنا الخفية جدا، إلى الاعتقاد أن الآخرين لا يستمتعون بوقتهم معنا، بينما لا يرى أحد هذا الحوار الداخلي.
ويميل الناس إلى أن يكونوا أكثر قسوة في نقد أنفسهم وتحليل أفعالهم وأقوالهم أكثر من تفكيرهم في الآخرين، فقد تلاحظ أنك بعد إجراء محادثة تفكر في كل الأخطاء التي اقترفتها، بينما لا تحلل الطرف الآخر كذلك، وتفكر غالبا بما ظهر لك منهم فقط.
ويأتي هذا النقد الذاتي من رغبتنا في أن نكون محبوبين، ولذلك نولي اهتماما كبيرا لأي أخطاء ارتكبناها حتى نصلحها في المستقبل، ولكن، كما تشير الدراسة السابقة يمكن لهذا النقد أن يعطلنا عما ينفعنا، ويستهلك كثيرا من وقتنا وطاقتنا في القلق بشأن أخطاء المحادثة التي لم يلاحظها أحد غيرنا.
كما أشار الباحثون -في حديث لمجلة “فوربس” (Forbes)– إلى سبب آخر وراء فجوة الإعجاب، وهو اعتقاد الناس غالبا أن توترهم وعواطفهم مكشوفة أمام الآخرين، لكن هذا الأمر ليس حقيقيا على الإطلاق، وغالبا لا يلاحظ الناس ما تفكر وتشعر به، ويهتمون فقط بالسلوك الظاهر لهم.
عواقب معطلة
يعاني كثيرون مع اختلاف شخصياتهم من “فجوة الإعجاب”، وهي أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل التفاعلات الاجتماعية مصدرا للتوتر والقلق، حتى بعد انتهائها، وأكثر من يعانون هم الخجولون ومن لديهم احترام ذات متدن.
وبجانب المشاعر السلبية التي تسببها لنا فجوة الإعجاب، فإن لها عواقب أخرى تعطلنا عن المضي قدما، وهو ما وجده آدم ماستروياني الباحث في قسم علم النفس بجامعة هارفارد، في دراسة نشرها موقع “ساينس دايركت” (Science Direct).
وقسم الباحثون المشاركين في هذه الدراسة إلى مجموعات للعمل على مشروع، وحتى مع التركيز على العمل بشكل أساسي، فإن فجوة الإعجاب ظهرت بين المشاركين، واعتقد كثيرون أن أعضاء مجموعتهم التي يعملون معهم يحبونهم أقل من الحقيقة.
وكانت للنتائج عواقب على جودة العمل، فمن خمنوا خطأ أن الآخرين يكرهونهم تجتنبوا طلب المساعدة من زملائهم بالمجموعة، ولم يبادروا إلى الدخول في حوار معهم والتعليق عليهم، وكانوا أقل رغبة في العمل مع هذه المجموعة مرة أخرى في المستقبل.
كما تظل هذه المخاوف داخلنا وتعوقنا عن التفاعل في المناسبات الاجتماعية المستقبلية، مما يضعف روابطنا الاجتماعية وقدرتنا على تكوين علاقات جديدة.
كيف تضع حدا للنقد الذاتي؟
والآن قد تفكر: كيف أتغلب على هذه المشاعر؟ يجيب أستاذ علم النفس الاجتماعي كوني بأن معرفتك بوجود فجوة الإعجاب هي بالفعل أول خطوة للتعامل معها.
ويمكنك الآن أن تدرك أن هذا الصوت الصغير في رأسك الذي يضعك تحت المجهر ليس بالضرورة صوتا يعبر عن الحقيقة، ويجب عدم تصديق كل ما يقوله لك، وتذكر أن من نتحدث معهم مشغولون أيضا بانتقاد أنفسهم، وغير منتبهين لأخطائنا.
فرصة ثانية
حتى وإن كانت افتراضاتك صحيحة بأن الآخرين لم يحبوك لأنك تركت انطباعا سيئا في أول لقاء، لا تزال هناك فرصة لتعديل هذا الانطباع، حسبما وجدت دراسة نشرت في مجلة “نيتشر” (Nature).
واستندت الدراسة إلى سيناريو افتراضي، إذ أعطى الباحثون لأشخاص غرباء الخيار إما أن يقوموا بصدم شخص من المشاركين كهربائيا من أجل المال -مما يخلق انطباعا أوليا سلبيا للغاية- أو أن يرفضوا المال لعدم إيذاء الشخص الآخر.
ووجد الباحثون أن المشاركين في الدراسة كانوا على استعداد لمنح من اختاروا أن يصعقوهم كهربائيا من أجل المال فرصة ثانية لتكوين انطباع جيد عنهم.
لذلك، بعد محادثة عادية -لم تقم بها بصعق أي شخص بالكهرباء- أنت في حال أفضل ممن شاركوا في تلك الدراسة، ولديك فرصة أكبر أن يقبل الآخرون تغيير انطباعاتهم السيئة عنك، ولا داعي للإفراط في التفكير في ما قلته أو فعلته.