تجوب حافلات الشرطة كل مكان في موسكو تقريبا منذ الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، وتراقب معظم وسط المدينة، ومن بين ذلك تمثال لشاعرة أوكرانية أصبح مكانا شهيرا لتدفق صامت ولكن عاطفي للمشاعر المناهضة للحرب.
هكذا صوّر المشهد الحالي في العاصمة الروسية موسكو مقال مشترك لمراسلة “نيويورك تايمز” (New York Times) فاليري هوبكينز والمصورة الوثائقية الألمانية الروسية نانا هايتمان التي تعيش حاليا في موسكو.
وبحسب المقال، منذ أن ضرب صاروخ روسي مبنى سكنيا في مدينة دنيبرو الأوكرانية قبل 10 أيام، مما أسفر عن مقتل 46 شخصا وإصابة 80 آخرين، وبعض سكان موسكو يتوافدون لوضع الزهور وبعض الرموز وصور المبنى المدمر تحت تمثال ليسيا أوكراينكا، الشاعرة والكاتبة المسرحية الأوكرانية التي عاشت في العقود الأخيرة للإمبراطورية الروسية.
وعقب أكبر حصيلة قتلى في ضربة واحدة منذ بدء الحرب، تقول الكاتبتان، أصبح ذلك التصرف تعبيرا عن الحزن والشعور بالعار، والمعارضة للحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا. لكن السلطات في موسكو ما فتئت تزيل تلك الزهور بين الفينة والأخرى.
وينقل المقال عن تاتيانا كروبينا، وهي كيميائية عمرها 28 عاما ذهبت مع مجموعة صغيرة من أصدقائها لوضع الزهور الأسبوع الماضي، قولها إن “المعركة في روسيا المعاصرة، في ظل هذه الظروف، هي معركة صامتة”. وهكذا هي حال الاحتجاج في روسيا بعد 11 شهرا من الحرب، حيث بدأ الروس أيضا في وضع الزهور في مدن أخرى، مستعينين بوسائل التواصل الاجتماعي.
وعلقت الكاتبتان بأن “صراع الزهور” هذا أصبح واحدا من أول الاحتجاجات العامة التي تجري على نطاق واسع منذ الأيام التي أعقبت إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر/أيلول الماضي، أنه سيتم استدعاء مئات الآلاف من الرجال للقتال. وأشارتا إلى العقوبات القاسية التي فرضتها روسيا على من ينتقد الحرب، ولذلك يبدو بالنسبة للعديد من الروس أن وضع الزهور فرصة نادرة لإظهار المعارضة من دون التعرض للاعتقال.
وبالنسبة للروس المناهضين للحكومة ممن لا يزالون يعيشون داخل روسيا، فإن الزهور تذكرهم بأنهم ليسوا وحدهم في معارضتهم للحرب، حتى مع تزايد الدعاية المؤيدة لها وانتشار رسوم الحرفين “زِد” (Z) و”في” (V)، اللذين أصبحا رمزين مؤيدين للحرب على المباني العامة.
وبالنسبة للروس الذين فروا بسبب ما وصفته الكاتبتان بـ”الاضطهاد أو التجنيد المحتمل أو رفض دفع الضرائب التي ستغذي آلة الحرب”، فإن وضع الزهور تحت النصب التذكاري علامة على أنه لا يزال هناك أناس في البلاد يتمتعون بالشجاعة الكافية للاحتجاج، مثل الصحفي الروسي الشهير ألكسندر بيلوتشوف، الذي قال إن هذه وسيلة “لنري الناس في أوكرانيا أن هناك أشخاصا في روسيا لا ينسون ما يحدث وأنهم ليسوا وحدهم”.
وحتى وضع الزهور، تقول الكاتبتان، له عواقب محتملة، إذ اعتقل نحو 7 أشخاص الأسبوع الماضي بسببه. وحاولت الشرطة منع الناس من تصوير تمثال الشاعرة الأوكرانية، وطالبت آخرين بمسح الصور من هواتفهم، لكن الناس لا يزالون يتوافدون وإن فرادى حتى لا يبدو الأمر وكأنه تجمع عام غير قانوني، ويضعون زهورهم خلسة في ذلك المكان.