تستخدم المساجين وتصنفها أميركا منظمة “إجرامية” دولية.. محللون يكشفون الأوراق الخفية لمليشيا فاغنر
تصف فاغنر نفسها بأنها شركة عسكرية خاصة، لكن خصومها يتهمونها بأنها الغطاء الذي تمارس من خلاله روسيا نفوذها في مناطق نزاع عديدة من العالم، فما الدور الحقيقي لهذه المليشيات مع تنامي وجودها في العديد من مناطق النزاع في العالم؟
ومع تصاعد دور فاغنر، لا سيما في حرب روسيا على أوكرانيا، يزداد الجدل بشأنها حتى إن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي أكد أن لديها ما يقرب من 50 ألف عنصر منتشرين في أوكرانيا، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصبح يعول عليها، خاصة أن قدراتها العسكرية تجاوزت ما لدى أي شركة أمنية غربية خاصة، وذلك بفضل دعم الكرملين الذي اتخذها وسيلة لتأمين وجوده وتوسيع نفوذه في مناطق مختلفة من العالم.
وفي تحليل السياسيين لعمل هذه الشركة، قال أستاذ الدراسات الأمنية والإستراتيجية في معهد الدوحة للدراسات العليا عمر عاشور -في حديثه لبرنامج “سيناريوهات” (2023/1/26)- إن فاغنز قوة غير نظامية تتوفر على أسلحة مشتركة ومدرعات مدفعية، ولها قدرات استخبارية وإلكترونية، وكذا قدرات على حشد الطيارين والمشاة.
خسارة مربحة
وأضاف أن البعد السياسي لفاغنر واضح، وما يميزها عن الجيش الروسي هو حشد المقاتلين من السجون لمحاصرة الأوكرانيين، وهذا ما يجعلهم قادرين على مواصلة هجومهم رغم الخسارة.
في المقابل، أشار الخبير العسكري وعقيد الاحتياط في الجيش الروسي فيكتور ليتوفكين إلى أن تاريخ فاغنر ينفخها بشكل أكبر من واقعها وقوتها الحقيقية، معتبرا أنها شركة خاصة عسكرية يخدم بها ضباط الاحتياط أو المتقاعدون للقيام بمهمات عسكرية في إطار عقود تربطها مع حكومات أو شركات، وأوضح أن فاغنر تعمل على خدمة المساجين الذين يقدمون طلبا للتوبة من ذنوبهم -حسب قوله- وهي ليست الشركة الحربية الوحيدة في العالم التي تقدم خدماتها الأمنية.
وعلى الصعيد الأميركي، أوضح حافظ الغويل، وهو كبير الباحثين في معهد السياسات الخارجية في جامعة جونز هوبكنز، أن الإطار القانوني لمثل هذه الشركات في أميركا يتيح إمكانية إنشاء شركة عسكرية تقدم خدماتها للجيش الأميركي.
ولكن عمل هذه الشركات يتم في إطار ضوابط واضحة في القانون الأميركي لا تسمح لمثل هذه الشركات بالانخراط في حروب أهلية بطرق غير مراقبة، بل تفرض قواعد قانونية واضحة، على عكس “فاغنر” التي تشوبها ضبابية كبيرة، وهو أمر مقصود خاصة أنه لا يوجد في روسيا قانون يسمح بإنشاء مثل هذه الشركات.
منظمة “إجرامية” دولية
يذكر أن فاغنر وصلت إلى مستوى قوات جيدة التدريب والتسليح، وهي تساند الجيش الروسي، وقد أثار تصنيف الولايات المتحدة لها منظمة إجرامية دولية الحديثَ عن حقيقة قوتها العسكرية وطبيعة تسليحها ونطاق انتشارها.
وكانت مليشيا “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة قد تأسست في مطلع مايو/أيار 2014. وبادر بتأسيسها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين المعروف بولائه للكرملين وبقربه من الرئيس فلاديمير بوتين. وكان أول تصريح رسمي له الاعتراف بوجود الشركة، وترؤسه لها العام الجاري عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا.
وكان أول ظهور عسكري لمقاتلي فاغنر في الحرب بدونباس عام 2014، ثم شارك مقاتلوها في العملية العسكرية الروسية بسوريا عام 2016. وعقب ذلك برز نجمم فاغنر في ليبيا عام 2019 وأفريقيا الوسطى والسودان ومالي ودول أفريقية مختلفة.
وشاركت شركة فاغنر العسكرية الخاصة في الحرب في أوكرانيا بعد أشهر من انطلاقها، وتركز وجودها على محور سوليدار وباخموت بمقاطعة دونيتسك. وبدأت العمل لأول مرة مع ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، ونفذت هجمات في شرقي أوكرانيا.
ويقول مسؤولون بريطانيون إن عدد مقاتلي فاغنر ارتفع من نحو ألف إلى ما يقرب من 20 ألف مقاتل في أوكرانيا، أي نحو 10% من إجمالي القوات الروسية على الأرض.
افتتح بريغوجين أول مقر لفاغنر في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، وقال في بيانه “مهمة مركز فاغنر هي توفير بيئة مريحة لتوليد أفكار جديدة بغية تحسين القدرة الدفاعية لروسيا”.
وتحسين القدرة الدفاعية لروسيا لا يخفي حقيقة الاتهامات لفاغنر بإرسال مسلحيها إلى عدة دول في أميركا اللاتينية وأفريقيا، وتنفيذ ما توصف بالعمليات القذرة في مناطق النزاعات المختلفة.
ففي سوريا انتشرت فاغنر لدعم النظام السوري منذ 2016 خصوصا حول حقول النفط في دير الزور، وخطفت الأضواء أكثر بعد مقتل عدد من أفرادها في غارة أميركية عام 2018.
وتنشط المجموعة في ليبيا منذ 2016 وتدعم القوات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر. وكشف تقرير سري للأمم المتحدة وجود أكثر من ألف من عناصرها، لكن تقارير أخرى تقدرهم بالآلاف.
ما العقوبات التي تخضع لها؟
في عام 2017، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مجموعة “فاغنر”، حيث أضافتها وزارة التجارة إلى قائمة الكيانات الخاصة بمراقبة الصادرات ردا على مزاعم بأنها كانت تؤجج العنف في شرقي أوكرانيا. وفي عام 2020، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على يفغيني بريغوجين مالك فاغنر بسبب ما سمته “تعزيز النفوذ الخبيث لروسيا” في جمهورية أفريقيا الوسطى.
وفرضت الولايات المتحدة مزيدا من العقوبات على بريغوجين في 2021 لتدخله المزعوم في الانتخابات الأميركية. وفي 13 ديسمبر/كانون الأول 2021، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مجموعة فاغنر، وكذلك على 8 أفراد و3 شركات طاقة في سوريا متهمين بالمساعدة في تمويل المرتزقة في أوكرانيا وليبيا وسوريا. وبعد بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، قالت وزارة الخزانة الأميركية إن بريغوجين واجه المزيد من القيود بسبب دوره في “تمويل” بوتين.