قوات حرس الحدود المصرية تضبط كميات كبيرة من المخدرات (صفحة المتحدث العسكري)

قوات حرس الحدود المصرية تضبط كميات كبيرة من المخدرات (صفحة المتحدث العسكري)

القاهرة – “كنت في طريق بلا عودة، حياتي مدمرة، أتجه سريعا إلى الهاوية، وإلى نهاية مأساوية”، بهذه الكلمات يستعيد الشاب المصري الثلاثيني يونس ذكريات الأيام التي وقع فيها فريسة لإدمان المخدرات.

يروي “يونس محمد” (اسم مستعار)، المدمن السابق والمؤسس لمركز خاص لعلاج إدمان المخدرات في مصر، للجزيرة نت، كيف بدأ هذا الطريق بتدخين مخدر الحشيش، ليصل إلى تعاطي أغلب أنواع المخدرات وأشدها خطورة.

 

يونس كان واحدا من بين ملايين المصريين ممن سقطوا فريسة لتعاطي المواد المخدرة التي تقدر تجارتها بمئات المليارات من الجنيهات، فقد أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي خلال الاحتفالات بعيد الشرطة أن قيمة ما ضبط من مواد مخدرة العام الماضي فقط نحو 8 مليارات جنيه (الدولار نحو 30 جنيها).

ووفق الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية المصرية، ضبطت الأجهزة الأمنية 93 ألفا و997 قضية جلب وترويج وتعاطي مواد مخدرة في عام 2022، وجاء على رأس المضبوطات 347 طنا من مخدر البانغو، و28.7 طنا من الحشيش، و3.4 أطنان من الهيروين، و847 كيلوغراما من الأستروكس، و23 مليونا و71 ألف قرص مخدر.

وعلى مدار شهر يناير/كانون الثاني الجاري، أعلنت الأجهزة الأمنية المصرية ضبط مئات القضايا المتعلقة بتجارة وتعاطي المواد المخدرة.

تجارة الموت تتحدى

الأرقام الرسمية المعلنة تشير إلى أن تجارة الموت لا تتوقف، رغم الكميات الهائلة التي تضبط سنويا.

وإذا عدنا إلى إحصائيات عام 2020 التي أعلنتها مصر، خلال كلمتها في أعمال الدورة 64 للجنة المخدرات بالأمم المتحدة، سنجد أنها تمكنت من ضبط 44 ألفا و416 كيلوغراما من الحشيش، وألف و282 كيلوغراما من الهيروين و259 كيلوغراما من الأفيون، و4 كيلوغرامات من الكوكايين، و13 مليونا و733 ألف قرص ترامادول، و14 مليونا و657 ألف قرص كبتاغون.

 

وفي عام 2016 قدر تقرير صادر عن مركز بصيرة للدراسات حجم تجارة المخدرات في مصر بنحو 400 مليار جنيه، وهو ما كان يعادل 51% من موازنة مصر العامة لعام 2014/2015.

وتشير الإحصاءات الرسمية لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي التابع لوزارة التضامن الاجتماعي إلى أن نحو 40% من مرضى الإدمان بدؤوا التعاطي في سن يراوح بين 15 و20 عاما، يليهم من في المرحلة السنية (20-30 عاما) بنسبة 38.3%، بينما بدأت نسبة 11.5% في التعاطي في سن أقل من 15 عاما، وفقا لتحليل بيانات المتصلين بالخط الساخن لعلاج الإدمان التابع للصندوق خلال عام 2022.

ويتصدر الهيروين المرتبة الأولى بين مواد التعاطي، يليه الحشيش ثم الترامادول والمخدرات التخليقية (الأستروكس والفودو والشابو وكريستال).

وقدم الصندوق في العام الماضي خدمات علاجية مجانية بسرية لأكثر من 169 ألف مريض إدمان في 17 محافظة، وأكثرهم من العاطلين عن العمل بنسبة 62.22%.

وإذا كانت العديد من الدراسات تشير إلى أن كمية المخدرات الفعلية التي يتم تداولها تكون أضعاف ما تتمكن أجهزة الأمن في أي دولة من ضبطه، نصبح أمام أرقام مفزعة لتجارة الموت التي تهدد الشباب المصري، وكاد الشاب يونس أن يكون ضحيتها.

طريق الشيطان

نشأ يونس في أسرة ميسورة الحال، توفي والده ولكن تجارته في المواد الغذائية استمرت بمساعدة بعض الأقارب، فكان يحصل على ما يريد من أموال، ليتلقفه رفقاء السوء ويتحول الشاب الخجول إلى مدمن للمخدرات.

 

مع انجرافه في تيار الإدمان، لم تعد الأموال التي يحصل عليها تكفيه، ليبدأ رحلة أخرى من الانحراف.

“كنت أفكر في الحصول على “الكيف” (اسم يطلقه المصريون على المواد المخدرة) بأي طريقة مشروعة كانت أو غير مشروعة، اقترضت من كل من أعرفه، بعت كل ثمين وقع تحت يدي في المنزل، بدأت العمل موزعًا للمخدرات، وشرعت في التخطيط للسرقة”، على حد قوله.

ويضيف يونس بصوت يغلب عليه التأثر “كانت دعوات أمي لي بالهداية الممتزجة بدموعها عقب كل صلاة تهزني للحظات، وسرعان ما أعود إلى طريق الشيطان؛ تحولت إلى شبح إنسان”.

لحظة فارقة

جاءت اللحظة الفارقة في حياة يونس حين توفي أحد رفقاء الإدمان أمام عينيه نتيجة تعاطي جرعة زائدة من الهيروين، ليدرك وقتئذ “الهاوية المرعبة” التي ألقى بنفسه إليها.

تتسارع أنفاس الشاب فيتوقف عن الحديث لحظات، قبل أن يهدأ ويواصل روايته بشيء من الحماسة “قررت أن أتمسك بما بقي داخلي من إرادة لأعود عن هذا الطريق، كنت أرى النجاة أشبه بالمستحيل، كان الأمر في نظري أشبه بنقل جبل من مكانه”.

 

بحث يونس عن المساندة من أمه وبعض المقربين، لينصحه أحد الأصدقاء بالتوجه إلى مصحة خاصة لعلاج الإدمان، وهناك بدأ طريق الخلاص، أو كما يقول “شهور عدة مرت وأنا في حرب ضروس مع ذلك الشبح الذي يحتل كياني، حتى تخلصت من السم الذي كان يجري في عروقي، كنت كمن ولد من جديد”.

مساعدة الضحايا

المحنة التي مر بها يونس دفعته إلى مساعدة آخرين سقطوا في وحل الإدمان، ليعمل بعد تعافيه على مدار أكثر من عامين في المصحة التي عولج فيها، وساعدته تجربته السابقة في الإدمان على الاقتراب كثيرا من المرضى.

“أعرف شعورهم ومخاوفهم وآمالهم، وأول وأهم ما أفعله هو إقناعهم بأن التعافي ليس مستحيلا”، كما يؤكد يونس وأن هذا هو أول خطوة على طريق العلاج.

بعد أن أيقنت والدة يونس تعافيه، سلمته نصيبه من إرث والده ليبدأ مشروعه الخاص، ليقرر تأسيس مصحة خاصة لعلاج الإدمان، لكي يساعد عشرات الحالات على النجاة من فخ الإدمان وأغلبهم من الشباب الصغار.

إجراءات قانونية

وفي أحدث إجراءاتها لمواجهة انتشار المخدرات، أصدرت مصر عام 2021 قانونا بفصل الموظف الذي يثبت تعاطيه المخدرات، ويستثنى من ذلك الموظف الذي يتقدم طواعية للعلاج.

ومنذ تطبيق القانون في منتصف ديسمبر/كانون الأول وعلى مدار عام كامل تقدم نحو 17 ألف موظف للعلاج من إدمان المواد المخدرة طواعية عبر الخط الساخن لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان، وفقا لتصريحات مديره عمرو عثمان الذي أكد فصل ألف موظف من أعمالهم بعد ثبوت تعاطيهم المخدرات منذ بدء تطبيق القانون.

 

وخضع أكثر من 627 ألف موظف بالجهاز الإداري للدولة للكشف عن تعاطى المخدرات منذ عام 2019 وحتى نهاية عام 2022، وتبين انخفاض نسبة التعاطي بين العاملين من 8% عام 2019 إلى 0.7% حاليا.

 

قرن من السموم

ووفقا لدراسة نادرة حول المواد المخدرة في مصر للدكتور عبد الوهاب محمود، قدمت بمناسبة انعقاد المؤتمر الطبي الدولي بالقاهرة والعيد المئوي لكلية الطب المصرية في 15 ديسمبر/كانون الأول 1928، فإن 85% من العمال والموظفين الذين فصلوا من أعمالهم في المصالح الحكومية والشركات والمصانع الكبرى في الفترة (1926-1928) كان فصلهم نتيجة إدمان المخدرات.

وذكر محمود الذي كان طبيبا في سجن مصر العمومي، في دراسته التي شملت بيانات ألف مسجون من مدمني المخدرات عام 1928، أن 65% من المدانين راوحت أعمارهم بين 20 إلى 30 عاما. وبلغ عدد النساء مدمنات المخدرات اللائي حكم عليهن في الأشهر التسعة الأولى من عام 1928 نحو 127 سيدة.

وكان الهيروين يحتل المرتبة الأولى في مواد التعاطي لدى المسجونين عام 1928 بنسبة 65.7% من الرجال، و83% من النساء، يليه الكوكايين، وهي المواد المخدرة التي انتشرت في مصر بعد الحرب العالمية الأولى عام 1914، بينما كان الحشيش والأفيون هما الأكثر انتشارا قبل هذا التاريخ، قبل أن يتراجعا لمصلحة السموم الجديدة.

وتشير الدراسة إلى أنه رغم نشاط الأمن في القبض على تجار المخدرات ومساعديهم متلبسين بجريمتهم، فإن أغلبهم كانت تتم تبرئته، لكثرة ما يحضرونه من الشهود وما يعدّونه من وسائل الدفاع.

وترصد الدراسة مفارقة مأساوية للحالة الصحية للمدمنين المسجونين والتجار الذين يبيعونهم هذه السموم.

 

فمن بين 1478 مدمنا مسجونا بين عامي 1927 و1928 دخل 1180 منهم إلى المستشفى للعلاج نتيجة تأخر حالاتهم الصحية، توفي منهم 27 مريضا. في المقابل، لم يدخل أي من التجار الـ595 المحكومين بالسجن أو المحتجزين للتحقيق خلال الفترة نفسها إلى المستشفى إلا للعلاج من نزلات برد بسيطة أو عوارض جراحية.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة

About Post Author