هل يجوز انعقاد جلسات من دونها؟.. غياب الحكومة الكويتية يعطل مجلس الأمة
الكويت- تصاعدت أزمة غياب الحكومة الكويتية عن جلسات مجلس الأمة منذ انسحابها في جلسة العاشر من يناير/كانون الثاني الماضي، اعتراضا على قانون “شراء القروض”، في ظل أصوات نيابية تطالب بضرورة عقد الجلسات حتى لو غابت الحكومة أو من يمثلها احتراما للدستور.
وقد أصدر 39 عضوا في مجلس الأمة أول أمس الثلاثاء -بعد رفع رئيس المجلس أحمد السعدون الجلسة التي كانت مقررة بسبب غياب الحكومة- بيانا بعنوان “حتى لا نعود إلى المربع الأول”، طالبوا فيه بحماية الدستور وعدم الالتفاف عليه، وضرورة تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن لحماية مصالح الشعب وإقرار القوانين، التي توقفت بسبب غياب الحكومة عن جلسات مجلس الأمة قبل أن تقدم استقالتها يوم 23 يناير/كانون الثاني الماضي.
تعطيل للمصالح
وقد حمّلت النائبة جنان بوشهري الحكومة مسؤولية تعطيل مصالح الدولة والمواطنين، قائلة في بيان لها أمس الأربعاء “إن موقفي من اعتذار الحكومة عن عدم الحضور بذريعة الاستقالة يساند الرأي المؤيد لسلامة عقد الجلسات بحضور أغلبية الأعضاء دون تحديد طبيعة العضوية”.
وأشارت إلى أن الحكومة تتحمل مسؤولية تعطل مصالح الدولة والمواطنين، لأن تقديمها الاستقالة لا يعفيها كحكومة تصريف الأعمال من حضور الجلسات لمناقشة قضايا مهمة مثل تدهور التعليم ومؤسساته، وتسرب الاختبارات، وتفشي ظاهرة الغش.
كما حمّلت رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون مسؤولية عدم انعقاد جلسات المجلس، لأنه كان يفتتح الجلسات ويؤكد اكتمال النصاب القانوني لعقدها، بما يتوافق مع رأيه الدستوري والسياسي المعلن في أكثر من مناسبة، لكنه اتخذ قرار رفعها لاعتذار الحكومة عن عدم الحضور دون بيان السند الدستوري، وفق بوشهري.
غياب الحكومة لا يعطل الجلسات
لكن الدستور الكويتي لم يتضمن تحديد مدة معينة لتعيين رئيس للوزراء أو تشكيل حكومة جديدة، حسب ما أفادت الخبيرة الدستورية الدكتورة حنان الدغيشم، مضيفة في ردها على سؤال للجزيرة نت أن نص المادة 103 من الدستور قد قرر أنه إذا تخلى رئيس مجلس الوزراء عن منصبه “بمعنى إذا استقالت الحكومة”، فإنه يستمر في تصريف العاجل من الأمور لحين تعيين خلفه، ولم تتضمن هذه المادة مدة زمنية محددة لتعيين رئيس مجلس وزراء جديد أو لتشكيل حكومته.
وأشارت إلى أن استمرار غياب الحكومة عن حضور جلسات مجلس الأمة، أو التأخر في تشكيلها يعطل الحياة البرلمانية، لأن العمل قد جرى في المجلس على عدم عقد الجلسات عند غياب الحكومة.
وردا على إمكانية عقد جلسات المجلس دون حضور الحكومة، قالت الدغيشم “أرى جواز ذلك لأن الدستور الكويتي قرر في المادة 90 أن كل اجتماع يعقده المجلس في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه يكون باطلا، وتبطل بحكم القانون القرارات التي تصدر فيه، ثم تلا هذا الحكم نص المادة 97 التي قررت أنه يشترط لصحة اجتماع المجلس حضور أكثر من نصف أعضائه، دون أن تفرق بين الأعضاء المعينين (الوزراء) وبين الأعضاء المنتخبين”.
انتظار حكم “الدستورية”
أما الباحث السياسي عايد المناع فأوضح أن البيان الذي أصدره 39 نائبا من مجلس الأمة لا يُلزم أن يكون تشكيل الحكومة خلال فترة أسبوعين من استقالتها.
وقال، في تصريح للجزيرة نت، إن تحديد فترة أسبوعين لا يكون إلا مع تشكيل الحكومة مباشرة بعد الانتخابات البرلمانية، وليس بعد تقديمها الاستقالة، فبعد استقالة الحكومة، سواء أعيد تكليف رئيسها أو تم تعيين رئيس جديد لها، قد يأخذ تشكيلها وقتا أطول من ذلك، وهناك سوابق برلمانية حدثت في هذا الخصوص.
وأعرب المناع عن اعتقاده بأن الحكومة ترسل مؤشرات عن عدم ارتياحها لتعامل أعضاء مجلس الأمة مع الوزراء خصوصا في موضوع إسقاط القروض والاستجوابات المقدمة للوزراء في الحكومة الحالية.
وتوقع المناع أن تسير الحكومة في هذا الطريق حتى الوصول إلى اتفاق أو انتظار حكم المحكمة الدستورية في الثامن من مارس/آذار المقبل، لأن البعض يرى إمكانية إبطال المجلس الحالي أو حله، لكن قد تنجح المفاوضات الداخلية بين الطرفين في الوصول إلى تفاهم يجنب الوصول إلى مثل هذه النهاية التي ستؤدي إلى انتخابات جديدة.
ولكن هل سيؤثر الوضع الحالي على أداء الحكومة؟ يرى المناع أن الحكومة أوقفت قرارات كثيرة مثل التعيينات والنقل والإعارة، إضافة إلى تعطل أمور أخرى، وبالتالي تعطلت مصالح الناس، كما أن غيابها عن حضور جلسات مجلس الأمة أثّر بشكل كبير على الإنجازات التي كانت متوقعة.
حالة من الجمود
من جهته يرى عضو مجلس الأمة السابق محمد الدلال أنه كان من المفترض بعد قبول استقالة الحكومة بدء المشاورات السياسية لتشكيل حكومة جديدة، لكن الإشكالية أنه لا يوجد في الدستور مدة محددة لتشكيل الحكومة بعد استقالتها أو إعادة تشكيلها، وهذا الأمر حدث في سنوات سابقة، وقد وصلت في إحدى المرات إلى 40 يوما لإعادة تشكيل الحكومة.
وألمح الدلال، في تصريح للجزيرة نت، إلى أن القيادة السياسية قد تنتظر حتى انتهاء المحكمة الدستورية من النظر في الطعون المقدمة بشرعية انتخابات مجلس الأمة الأخيرة في الثامن من الشهر المقبل، ولذلك قد يكون تشكيل الحكومة الجديدة بعد هذا الموعد، وهذا ما يجعل الوضع السياسي غير واضح وفيه نوع من الغموض ولا يمكن التكهن بما يمكن حدوثه، حسب قوله.
وفي رده على سؤال عن إمكانية عقد الجلسات دون حضور الحكومة، قال الدلال إن هذا الأمر محل نقاش وجدل منذ بداية الحياة الدستورية في الكويت عام 1962، فمجلس الأمة استقر على ألا تنعقد الجلسات إلا بوجود الحكومة أو بعض أعضائها، وهذا ما جرى عليه العمل في الممارسة البرلمانية، فإذا غابت الحكومة توقف المجلس عن عقد الجلسات.
أما عن تأثر شعبية أعضاء مجلس الأمة بسبب ما يحدث حاليا من تعطل للجلسات وعدم إقرار القوانين التي تهم المواطنين، فأوضح الدلال أن النظام الانتخابي والبرلماني له طبيعة خاصة، والأحداث الحالية ستؤثر على الموقف الانتخابي لبعض النواب إذا تم حل المجلس وتنظيم انتخابات جديدة.
يذكر أن الحكومة الكويتية غابت عن حضور جلسات مجلس الأمة منذ انسحاب ممثليها في جلسة العاشر من يناير/كانون الثاني الماضي، ليتوالى غيابها عن جلسات 24 و25 يناير/كانون الثاني الماضي و7 و8 فبراير/شباط الجاري، إضافة إلى جلسة خاصة دعا لها المجلس في التاسع من الشهر الجاري لمناقشة ظاهرة الغش وتسريب الامتحانات المدرسية.