مأساة مستمرة.. سوريون يروون للجزيرة نت معاناتهم في مناطق النظام بعد الزلزال
دمشق- “قدموا لنا الطعام والألبسة وأشعلوا المدافئ، جزاهم الله خيرا، ولكنني لا أزال غير مصدقة ما جرى لنا، لقد نجونا بأعجوبة، لا أعلم من مات ومن بقي على قيد الحياة من جيراني وأهالي الحي”.
بهذه العبارة تلخص أم رباب (42 عاما) أهوال الزلزال بعد مضي أكثر من 3 أيام على الكارثة التي أصابت مدينتها، حيث تم إنقاذ السيدة الأربعينية وابنيها من تحت أنقاض مسكنهم في حي الأربعين بمدينة حماة ولجأت إلى منزل أحد المغتربين في العاصمة السورية دمشق.
وما تزال معظم الأسر السورية الناجية من تحت أنقاض الزلزال العنيف الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، الاثنين الماضي، تعاني من الصدمة واضطرابات النوم والدوار، إذ توافدت مئات العائلات من مختلف المناطق المنكوبة في سوريا إلى العاصمة دمشق في رحلة لجوء إلى منازل وفنادق وقاعات جُهّزت لهذا الغرض كمبادرة من أهالي العاصمة، ولا سيما المغتربين منهم الذين أوكلوا لأقربائهم فتح بيوتهم المهجورة واستقبال المنكوبين.
استقبال الوافدين
ونشر سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ ظهر الاثنين 6 فبراير/شباط، منشورات بادروا من خلالها لاستقبال الوافدين من المناطق المنكوبة إثر الزلزال، في حين أعلنت عائلات في دمشق عن استعدادها لاستقبال الوافدين من المحافظات المنكوبة في بيوتهم ومحالهم ضمن العاصمة.
كما أعلن أصحاب عدد من الفنادق في دمشق عن استعدادهم لتوفير غرف وتقديم وجبات طعام للوافدين مثل فندق الدارة وقصر السفير ونجمة الشرق وغيرها من فنادق العاصمة دمشق.
حمزة (29 عاما) وهو صاحب مبادرة لاستقبال الوافدين على منصة فيسبوك يقول للجزيرة نت “لقد بدأت المبادرة بمنزلين لأخي المهاجر وصديقه في بلجيكا، والآن لدينا 37 منزلا جاهزا لاستقبال أهالينا من مختلف المناطق”.
ويضيف حمزة “ننسق حاليا مع عدد من المبادرات في دمشق لتأمين الطعام والشراب واللوازم الطبية ولوازم النوم من مفروشات وملابس وإيصالها إلى المنازل التي استضفنا فيها الأهالي، وهناك متطوعون يقدمون سياراتهم لإيصال كافة المستلزمات”.
وأشار حمزة إلى أن معظم المنازل التي تم استقبال الوافدين فيها تقع ضمن دمشق وتعود ملكيتها لمهاجرين سوريين قرروا فتح بيوتهم إلى أجل غير مسمى للتخفيف من معاناة الأهالي المنكوبين.
معاناة مستمرة
وأطلق مجموعة من الأخصائيين النفسيين السوريين في الداخل والمهجر، منذ الاثنين الماضي، حملة لتقديم الدعم النفسي ميدانيا وعبر شبكة الإنترنت للتخفيف من معاناة المنكوبين بالزلزال.
ويعاني معظم الناجين من الزلزال أعراض ما بعد الصدمة كالقلق المزمن واضطرابات النوم والوهن الجسدي ونوبات النحيب وذلك بحسب الاختصاصي النفسي فراس الخوري.
وتقول سحر (34 عاما)، وهي ناجية من كارثة الزلزال في محافظة اللاذقية ووافدة إلى منزل في دمشق “أعجز وأطفالي عن النوم منذ وقوع الحادث، لقد تغيرت تصرفات أطفالي تجاهي، لا يتحدثون إلا نادرا، بينما تسألني أصغرهم من وقت لآخر عن ملابسها الجديدة وألعابها في بيتنا نصف المهدم في اللاذقية ولا أجد جوابا، تبكي هي وأبكي بعدها”.
الدعم النفسي
وتعيش سحر حالة من القلق والخوف من المجهول منذ خروجها وأطفالها من منزلهم المهدم، لتضيف للجزيرة نت “هُجّرت من ريف حماة بعد قصف شديد ولم أعد إلى هناك، واليوم تركت منزلي في اللاذقية ولا أعرف إن كنت سأعود إليه أم لا، ولا أعرف كيف سنتدبر أحوالنا إن طالت فترة بقائنا في دمشق”.
وتتفاقم معاناة الناجين من الزلزال في سوريا مع استمرار عمليات البحث والإنقاذ “البطيئة نسبيا” عن المفقودين، حيث لا يزال هناك الآلاف ممن هم عالقون تحت الأنقاض بانتظار من ينتشلهم.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الأخصائي النفسي فراس الخوري إلى أن الأطفال هم الشريحة الأكثر تضررا من الحادثة، حيث تبدو آثار الهلع واضطراب ما بعد الصدمة جلية عليهم، معلقا “إن الطريقة الأمثل للتعامل مع الأطفال هي أن نتركهم يبكون عند شعورهم بالحاجة للبكاء، وإخبارهم باستمرار أن ما يحدث هو ظرف طارئ وسيمضي، من الضروري ألا يصاب الأهل بالهلع أمام أطفالهم وأن يظلوا محافظين على رباطة جأشهم”.