موسكو- جاء فرض العقوبات الغربية على موسكو بما لا تشتهي سياسة جذب الاستثمارات الأجنبية التي شكلت أحد أهم التوجهات الإستراتيجية لتنمية الاقتصاد الروسي، وتسببت رزمة العقوبات المتواترة بسبب الحرب في أوكرانيا في إرباك مناخ الاستثمارات في البلاد بشكل حاد وغير مسبوق.

وأمام استعار حرب تجميد الأصول المالية بين الجانبين تكون خطة إزالة العوائق التي تحول دون جذب الاستثمارات الأوروبية والأميركية إلى روسيا وخلق مناخ استثماري ملائم لها قد انهارت تماما.

 

إلى جانب ذلك، لم يلق اقتراح وزارة المالية الروسية لتبادل الأصول المجمدة للمستثمرين الغربيين والروس أي رد من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وتقوم هذه الآلية على الاستعاضة عن أصول المستثمرين الروس التي جمدتها الدول الغربية بسبب العقوبات بأموال مستثمرين أجانب محجوزة داخل روسيا.

وعلى ضوء تواتر الحديث في أوروبا والولايات المتحدة عن مصادرة الأصول الروسية المجمدة وتوجيهها إلى أوكرانيا لدواعي إعادة البناء تكون حرب مصادرة الأصول بين الجانبين قد دخلت مرحلة لم يشهد التاريخ مثيلا لها، فضلا عن احتمال أن يمتد “الاشتباك” القانوني الناجم عنها لعقود.

كم يبلغ حجم الأصول الروسية المجمدة في الغرب؟

قدرت وزارة المالية الروسية حجم الأصول المجمدة من قبل الغرب بما يتراوح بين 300 مليار و350 مليار دولار، وهو ما يقارب نصف احتياطيات روسيا من الذهب والنقد الأجنبي، وبدرجة أساسية يجري الحديث عن الذهب النقدي وسندات الدين والعملات.

ورغم أنه من الناحية القانونية لا تزال هذه الأموال مملوكة لروسيا فإنه لا يمكنها التصرف فيها بسبب العقوبات.

وفي هذا الصدد، انخفضت استثمارات الأجانب عموما في الشركات الروسية حتى قبل الحرب في أوكرانيا بأكثر من 20 مرة، فوفقا لنتائج العام 2021 بلغ حجم استثمارات الأجانب في الشركات الروسية 1.4 مليار دولار على المدى الطويل، وهو ما يكاد يتطابق مع مستوى منتصف التسعينيات.

 

ما تقديرات الاتحاد الأوروبي لحجم الأصول الروسية المصادرة؟

المفوض الأوروبي للعدالة ديدييه رايندرز أوضح في أكتوبر/تشرين الأول 2022 أن بروكسل جمدت أصولا روسية بقيمة 17.4 مليار يورو، تشمل حسابات بنكية وعقارات ويخوتا وسلعا فاخرة أخرى لـ1350 من المواطنين والشركات الروسية التي وقعت تحت العقوبات الأوروبية، وهو ما يزيد بأكثر من 7 مليارات يورو عن حجم الأموال المصادرة في مايو/أيار من العام نفسه.

من أكثر الجهات الروسية المتضررة من تجميد الأصول؟

يقف البنك المركزي الروسي على رأس هذه الجهات، والذي بلغت حصته من “التجميد” 23 مليار يورو، ووفقا لبيانات مطلع العام الحالي نقلا عن وثيقة داخلية للاتحاد الأوروبي فقد جمدت دول الاتحاد أصولا روسية بما مجموعه 68 مليار يورو.

وحسب الوثيقة ذاتها، فقد تم تجميد 50 مليار يورو في بلجيكا، و5.5 مليارات يورو أخرى في لوكسمبورغ، وذلك إلى جانب إيطاليا وألمانيا وأيرلندا والنمسا وفرنسا، وتمثل هذه البلدان نحو 90% من جميع الأصول الروسية المجمدة من قبل الاتحاد الأوروبي.

ما حجم الاستثمارات الأميركية في السوق الروسية؟

كشف تقييم مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) للاستثمارات الأجنبية المباشرة في اقتصادات العالم على أساس البلد المستثمر النهائي أن الاستثمارات الأميركية في الاقتصاد الروسي هي في الواقع أكبر بكثير مما تشير إليه إحصائيات البنك المركزي الروسي بنحو 13 مرة.

ولا يبدو ذلك غريبا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العديد من الاستثمارات الأجنبية في روسيا تكون من خلال دول لا تعتبر المصدر المباشر لهذه الاستثمارات، فعلى سبيل المثال يمكن لشركة أميركية شراء حصة في رأس مال شركة روسية من خلال فرعها الهولندي أو الأيرلندي، مما يمنع الوصول إلى أرقام ثابتة ونهائية حول الحجم الفعلي لهذه الاستثمارات.

ونتيجة لذلك، يتم التقليل بشكل منهجي من بيانات الاستثمار من دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وما إلى ذلك، فيما في المقابل تتم المبالغة في تقدير التدفقات من بلدان مثل هولندا أو لوكسمبورغ أو/ والدول والمناطق التي توفر ظروفا مواتية وامتيازات لممارسة الأنشطة التجارية والمالية.

ووفقا للبيانات الأممية التي تم الاستشهاد بها مع الدراسة السنوية حول الاستثمار الأجنبي في العالم، تشكل الولايات المتحدة أكبر مستثمر في الاقتصاد الروسي، وبلغت -حسب أحدث البيانات- 8.9% من إجمالي الاستثمارات المتراكمة أو 39.1 مليار دولار من أصل 441.1 مليارا.

كم يبلغ حجم أصول الدول “غير الصديقة” في روسيا؟

بعد تجميد الأصول الروسية في الخارج حذر ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي من أن موسكو يمكن أن تتخذ ردا مماثلا عبر تأميم أصول الشركات الأجنبية والأفراد ذوي “الولاية القضائية غير الودية”.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بشأن الحاجة إلى إنشاء آلية لتعويضات أوكرانيا كرر ميدفيديف أن موسكو ستبدأ بعد ذلك في الاستيلاء على ممتلكات الشركات الأجنبية.

ووفقا لتقديرات مختلفة، توجد في روسيا ممتلكات وحسابات وأصول أخرى لشركات من دول غير صديقة بقيمة تريليونات الدولارات.

ويقول البنك المركزي الروسي إن الحجم الإجمالي للاستثمار الأجنبي في الاقتصاد الروسي بلغ اعتبارا من الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2021 نحو 1.18 تريليون دولار.

وأكثر من نصف هذه الأموال (679 مليار دولار) هي أسهم في الأعمال التجارية، و392 مليار دولار أخرى هي جميع أنواع الديون: السندات والقروض والسلف التجارية، أما الباقي فهو عبارة عن نقد وودائع وحقوق سحب خاصة لصندوق النقد الدولي واستثمارات أخرى.

ومنذ أن اتخذت السلطات الروسية -ردا على العقوبات- تدابير وقائية لمنع سحب رؤوس الأموال للدول المذكورة إلى الخارج أصبحت هذه الأموال محجوزة بالفعل داخل البلاد، ولا تشمل هذه الإحصاءات ما تسمى “الجهات الوسيطة”، والتي في الواقع هي نقاط عبور للاستثمارات.

المصدر : الجزيرة

About Post Author