خبير عسكري: هل تستطيع روسيا السيطرة على كييف الربيع القادم؟
هل تسعى روسيا لاجتياح العاصمة الأوكرانية والاستيلاء عليها خلال الربيع القادم؟ هذا السؤال يطرحه خبير غربي في الدراسات العسكرية، ويحاول الإجابة عنه في مقال نشرته صحيفة صنداي تايمز (The Sunday Times) البريطانية.
يقول مايكل كلارك، أستاذ الدراسات الدفاعية الزائر في كلية كينغز لندن، والباحث المتميز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة -في مقاله بالصحيفة- إن بإمكان الجيش الروسي تجويع سكان كييف وتحويل مدينتهم إلى أنقاض، لكن أنظار الكرملين قد تكون مركزة على وجهة أخرى.
ويُذكِّر بأن الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط من العام الماضي بدأ بضربة خاطفة على كييف.
ومع أن الهجوم فشل فشلا ذريعا حينها، فإن حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي والقيادة العسكرية ظلا يدقان ناقوس الخطر بشأن هجوم روسي كبير وشيك، يستهدف هذه المرة العاصمة التي يصفها كاتب المقال بالهدف الثمين.
وكان فيتالي كليتشكو، عمدة العاصمة وبطل العالم السابق في الملاكمة للوزن الثقيل، قد حذر الأسبوع الماضي من أن “كييف كانت ولا تزال الهدف الحقيقي للروس”.
هجوم وشيك وخيارات صعبة
ويعتقد حسب المقال أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يهاجم هذه المدينة في المستقبل القريب، لكنه يستبعد أن يتمكن الجيش الروسي من السيطرة عليها، لأن كييف ستستميت في الدفاع عن نفسها.
ولفت الكاتب النظر إلى أن كييف أظهرت استعدادا كبيرا إبان بداية الغزو في فبراير/شباط 2022 حيث أبلى سكانها بلاءً حسنا، حتى أن الطلاب نزلوا إلى ميدان الاستقلال وصنعوا قنابل حارقة، وقلبوا المركبات الثقيلة واستخدموها متاريس على الطرق.
ووفقا للمقال، فإن القوات الروسية قادرة بالتأكيد هذه المرة على محاصرة كييف بشكل أفضل مما فعلت العام المنصرم، ولكن قدرتها على السيطرة عليها مشكوك فيها.
ويصف أستاذ الدراسات الدفاعية كييف، التي تأسست عام 482، أي قبل أكثر من 650 عاما من موسكو، بأنها “جوهرة تاريخية ومعمارية في المنطقة”. ويقول إن بإمكان الجيش الروسي أن يقصفها عن بُعد، ويحيلها إلى ركام مثلما فعل في ماريوبول (شرقي أوكرانيا) والتي استمر في قصفها زهاء 3 أشهر، رغم أن عاصمة البلاد تكبرها 4 مرات من حيث المساحة.
كما يرى أن الروس قد يختارون -بدلا من ذلك- فرض حصار على كييف والضغط عليها وتجويع سكانها البالغ عددهم 3 ملايين نسمة لحملها على الاستسلام. وقد تختار القيادة الروسية سيناريو آخر، فتغزو المدينة بعشرات الآلاف من قواتها البرية وتحاول احتلالها بعد أن تكون قد تحولت إلى أطلال، على حد تعبير مقال صنداي تايمز.
ويشير الكاتب إلى أن جميع الخيارات المذكورة آنفا لا تعد إستراتيجية جيدة لموسكو، وسيكون بوتين محظوظا للغاية إذا نجا من تداعياتها السياسية داخل روسيا وخارجها إذا ما أقدم عليها. كما يرى أن موسكو لن تستطيع التستر على معاناة سكان العاصمة الأوكرانية على نحو ما فعلت في السابق في مدن مثل غروزني في الشيشان، وإدلب وحلب في سوريا.
هدف موسكو الحقيقي
ويتساءل الكاتب ما إذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن تحاول روسيا الوصول إلى كييف؟ ويرجح أن يركز الهجوم الروسي القادم على محاولة الاستيلاء على باقي إقليم دونباس، وتقوية الجسر البري وتمديده ليصل إلى شبه جزيرة القرم، وربما السعي مرة أخرى لاحتلال سواحل أوكرانيا على البحر الأسود.
ويرى أن الجيش الروسي قد يدفع بقواته من نهر دنيبرو حتى ضواحي كييف ليتيح المجال لضم كل الأراضي الأوكرانية الواقعة على الضفة الشرقية من النهر، تاركا الضفة الغربية أراضي تابعة لما تبقى من أوكرانيا “حبيسة وغير قابلة للحياة وتدار من عاصمة مطوّقة”.
ولتحقيق أي من هذه الأهداف، يقول الكاتب إنه سيكون من المنطقي من الناحية العسكرية أن تستخدم روسيا أعدادا كبيرة من قواتها المتزايدة والمعبأة حديثا -رغم سوء تدريبها وتجهيزها- لخوض معارك متزامنة لإنهاك القوات الأوكرانية بجبهات عديدة.
ويمضي المقال للقول إن تجدد الهجمات عبر الحدود الشرقية لأوكرانيا نحو خاركيف، والتقدم من القرم شمالا مرة أخرى إلى ما وراء زاباروجيا وصولا إلى دنيبرو، وشن هجوم برمائي جديد على أوديسا، أمور تخدم المجهود الرئيسي الموجه نحو السيطرة على دونباس.
ومما لا شك فيه أن ممارسة روسيا ضغوطا على المدى القصير من خلال تطويق كييف سيجبر الأوكرانيين على نقل أعداد لا يستهان بها من قواتها من جبهات القتال الأخرى للدفاع عن عاصمة بلادهم، وفق الكاتب.
ولذلك فإن الكاتب يرى أن هدف موسكو ليس غزو كييف وتدميرها، بل الضغط عليها لحملها على الدخول في مفاوضات في المستقبل تسمح لروسيا بالاحتفاظ بالمناطق الأوكرانية التي تسيطر عليها قواتها.
ويتساءل عما إذا كان الروس يملكون الجرأة الكافية لمحاولة شق طريقهم نحو كييف خلال الربيع القادم، وقدرة الأوكرانيين على الصمود والدفاع عن عاصمتهم.
ويخلص المقال إلى أن الأوكرانيين يملكون من الإمكانيات ما يمكِّنهم من إحباط الخطط الروسية، وأنهم يستطيعون ذلك من خلال المبادرة بشن هجوم إستراتيجي قبل أن يبدأ الروس الهجوم الذي يخططون له في الربيع.