مر 31 ديسمبر/كانون الأول من دون أن يحظى بكبير اهتمام، مع أنه اليوم الذي كان إيذانا بنهاية ما يسمى “الحرب على الإرهاب”.

ويُعد ذلك اليوم، بنظر ضابط سابق في المخابرات الأميركية، فرصة مناسبة لاستخلاص العبر من الأخطاء التي كانت سمة بارزة في تلك الحرب التي يُطلق عليها أحيانا “الحرب العالمية على الإرهاب”.

 

ويقول بول آر بيلار -الذي كانت آخر وظيفة يشغلها قبل تقاعده في عام 2005 هي ضابط المخابرات الوطنية للشرق الأدنى وجنوب آسيا- إن الزعماء السياسيين الأميركيين سيكونون مترددين “لأسباب مفهومة” في إعلان انتهاء تلك الحرب، حتى لا يعيد خصومهم تكرار خطاباتهم كلما وقع هجوم “إرهابي” أودى بحياة مواطنين أميركيين.

ويعتقد بيلار في مقال له بمجلة “ناشونال إنترست” (The National Interest) الأميركية أن مبدأ الحرب على الإرهاب -أي الحرب ضد وسيلة من الوسائل التي درج كثير من الأشخاص بمختلف مشاربهم على استخدامها لمآرب عدة عبر القرون- هو في جوهره مفهوم خاطئ.

ويستشهد بتصريح لمستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريجنسكي قال فيه إن الحديث عن الحرب على الإرهاب يشبه وصف الحرب العالمية الثانية بالحرب الخاطفة.

وحمّل بيلار إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش المسؤولية الأكبر في استخدام مفهوم “الحرب العالمية على الإرهاب” بشكل مكثف، مستدركا أن عددا لا حصر له من المعلقين والمحللين استساغوا المفهوم واستخدموه كما لو أنه كان أمرا منطقيا تماما.

 

إن أحد الأخطاء الأخرى في استعارة مصطلح الحرب -برأي كاتب المقال- يكمن ضمنيا في أن جهود مكافحة الإرهاب كانت لها بداية ونهاية محددتان، مثلما يمكن القول إن الحرب العالمية الثانية للولايات المتحدة بدأت بالهجوم على بيرل هاربور وانتهت في يوم الانتصار على اليابان في 15 أغسطس/آب 1945.

 

البداية والنهاية

وكما أن الإرهاب ظل يُستخدم طوال قرون من دون أن تُعرف له بداية ونهاية محددتان، فإن مكافحة الإرهاب تفتقر أيضا إلى نقطتي بداية وتوقف واضحتين.

ويعد كثير من الأميركيين يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 نقطة انطلاق للحرب على الإرهاب، لكن بيلار يؤكد في مقاله أن الولايات المتحدة كانت قبل ذلك بوقت طويل منخرطة إلى حد كبير في مكافحة الإرهاب “لأسباب وجيهة”.

وأشار كاتب المقال إلى أنه عمل خلال معظم سنوات عقد التسعينيات رئيسا لقسم التحليل في مركز مكافحة الإرهاب، ثم نائبا لرئيس المركز التابع لوكالة المخابرات المركزية الأميركية.

وقال إن بعض السياسات التي تم تبنّيها في شن الحرب العالمية على الإرهاب افترضت ضمنيا أنه ستكون هناك نهاية لها، مثلما حدث عقب الانتصار على اليابان في الحرب العالمية الثانية.

 

وأضاف بيلار أن بعض تلك السياسات كانت تتعلق باحتجاز المقاتلين أسرى، لافتا إلى أن مثل هذه الأمور تُحلّ في الحروب الحقيقية بالإفراج عن الأسرى أو إعادتهم إلى أوطانهم بعد أن تضع الحرب أوزارها.

وأقرّ بأن هناك 34 أسيرا لا يزالون محتجزين في غوانتانامو، وليس ثمة ما ينبئ بأن هذا السجن “الذي يعد وصمة عار في جبين أميركا عالميا” سيغلق في المستقبل المنظور.

 

القوة الغاشمة

وهناك خطأ آخر في استعارة مصطلح “الحرب” هو المغالاة في استخدام القوة العسكرية، وفق تعبير بيلار الذي ضرب مثلا على ذلك بما حدث من رد فعل أميركي على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بذريعة أن البلاد تواجه مشكلة أمنية خطيرة، “ولمعالجة المشكلة بجدية يجب أن نعلن الحرب، وإذا كانت الحرب، فهذا يعني أننا سنخوضها بالجيش”.

على أن ضابط المخابرات السابق يرى أن القوة العسكرية ليست سوى واحدة من جملة أدوات سياسية يمكن استخدامها في مكافحة الإرهاب.

وكما أن للأدوات الأخرى مزايا واضحة، فإن لها أيضا قيودا وعيوبا، والقيد الرئيسي -والحديث لا يزال لبيلار- هو أن الإرهاب لا يمثل في كثير من الأحيان أهدافا عسكرية جيدة، خاصة عندما تكون الاستعدادات لهجوم إرهابي في البلد نفسه الذي سيكون هدفا للهجوم.

 

ولعل العيب الرئيسي هو أن إراقة الدماء بسبب استخدام القوة العسكرية الغاشمة يمكن أن يثير حفيظة الناس بحيث يلجؤون هم أنفسهم إلى استخدام الإرهاب، أو دعم أولئك الذين يفعلون ذلك والتعاطف معهم.

وفي الأعراف الأميركية، وفقا للكاتب، يُنظر إلى الحروب على أنها لا بد أن تنتهي بنصر، تماما مثل الحرب العالمية الثانية. وفي الحالة المتعلقة بمكافحة الإرهاب، فإن الاستغراق في هذه الأعراف يفضي إلى نوع من التحول التدريجي في أهداف المهمة بما يضمن “نهاية مظفرة”، وهو هدف يراه كاتب المقال أبعد ما يكون عن التحقق على الأرجح.

ويمضي بيلار إلى القول إن الضرر الذي ألحقته الحرب العالمية على الإرهاب بالنظم والقيود القانونية كبير، معتبرا أن اختيار غوانتانامو في حد ذاته كمرفق لاحتجاز الأسرى خروج عن سيادة القانون، “لأن الاختيار كان محاولة لجعل المرفق خارج نطاق القوانين الأميركية أو الكوبية أو أي قانون آخر”.

المصدر : ناشونال إنترست

About Post Author