صرح رئيس أمانة منتدى الشراكة الروسية الأفريقية أوليغ أزوروف بأن موسكو تتفاوض مع عديد من البلدان الأفريقية بشأن التجارة بالعملات الوطنية، وقال إنها عملية تتطلب اتخاذ قرارات من الأطراف المعنية، وقبله صرح وزير الخارجية سيرغي لافروف بأن أطراف الشراكة تعد الأوراق الخاصة بذلك الشأن، من أجل إعادة ترتيب آلية التعاون في ظل العقوبات الغربية.

وتأسيسا للشراكة الروسية الأفريقية، دعت روسيا إلى “المنتدى الاقتصادي الروسي الأفريقي” عام 2019 الذي حضرته جميع الدول الأفريقية (54 دولة) ووجهت الدعوة إلى 10 آلاف مشارك، تحت شعار “من أجل السلام والأمن والتطور”، حيث تم تحديد مجالات التعاون الاقتصادي ذات الأولوية التي يمكن من خلالها تحقيق نتائج ملموسة في وقت وجيز، وتشمل الطاقة وتطوير البنية التحتية والتعدين الحديث ومعالجة المعادن والزراعة والتكنولوجيا الرقمية والاستكشاف والعلوم والتعليم.

 

الحضور الروسي في أفريقيا

ظلّ حجم الحضور الاقتصادي الروسي في أفريقيا متواضعا مقارنة بالدول الأخرى، فقد بلغ حجم التبادل التجاري ذروته عام 2018 وتجاوز 20 مليار دولار بقليل، في الوقت ذاته قامت روسيا بإلغاء 20 مليار دولار من الديون المستحقة على عدد من الدول الأفريقية، تشجيعا لدخول مرحلة جديدة تتحقق فيها المصالح المشتركة.

في شمال أفريقيا، دخلت روسيا شراكات قوية مع كل من:

  • مصر: تخطط روسيا لمشروعات كبيرة في مصر، أهمها مشروع المحطة النووية في الضبعة 300 كلم شمال غرب القاهرة بتكلفة قدرها 25 مليار دولار، إضافة إلى مشروع منطقة اقتصادية صناعية في قناة السويس بتكلفة قدرها 7 مليارات دولار، ويمثل التبادل التجاري بين البلدين ثلث التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا.
  • الجزائر: تعتمد الجزائر على روسيا في تسليح جيشها، وبين الدولتين شراكة إستراتيجية وتعاون في مجال الطاقة.
  • المغرب: تنطلق علاقات الطرفين استنادا إلى اتفاقية القرن التي تستورد روسيا الفوسفات بموجبها من المغرب، وتم توقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية عام 2016.
  • أفريقيا جنوب الصحراء: تركز روسيا على مجالات الاستثمار في الطاقة والمعادن الثمينة مع أفريقيا جنوب الصحراء، ويبلغ التبادل التجاري لروسيا مع هذه المجموعة 3 مليارات دولار، ولكنها تعول على تطويرها مستقبلا، إذ يتوقع أن يبلغ الناتج المحلي لهذه الدول تريليون دولار بحلول 2050.
  • جنوب أفريقيا: تعتبر من شركاء روسيا الإستراتيجيين وتعمل روسيا في مجال استخراج اليورانيوم وتوليد الطاقة هناك.
  • موزمبيق: تعمل شركتا “إكسون موبيل” وشركة “آر إن إكسبلوريشن” -اللتان تتبعان “روس نفط”- في إنتاج الغاز في شمال موزمبيق وتقدر حجم الاحتياطات بنحو 2.2 تريليون متر مكعب.
  • زامبيا: تعمل مؤسسة “روس أتوم” الروسية في إنشاء مركز للطاقة الذرية والعلوم والتكنولوجيا.
  • الغابون: وقعت شركة “روس نفط” مذكرة مع وزارة النفط لاستثمار مشترك في حقول النفط وبناء البنية التحتية للنفط والغاز.
  • غينيا: تستثمر شركة “روسال” الروسية في إنتاج الألمنيوم بمبلغ يصل إلى 300 مليون دولار.

وتمتلك شركة “رينوفا” الروسية استثمارات في مجال المعادن في كل من جنوب أفريقيا والغابون وموزمبيق بأكثر من مليار دولار، كما تستثمر شركة “غاز بروم” في مشروعات للغاز وبناء الأنابيب والبنية التحتية بمبلغ 500 مليون دولار في مختلف الدول الأفريقية.

وتملك شركة “لوك أويل” استثمارات تبلغ مليار دولار في إنتاج النفط في غرب أفريقيا.

الدوافع الروسية لاعتماد العملات المحلية

تدرك روسيا أهمية تحقيق مكانة لعملتها المحلية في الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل عقوبات تتصاعد يوما بعد آخر ضدها، ولذا تدفعها عدة عوامل:

 
  • تخفيف العقوبات الغربية: فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، فرضت الدول الغربية عقوبات قاسية تستهدف قطاعات الطاقة والمال والتكنولوجيا الروسية، إضافة إلى تجميد أصول عديد من رجال الأعمال الروس، وانسحاب كبريات الشركات الأجنبية من السوق هناك.
  • توسيع الشراكات الاقتصادية وتدويل العملة الروسية: تهدف روسيا من خطوة إدراج مزيد من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي الروسي إلى استقطاب مزيد من الاقتصادات عن طريق تقليل الاعتماد على الدولار، كما أن إدراج الروبل في البنوك المقابلة يمنح عملتها الصفة الدولية.
  • مواجهة هيمنة الدولار: تسعى روسيا -بكل ما تملك من قوة- للانفكاك من تحكم الدولار، وبالتالي البحث عن بدائل لا تتحكم فيها الولايات المتحدة، وإلى عالم تتعدد فيه الأقطاب، وتخطط لخلق نظام تدرج فيه عملات أخرى غير الدولار، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تسهيل المعاملات التجارية الثنائية باستخدام العملات المحلية بدلا من الاعتماد على الدولار.

المواجهة الأميركية لتوجهات روسيا

وإزاء التحركات الروسية لبناء شراكات اقتصادية في أفريقيا على نسق جديد لا يشكل الدولار حضورا فيها، بدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين في عجلة لترتيب أوراقهم في أفريقيا والإعلان عن خطط جديدة:

  • أصدر مجلس النواب الأميركي عام 2022 مشروع قانون يفرض عقوبات ضد النشاط الروسي في أفريقيا وعقوبات على الدول الأفريقية المتعاونة معها.
  • تعتبر الولايات المتحدة أن الاستثمار هو الأداة الحيوية “لقلب السيناريو” للعديد من الجهود الأميركية والأوروبية وبناء شراكة استثمارية مع البلدان الأفريقية.
  • تثبيت الديمقراطيات الأفريقية من خلال تمكينها من تلبية احتياجات شعوبها وتقوية المؤسسات وإدماجها في المجتمع الدولي.
  • أن تنفذ مجموعة السبعة الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمارات بقيمة 700 مليار دولار على أن يستثمر الاتحاد الأوروبي 150 مليار دولار في البنى التحتية بحلول 2027.

فضلا عن العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على من تعدهم متورطين في زعزعة الاستقرار في أفريقيا بالتنسيق مع شركائها الأوروبيين، وعقوبات على البنوك الروسية الرسمية وشبه الرسمية والمستثمرين الأفارقة الذين يتعاملون معها.

كسر الطوق الغربي

تعكف روسيا مع شركائها الأفارقة على الإعداد لقمة أخرى يوليو/تموز المقبل لترسيم التوجهات الجديدة والدخول في المجال العملي، وهي تصارع العقوبات وتسابق الوقت.

لكنهم يدركون -كما قال وزير الخارجية لافروف- أن هذه المسألة ليست عملية سريعة، لكنها تتقدم وتكسب زخما، ومرد ذلك هو أن عديدا من الدول الأفريقية ترحب بهذه الجهود، لأنها توفر لها فضاء واسعا للإفلات من قبضة الدولار في ظل التضخم والعجز الكبير الذي تعانيه الدول الأفريقية جراء آثار الجائحة والتغيرات المناخية والحرب الروسية في أوكرانيا، وتدعم التوجهات الروسية كذلك رغبة العديد من الدول الأفريقية في الانضمام إلى منظمة البريكس الاقتصادية واعتماد عملات الدول المشاركة فيها في التعاملات.

المصدر : الجزيرة

About Post Author