دمشق- وحده في سرير المستشفى مثخن بجراحه يتأمل المارة بعينيه اللتين صُدمتا بما رأتهما من قسوة الحياة، يطوف ببصره يمينا ويسارا عله يرى أحدا من أفراد أسرته، إلا أن كارثة الزلزال كانت قد غيّبت والدته وشقيقته، بينما تمكنت فرق الإنقاذ من إخراج والده من تحت الأنقاض بعد أيام ليعيد الأمل إلى حياته.
كانت تلك حكاية إبراهيم بايزيد (عامان) الطفل السوري الذي نجا بأعجوبة، من تحت أنقاض منزله، في مدينة إدلب التي طالها الزلزال المدمر فجر الاثنين 6 فبراير/شباط مخلفا آلاف الضحايا وخسائر مادية فادحة.
وربما هي حكاية مئات أو آلاف الأطفال السوريين الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما، في زلزال هو الأقوى والأشد من نوعه في المنطقة منذ عقود.
الأمم المتحدة قدرت عدد الأطفال المتضررين من الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا والهزات الارتدادية التي أعقبته بنحو 7 ملايين طفل، حيث تضرر من الزلزال المدمر 2.5 مليون طفل في سوريا، و4.5 ملايين طفل في تركيا.
وقال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) جيمس إلدر، في مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي، إن اليونيسيف تخشى مقتل عدة آلاف من الأطفال بسبب كارثة الزلزال، موضحا أنه “حتى بدون التحقق من الأرقام، فمن الواضح بشكل مأساوي أن الأعداد ستستمر في الازدياد”.
وأشار إلدر إلى أنه نظرا لأعداد القتلى المتزايد في أعقاب الزلزال، فمن المرجح أن العديد من الأطفال سيفقدون آباءهم جراء الزلازل المدمرة، لافتا إلى أنه يخشى أن تكون الحصيلة النهائية “محيرة للعقل.”
الفئة الأكثر تضررا
غنوة ومهند وليث (6 و8 و11 عاما) أشقاء نزحوا، مع عائلتهم المنكوبة، من مدينة جبلة المتضررة من الزلزال إلى شقة في دمشق بشكل مؤقت.
وبالرغم من مضي 10 أيام على واقعة الزلزال الذي صدّع منزلهم، فإن الأطفال الثلاثة لا يزالون عاجزين عن التأقلم مع ما حدث.
يقول والدهم “إن مهند وغنوة لا يأكلان إلا بعد أن تمثل والدتهما عليهما الزعل، وتهددهما بأنها لن تحكي معهما مجددا طوال اليوم، حينها فقط يأكلان قليلا ولمرة واحدة في اليوم”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت “أما ليث فيسأل بشكل مستمر عن أصدقائه ومتى سيراهم، ومتى سيعود؟ وهل سيعود إلى المنزل أم إلى أين؟ كلها أسئلة أجيب عليها بإجابات مُطمئِنة حتى أخفف عنه قدر الإمكان”.
ويعاني الأطفال الثلاثة من آثار صدمة واضحة بحسب أبيهم، فشهيتهم للطعام منقطعة، ونومهم قليل، وتشكو الصغيرة من آلام مستمرة في المعدة رغم تأكيد الطبيب لأهلها عدم إصابتها بأي أمراض.
وكان الأخصائي النفسي فراس الخوري قد أشار -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الأطفال هم الشريحة الأكثر تضررا من حادثة الزلزال، حيث تبدو آثار الهلع واضطراب ما بعد الصدمة جلية عليهم، معلقا “إن الطريقة الأمثل للتعامل مع الأطفال هي أن نتركهم يبكون عند شعورهم بالحاجة للبكاء، وإخبارهم باستمرار أن ما يحدث هو ظرف طارئ وسيمضي”.
احتياجات نوعية
ويحتاج معظم الأطفال الناجين من الزلزال في سوريا إلى دعم نفسي يسهم في التخفيف من آثار الصدمة التي تلقوها، إلى جانب احتياجهم إلى حصص توعوية تسهم في تبسيط ما حدث لهم ليصبحوا أكثر تقبلا له، وفق عزام (27 عاما) أخصائي إرشاد اجتماعي ومسؤول في برنامج الدعم النفسي في “بيت ورق” الخاص بالعناية بالطفل في مدينة طرطوس السورية.
ويضيف عزام في حديثه للجزيرة نت “لن نتمكن الآن من تحديد جميع احتياجات الأطفال الذين تضرروا بفعل الزلزال، فلكل طفل حالته الخاصة المستقلة التي سنحتاج إلى تقييمها بشكل مستقل، وبالتالي التعامل معها بشكل مختلف عن غيرها من الحالات. فمن فقد والديه في الزلزال يختلف عمن تلقى الصدمة ولا يزال جميع أفراد عائلته إلى جانبه لدعمه”.
ويوضح أن احتياجات الأطفال العينية لا يمكن فصلها عن احتياجاتهم النفسية، فأنْ يجهز الأهل أو المعنيون منزلا مؤمنا بجميع الخدمات للطفل يشبه منزله القديم، وأن يوفروا له ألعابا وجوا من المرح وبيئة يمكن أن يندمج من خلالها مع أقرانه مجددا، كل ذلك يشكل جزء لا يتجزأ من مسار عودة الطفل لحالته الطبيعية بعد الصدمة.
أضرار كبيرة
ومن جانبها قالت المديرة التنفيذية لليونيسيف كاثرين راسل، في بيان صحفي الاثنين 6 فبراير/شباط، إن الأضرار التي لحقت بالمرافق الطبية والتعليمية بسبب الزلزال والهزات الأرضية ستؤثر بشكل إضافي على الأطفال.
وعن أطفال سوريا قالت راسل إنهم يواجهون “إحدى أكثر الحالات الإنسانية تعقيدا في العالم” فثلثا الشعب السوري بحاجة إلى المساعدة في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، واستمرار الاقتتال بعد أكثر من عقد من الصراع الطاحن، والنزوح الجماعي، وتدمير البنية التحتية العامة.
مبادرات لدعم الأطفال
ونفذت مجموعة من فرق الإنقاذ والتطوع والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية عددا من الفعاليات والبرامج لدعم الأطفال السوريين الناجين والمتضررين بفعل الزلزال نفسيا.
وقام فريق الدعم النفسي التابع للهلال الأحمر الفلسطيني بتنفيذ مجموعة من الفعاليات والأنشطة في مناطق متفرقة من سوريا تحت مسمى “التفريغ النفسي” مستهدفا 129 طفلا من المتضررين والواضح عليهم آثار الصدمة من الزلزال.
ومن جهتها قامت جمعية “رفع المستوى الصحي والاجتماعي في حلب” بمساندة الأطفال الناجين من الزلزال في مراكز الإيواء، وقدمت أنشطة مختلفة من الدعم نفسي لهم.
وقالت المنظمة -عبر صفحتها في فيسبوك- إن هذه الأنشطة من أجل “كسر حدة الحزن والألم، ومحاولة الوقوف بجانب الآباء والأمهات في رعاية أطفالهم نفسيا”.
في حين أطلق “بيت ورق” المعني بعناية الأطفال في محافظة طرطوس برنامج “دعم نفسي وتفريغ” للأطفال يمتد إلى 10 أيام، ودعا عبر صفحته على فيسبوك جميع المتضررين إلى إرسال أطفالهم إلى “ورق” للاستفادة من البرنامج.
وبدورها أطلقت “تنفيذية اللاذقية”، بالتعاون مع مختصين، حملة دعم نفسي استفاد منها 100 طفل، وضمت الحملة عرض أفلام سينمائية توعوية وأنشطة رياضية وترفيهية تهدف للتخفيف من معاناة الأطفال.