الهجمات الصاروخية الروسية أثرت بشكل كبير على المباني والبنية التحتية بأوكرانيا (رويترز)

الهجمات الصاروخية الروسية أثرت بشكل كبير على المباني والبنية التحتية بأوكرانيا (رويترز)

موسكو ـ مع دخولها عامها الثاني ما زالت الحرب الروسية على أوكرانيا تشكل الحدث الأبرز على الساحة الدولية، ومع ذلك تبقى حالة الترقب تلازم مجرياتها والنتائج التي ستنتهي إليها، ويبقى الغموض سيد الموقف حيال الأسباب والشروط والظروف التي يمكن أن تؤدي إلى توقفها.

ومهما يكن الأمر تعتبر موسكو أن ما تسميها العملية العسكرية الخاصة جاءت كإجراء قسري لحماية مصالحها القومية.

 

ووفق عدد من الخبراء الروس، فقد حققت “العملية” حتى الآن نتائج إيجابية ملموسة للبلاد، وعلى رأسها تعزيز مبدأ الأمن المتكافئ وغير القابل للتجزئة في عالم متعدد الأقطاب.

وفي الوقت نفسه، يعتبر مرور عام على بدء الحرب فرصة لـ”كشف حساب” يشمل ميزان الربح والخسارة في الجوانب الأساسية الثلاثة للحرب: العسكرية والسياسية والاقتصادية.

 

حرب لا مفر منها

بدوره، يرى المحلل السياسي سيرغي بيرسانوف أن روسيا حاولت حتى النهاية تجنب التطور العسكري للأحداث، ففي 15 ديسمبر/كانون الأول 2021 أرسلت مسودة اتفاقيات بشأن الضمانات الأمنية المتبادلة إلى واشنطن وبروكسل اقترحت فيها استبعاد توسع الناتو إلى الشرق، وعودة قوات الحلف إلى حدود عام 1997، والتخلي عن أي نشاط عسكري على أراضي أوكرانيا ودول أخرى في أوروبا الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى.

ويتابع بيرسانوف -في حديث للجزيرة نت- أنه بما أن هذا العرض ووجه بالرفض القاطع -بما فيه المقترحات الرئيسية للكرملين- فقد أصبح التحرك العسكري في أوكرانيا أمرا لا مفر منه.

 

وبرأيه، فإن تحديد القيادة الروسية أهداف العملية العسكرية دون وضع جدول زمني لها يشير إلى أنها جادة بشأن النتائج.

 

إجماع الدونباس

ويشير بيرسانوف كذلك إلى أن روسيا نجحت رغم التكلفة الباهظة في الصمود بوجه العقوبات الهائلة من الغرب، وأن العملية العسكرية أدت إلى توحيد الرأي العام حول القيادة السياسية وساهمت في تصاعد المشاعر القومية كحالة مماثلة لتلك التي شهدتها البلاد بعد قرار ضم جزيرة القرم في عام 2014، حيث دخلت عبارة “إجماع القرم” حيز الاستخدام السياسي، وبات الحديث الآن يدور عن “إجماع الدونباس”، على حد قوله.

وبخصوص الحديث عن تزايد المخاطر باندلاع حرب نووية، يرى أن امتلاك روسيا أسلحة نووية “أكثر تقدما” من تلك التي تمتلكها أي قوة نووية أخرى يشكل وسيلة للردع وليس مبررا للتصعيد، وإلا فإن الدخول “الغربي” كان يمكن أن يكون مباشرا وليس هجينا كما هو الآن.

ويجمل بيرسانوف النتائج التي تحققت حتى الآن بمجموعة نقاط، أهمها:

  • إضافة 4 مناطق جديدة ومتكاملة تاريخيا إلى روسيا يبلغ تعداد سكانها عدة ملايين وبمساحة كبيرة (أكثر من 6 ملايين شخص و100 ألف كلم مربع).
  • تعزيز الأمن الإستراتيجي لروسيا بسبب بحر آزوف الداخلي، وتدمير مختبرات البنتاغون البيولوجية في أوكرانيا.
  • تفعيل البناء العسكري الروسي وتعبئة الصناعة الدفاعية، مع الأخذ بعين الاعتبار الفترة الطويلة الحتمية للصراع مع الولايات المتحدة وحلفائها.
  • تدمير ترسانات الناتو العسكرية في مسرح العمليات الأوكرانية.
  • إعادة توجيه العلاقات الاقتصادية ونمو المكانة الدولية لروسيا، والتمكن من زعزعة استقرار الاقتصاد الغربي كنتيجة للعقوبات ضد موسكو.

 

ربح وخسارة

من جانبه، يؤكد الخبير في الشؤون الروسية رولاند بيجاموف أن “ميزان الربح والخسارة” للحرب في أوكرانيا دائم الحركة في كلا الاتجاهين، ومن المبكر الحديث عن شكل نهائي له طالما بقيت الحرب مستمرة.

 

لكنه يوضح أن نتائج العام الأول من الحرب أفرزت توسعا جيوسياسيا، بما تملكه المناطق التي أصبحت تحت السيطرة الروسية من ثروات هائلة ستلعب دورا مهما في إنعاش الاقتصاد الروسي وزيادة حجم ثرواتها الطبيعية والمعدنية.

 

تعادل عسكري

ويلفت إلى أن السيطرة على محطة زاباروجيا النووية تعتبر ورقة إستراتيجية من شأنها أن تعزز في المستقبل موقف موسكو التفاوضي حتى في حال قدوم قيادة سياسية جديدة في أوكرانيا تكون مختلفة في توجهاتها السياسية نحو روسيا ومستقبل العلاقة معها.

ويتابع أن الموقف الميداني حاليا يبدو متعادلا بين الطرفين رغم التفاوت في القوة بين القوات الأوكرانية والروسية، والذي يقدره بـ10 نقاط مقابل نقطة واحدة لصالح الأخيرة.

في المقابل، يتحدث بيجاموف عن “تكلفة” للحرب على الصعيدين السياسي والاقتصادي، إذ يشير إلى أن روسيا فقدت السوق الأوروبي للغاز والنفط، مما خلق مشكلة حقيقية في موضوع إيجاد البدائل وإعادة توجيه بوصلة الواردات، وهي عملية -حسب رأيه- لن تتم بسرعة.

وإضافة إلى ذلك وقعت روسيا -وفقا لكلامه- إلى حد ملموس في “فخ” الحصار والعزلة، وأدى قطع “شرايينها” الاقتصادية والمالية مع المنظومة الأوروبية إلى نتائج “ثقيلة” قد تستهلك عملية التأقلم معها وتعويضها من خلال البدائل الأخرى إلى وقت قد يمتد إلى 10 سنوات.

 

ويتابع أن حالة “الطلاق” التجاري بين الطرفين وصلت إلى نقطة اللاعودة، وستؤدي بدورها إلى حالة تشرذم اقتصادي واختلال في منظومة التجارة العالمية قد يؤدي إلى انقسامها.

وعليه، فإن روسيا -وفقا لبيجاموف- باتت في حرب وجودية مع الغرب يجب أن تتخذ قرارات استثنائية تتفق مع فكرتي السيادة ورفض ربط مستقبل البلاد بالمؤسسات الأوروبية، السياسية والتجارية.

المصدر : الجزيرة

About Post Author