ما مكاسب الصين من حرب أوكرانيا؟.. خبراء أميركيون يجيبون الجزيرة نت
واشنطن- مع اقتراب الحرب الروسية على أوكرانيا إتمام عامها الأول، باتت روسيا تعتمد بشكل متزايد على الصين، وفي الوقت الذي تتبنى فيه الأخيرة رسميا موقفا محايدا، ترى الكثير من الدوائر الأميركية أن موقف بكين يعكس تدخلا في الصراع بصورة غير مباشرة.
وأعتبر وليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية ” سي آي إيه” CIA في يوليو/تموز الماضي أن “من مصلحة الصين أن تبقي روسيا والغرب منقسمين، خشية أن يتعاونا معا ضد الصين كما حدث في القرن الـ 19”.
علاوة على ذلك، ومع إطالة أمد الصراع، سوف يُصرف انتباه الغرب عن مسرح المحيطين الهندي والهادي، وسوف تُترك روسيا ضعيفة بحيث لا تشكل أي تهديد لنفوذ الصين المتنامي في فضاء الجمهوريات السوفياتية السابقة، في الوقت الذي تستطيع فيه الصين أن تملأ الفراغ الاقتصادي داخل روسيا، والذي خلفه انسحاب الاستثمارات والتكنولوجيا الغربية.
من جانبها، تصوّر الصين الولايات المتحدة وحلف الناتو على أنهما المحرضان الرئيسيان على الأزمة، إذ ومنذ وقوع الهجوم الروسي لم تدعم الصين أيا من القرارات السبعة التي طرحها الغرب للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلسي الأمن وحقوق الإنسان ضد موسكو، حيث صوتت بكين ضد 3 قرارات وامتنعت عن التصويت على 4 أخرى.
وتكرر الدبلوماسية الصينية مقولة “ضرورة التخلي عن عقلية الحرب الباردة وفكرة التحالفات العسكرية، والتحول إلى نظام دولي براغماتي متعدد الأقطاب تلعب فيه الدول غير الغربية دورا أكثر حسما”.
بايدن وعداء الصين
حددت إستراتيجية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للأمن القومي الصين على أنها “التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية لأميركا”، إذ وفور بدء فترة حكم الرئيس الأميركي قبل عامين، اتخذ بايدن خطوات لتشكيل شبكة تحالفات جديدة تحيط بالصين، وتستهدف مواجهة قوتها الصاعدة، وتأسس على إثر ذلك تحالف “أوكوس” (AUKUS) مع أستراليا وبريطانيا، وتحالف “كواد” (Quad) مع اليابان وأستراليا والهند.
من هنا، تسبب الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا بمأزق كبير لصانعي الإستراتيجية الأمنية الأميركية الذين كانوا يخططون لمواجهة إستراتيجية واحدة تتمثل في مواجهة الصعود الصيني، فمع بدء الحرب قبل عام، جمعت موسكو وبكين ما تعتبرانه رغبة الغرب -بزعامة الولايات المتحدة- في استمرار هيمنته على بقية العالم.
وتشارك الصين روسيا في “شراكة تنسيق إستراتيجية شاملة لعصر جديد” تم التوقيع عليها قبل أسابيع من بدء الهجوم الروسي، حيث لم تدعم الصين العقوبات الغربية الأحادية الجانب ضد روسيا، بسبب أن واشنطن تستخدم هذه العقوبات كوسيلة لتوسيع نفوذها الجيو-إستراتيجي.
دعم صيني حذر
لا يعتقد الخبراء الأميركيون أن موسكو قد أبلغت بكين بقرار الحرب قبل عبور قواتها الحدود الأوكرانية، حيث اعتبر جوشوا كورلانتزيك خبير الشؤون الصينية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركية، أن بكين فوجئت بالخطوة الروسية.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار كورلانتزيك إلى أن “الصين كان عليها التعامل مع الموقف على الفور، وبسرعة اختارت الوقوف وراء بوتين، لأنه لم يكن هناك أي خيار آخر أمامها، لقد أسست علاقات وثيقة مع روسيا منذ عقود”.
لكن كورلانتزيك يرى أنه “كان هناك نوع من الدعم المشوب بالقلق، لأن بكين كانت لا تزال غير متأكدة مما سيفعله بوتين وإلى أي مدى سيذهب، وأعتقد أن القيادة الصينية رغم أن لديها قنوات تواصل مباشرة مع الرئيس بوتين، لا يبدو أن لديها القدرة على التنبؤ بخطوات الرئيس الروسي”.
وتتفق صون يون، خبيرة العلاقات الصينية الأميركية بمركز “ستيمسون” بواشنطن، مع تقدير أن الصين لم تتوقع أن تُقدم روسيا على هجوم واسع النطاق على أوكرانيا.
حياد صيني مؤيد لروسيا
قبل بدء القتال، كانت الصين الشريك التجاري الأول لكل من روسيا وأوكرانيا، ونتج عن العقوبات الغربية فرصة مواتية للصين للحصول على احتياجاتها من النفط والغاز الروسيين بأسعار منخفضة، إذ تعتقد الخبيرة صون أن “رفض الصين إدانة روسيا بسبب الحرب، أو اتخاذ إجراءات عقابية ضدها، ومحاولتها الدفاع عن موقف موسكو دبلوماسيا، دفع ذلك كله للتشكيك في حياد الصين من الصراع”.
وفي حديثها للجزيرة نت، اعتبرت الخبيرة أنه “بمجرد وقوع الهجوم، حاولت الصين الدفاع عن موقف روسيا دبلوماسيا من خلال إلقاء اللوم على حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا في دفع روسيا إلى الحرب”.
من جانبه، اعتبر ماثيو والين الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي -وهو مركز بحثي يركز على الشؤون العسكرية- أن الصين تلعب دورا أساسيا في مساعدة روسيا للتغلب على العقوبات المفروضة ضدها، وخاصة ما يتعلق بقطاع الطاقة”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار والين إلى أن الصين بدت غير متحمسة للحرب خاصة في بدايتها، إلا أن موقفها واحتياجاتها من الموارد الروسية دعمت قدرة موسكو على تجنب انهيار اقتصادي.
مكاسب الصين من الحرب
يعد تغيير الاهتمام الأميركي العسكري بعيدا بعض الشيء عن جنوب شرق آسيا ومنطقة المحيطين الهادي والهندي تجاه أوروبا وأوكرانيا، بمثابة استفادة صينية مباشرة من الحرب في أوكرانيا.
وتكرر الصين أنه لا ينبغي مقارنة الأوضاع في أوكرانيا بتايوان، ذلك أن أوكرانيا بلد ذو سيادة تعرض لهجوم من بلد آخر، في حين أن تايوان جزء من الصين ويعترف بها العالم على هذا النحو.
وقال الخبير كورلانتزيك للجزيرة نت إن “الصين تؤمن أن عليها دعم روسيا، لن تتخلى بكين عن حليفها الروسي، لأن ذلك من شأنه أن يجعلها ضعيفة، كما أن لذلك آثارا على مستقبل تخطيط الصين لضم تايوان”.
غير أن كورلانتزيك يعتقد كذلك أن استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا يؤثر في مكانة الصين على الساحة العالمية سلبا، فهي مرتبطة ببوتين، وهذا أمر سيئ بشكل خاص بالنسبة للصين من حيث علاقاتها مع دول في أوروبا الوسطى والشرقية، حيث انهارت صورتها بسبب دعمها لبوتين، بحسبه.
من جانبها، تقر الخبيرة صون يون أن الصين استفادت بشدة من الحرب، خاصة فيما يتعلق بزيادة الاعتماد الروسي عليها.
وفي الوقت ذاته، لم تكن كل نتائج الحرب الأوكرانية جيدة لبكين، فبعد عام من القتال أرست الحرب أسسا جديدة عززت ووسعت ورسخت حلف الناتو. وتعتبر بكين الحلف بمثابة أداة بيد أميركا يخدم أهدافها الجيوسياسية، التي على رأسها مواجهة الصعود الصيني.