تحول إلى زعيم ملهم.. هكذا أصبحت علاقة زيلينسكي بالأميركيين بعد عام من الحرب في أوكرانيا
واشنطن ـ في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اختارت مجلة تايم الأميركية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي شخصية العام، وذلك تقديرا لقيادته بلاده عسكريا وسياسيا وشعبيا خلال الحرب ضد روسيا، ووصفت المجلة زيلينسكي بأنه يمثل “روح أوكرانيا” في الوقت الذي تشهد فيه بلاده غزوا عسكريا واسعا من روسيا.
ومثل هذا التكريم خطوة مهمة تعكس تقدير الرأي العام الأميركي للرئيس زيلينسكي، وتطور النظر له من مجرد سياسي مختلف بسبب خلفيته كممثل كوميدي تلفزيوني، وصولا إلى وضع القائد ذي المكانة العالمية.
ومرت علاقة الرأي العام الأميركي بالرئيس زيلينسكي عند وقوع الحرب بمرحلة قصيرة من التشكيك في قدراته، وفي إمكانية قيادته لبلاده في هذه الظروف العصيبة، إلا أنه تحول سريعا في عيون الأميركيين لزعيم مقاوم ملهم يسعي كبار الساسة الأميركيين للحديث معه وتسعى كبريات الشبكات الإعلامية للقائه.
وأسهمت شعبية زيلينسكي في الترويج لموقف بلاده في الحرب وللضغط على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل دفعها إلى تبني سياسات أكثر تأييدا لكييف، وتقديم مساعدات تخطت 60 مليار دولار حتى الآن.
بداية أميركية متعثرة
شكك الأميركيون في زيلينسكي بعدما رفض قبل الغزو المعلومات الاستخباراتية الأميركية عن قرب وقوع الغزو واسع النطاق، واعتبر بعض الخبراء أن خلفية زيلينسكي لا تؤهله لقيادة دولة على شفا الغزو من دولة كبرى جارة لها.
كما اعتبر البعض أن زيلينسكي فشل في إعداد أوكرانيا للدفاع عن نفسها، من هنا لم تكن العاصمة كييف محصنة بأي شكل من الأشكال، وسهل ذلك للروس محاصرتها خلال الأيام الأولى من الحرب، إلا أن ذلك تغير سريعا مع قرار زيلينسكي بعدم الفرار من كييف، والذي لفت أنظار الأميركيين له كزعيم في حالة حرب.
وخلال مقابلة له مع برنامج “60 دقيقة” الشهير، سأل المذيع سكوت بيلي الرئيس زيلينسكي عن بقائه داخل أوكرانيا رغم استعداد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA تهريبه وضمان سلامته خارج البلاد، أجاب زيلينسكي قائلا “لا أريد أن أصبح بطلا، أنا أحب عائلتي، أريد أن أعيش سنوات عديدة أخرى، ولكن أن أختار بين الهروب أو الوجود مع شعبي، بالطبع أنا مستعد للتضحية بحياتي من أجل بلدي”.
استغلال مهارات زيلينسكي
ويخوض زيلينسكي معركة إعلامية منذ اليوم الأول للحرب من أجل دعم بلاده بالسلاح والمال، وأدى الدعم الشعبي الأميركي إلى تغير في طبيعة النقاش حول حدود الدعم الواجب تقديمه.
وساهمت خلفية زيلينسكي كممثل وكوميدي في معركته لتوصيل رسالة أوكرانيا بوضوح وبطريقة مبسطة ومباشرة للأميركيين.
ويمزج زيلينسكي بين الجاذبية والفكاهة، وتحول من حين لآخر إلى اللغة الإنجليزية، ووصف المساعدات الأميركية لأوكرانيا بأنها “استثمار” من شأنه أن يعزز الأمن القومي الأميركي.
على مدار العام الماضي، أصبح من الدارج بين الصحفيين الأميركيين التندر لبعضهم لبعض بالقول إنني أجريت أو سأجري حوارا مع الرئيس الأوكراني.
ورغم الصعوبة الأمنية واللوجستية لإجراء حوار مع رئيس دولة تتعرض لغزو عسكري ضخم من قوة عسكرية كبرى، فإن كل شبكات الأخبار الأميركية الكبيرة والصحف الرئيسية أجرت حوارا أو أكثر مع الرئيس الأوكراني.
وذكرت أستاذة الإعلام في جامعة جورج واشنطن جانيت ستيل، أن “وسائل الإعلام الأميركية مفتونة بالرئيس الأوكراني وبقصة حياته وسلوكه وإخلاصه، ويؤمن الإعلام بأن شجاعة زيلينسكي الشخصية الواضحة وشجاعته الجسدية في مواجهة التهديدات الهائلة هي أشياء أسطورية”.
وأضافت ستيل، في تصريح للجزيرة نت، أن “زيلينسكي هو أيضا ممثل ماهر ويستخدم قدرته على التواصل مع الجماهير للتحدث مباشرة إلى الشعب الأميركي، وبهذه الطريقة تمكن بالتأكيد من الضغط على الإدارة الأميركية، وبلا شك يستفيد من خلفيته كممثل محترف له خبرة كبيرة في مخاطبة الجمهور وحشد الدعم لأوكرانيا، إنه يعرف كيفية استخدام اللغة وصوته وإيقاع كلماته لتحريك الجمهور”.
مساعداتكم ليست صدقة
وأكد زيلينسكي بلغة قوية واضحة الحاجة الملحة لمواصلة الدعم الأميركي، ونجح بالفعل في الحصول على دبابات أميركية بعد الرفض المبدئي لهذه الخطة من إدارة الرئيس جو بايدن في بداية الحرب.
وقال زيلينسكي أمام جلسة للكونغرس خلال زيارته لواشنطن في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إن مساعداتكم “ليس صدقة، بل هي استثمار في الأمن العالمي”.
وهدفت كلمات الرئيس الأوكراني إلى تهدئة الأصوات المتشككة في الكونغرس من خلال التأكيد على فوائد الاستثمار في أوكرانيا كشريك إستراتيجي، وأهمية بقاء أوكرانيا كدولة ذات سيادة.
وفي مايو/أيار الماضي صوت 57 جمهوريا في مجلس النواب المؤلف من 435 مقعدا و11 في مجلس الشيوخ المؤلف من 100 مقعد ضد حزمة مساعدات مقدمة لأوكرانيا.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن دعم الجمهوريين لاستمرار المساعدات قد تآكل منذ ذلك الحين، وفي استطلاع للرأي أجري في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أيد ما يزيد قليلا على نصف الناخبين الجمهوريين تقديم مساعدات لأوكرانيا انخفاضا من 80% في مارس/آذار الماضي.
ورغم بعض أصوات المعارضة في الكونغرس الأميركي والدعوات إلى تشديد الرقابة على إنفاق الميزانية على أوكرانيا فلا توجد أسباب ملموسة للاعتقاد بأن الدعم لأوكرانيا سيتضاءل.
وعلى وجه الخصوص، لا تزال القيادة الجمهورية في مجلس الشيوخ، إلى جانب كبار الجمهوريين في اللجان الرئيسية مثل لجنتي العلاقات الخارجية والخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، مدافعين أقوياء عن أوكرانيا.
من ناحية أخرى، نجح زيلينسكي أن يظهر الدعم الأميركي القوي والمستمر بصورة واضحة لصانعي القرار في موسكو، ودفع ذلك بايدن للتأكيد عدة مرات من واشنطن، ومؤخرا خلال زيارته التاريخية لكييف، ليكرر “أود أن تعرف أيها السيد الرئيس زيلينسكي، أن الشعب الأميركي معك في كل خطوة على الطريق. وسنبقى معكم”.