أكد رئيس المجلس الاستشاري الروسي للشؤون الدولية والأمن الروسي فيودور لوكيانوف -في تقرير نشرته صحيفة “بروفيل”- أن المكانة التي ستحتلها روسيا في واقع شديد التغير تعتمد بشكل مباشر على نتيجة “العملية العسكرية” الروسية في أوكرانيا.
ورأى الكاتب أن كلًّا من حرب أوكرانيا والحملات التي شنتها الولايات المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي إلى أوائل عام 2010، تجمعهما العديد من نقاط التشابه؛ وأهمها إعلان الشعارات بدل تحديد الأهداف بشكل واضح، وغياب معايير محددة للنصر عوضت بـ”إعلانات أيديولوجية”.
وأشار لوكيانوف إلى أن جميع العمليات الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية تدور حول الحفاظ على التسلسل الهرمي الدولي، أي التوازن ثنائي القطب خلال الحرب الباردة أو ما تلاها من الهيمنة الأميركية.
لذلك لم تعط أهمية إلى نتائج العمليات العسكرية التي أثرت سلبا على سمعة رؤساء أو أطراف معينة وعلى الموقف الدولي، فعند تأزم الوضع -على غرار ما حدث في فيتنام وأفغانستان- تقرر الولايات المتحدة غالبا الانسحاب.
ورأى لوكيانوف أن طبيعة العملية العسكرية الروسية تختلف عن العمليات الأميركية؛ كونها تقوم في المنطقة المحاذية لحدودها، ونظرًا لتأثر كامل المجتمع الروسي بهذه العملية، فإن الانسحاب في هذه الحالة يعني إحداث صدمة اجتماعية وسياسية وحتى ثقافية لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
مع العلم أن موازين قوى الخصوم -العامل الذي رأت روسيا أنه يصب في صالحها في البداية- باتت مختلفة، إضافة إلى أن القدرات العسكرية لأوكرانيا -المدعومة من قبل الغرب- لا تسمح باستبعاد السيناريوهات المناوئة لموسكو؛ وعليه فلن تتمكن روسيا من الانسحاب حتى لو أرادت ذلك.
وحسب الكاتب الروسي، فإن الاختلاف الثاني بين العملية الروسية والعمليات الأميركية يكمن في أن المعركة لا تقوم من أجل الحفاظ على التسلسل الهرمي الدولي الحالي، بل من أجل إقامة تسلسل جديد. وبغض النظر عن الدافع وراء تنفيذ العملية العسكرية، فإنها تشكل تحديا لقادة النظام العالمي السابق.
ولفت إلى أنه بعد مرور عام، تحولت “العملية العسكرية” التي كانت تهدف في البداية إلى “حماية سكان دونباس” إلى معركة من أجل توزيع القوى في العالم، ومن ثم إلى حرب عالمية. في غضون ذلك، اتحد تكتل الدول بقيادة الولايات المتحدة للدفاع عن مواقفه وحشد مساعدات غير مسبوقة لصالح أوكرانيا.
وتساءل الكاتب عن إمكانية أن تتعزز مكانة روسيا في النظام الدولي أو ستتقهقر نتيجة الصراع، وذكر أن موسكو -وعقب ضمها شبه جزيرة القرم ومشاركتها في حرب سوريا، وتوسعها في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي، وحدوث موجة من الهستيريا حول التدخل السيبراني الروسي والتدخلات الأخرى في جميع أنحاء العالم تقريبا- وصل تصور روسيا بوصفها لاعبا دوليا مؤثرا ذروته.
ومع ذلك، أسهمت “العملية العسكرية الروسية” -التي لم تجر وفقا للسيناريوهات المرسومة- في تغيير تقييم قوة روسيا وقدراتها، حيث استنتج مراقبون أجانب أن قدرات موسكو “محدودة”.
في الوقت نفسه، يقول الكاتب إن ما جرى العام الماضي أظهر أن درجة مرونة روسيا وقدرتها على التكيف مع الضغوط الخارجية فاقت التوقعات. وأكدت من خلال ذلك دورها كدولة لا يمكن الاستغناء عنها.
ورأى لوكيانوف أن نتيجة العملية العسكرية الروسية -بغض النظر عن المهام التي قد تحددها- كفيلة بالكشف عن الوزن الحقيقي لروسيا ومكانتها على المسرح العالمي لفترة طويلة.
ناهيك عن أن الخصائص الجغرافية لروسيا وحضورها السياسي العالمي يخولان لها لعب دور مهم للغاية من دون اتخاذ إجراءات شديدة.