مصر تشهد تراجعا في أعداد القضايا بعد أن ضاعفت الحكومة الرسوم واستحدثت أخرى (مواقع التواصل)

مصر تشهد تراجعا في أعداد القضايا بعد أن ضاعفت الحكومة الرسوم واستحدثت أخرى (مواقع التواصل)

القاهرة- لسنوات عدة يشتكي مصريون من بطء إجراءات التقاضي، مما جعل اللجوء للقضاء هو الخيار الأخير لدى البعض، لكن يبدو أن الأزمة ربما تتصاعد بعد ارتفاع أسعار الرسوم وإقرار بعض الإجراءات الجديدة التي يقول محامون إنها تزيد من بطء عملية التقاضي.

كل هذا قلل عدد الدعاوى الجديدة بشكل كبير -بحسب محامين، في حين تؤكد الحكومة أنها تواصل العمل على تسريع منظومة العدالة الناجزة.

 

وقد ارتفعت رسوم التقاضي خلال الفترة الأخيرة بنسب تتراوح بين 100 و1000%، كما أن الحصول على شهادات أو صور من الأوراق أصبح أكثر تعقيدا رغم تطبيق الأرشفة الإلكترونية، بحسب محامين تحدثوا للجزيرة نت.

وضاعفت الحكومة واستحدثت مؤخرا رسوما بينها الدمغات والنماذج المطبوعة والخدمة المميكنة والاستعلام، إلى جانب رسوم استخراج شهادات الجدول أو الحصول على نسخ من الحوافظ أو صور من الأحكام الصادرة، فضلا عن زيادة رسوم عمل التوكيلات.

تزايد عدد القضايا أمام المحاكم المصرية أدى إلى بطء إجراءات التقاضي (رويترز)

مضاعفة الرسوم

وفقا للمحامي بالاستئناف محمد أبو ذكري، فقد زادت رسوم التقاضي بنسب تتراوح بين 100 و1000%، وذلك من خلال مضاعفة العديد من الرسوم القديمة بدرجات متفاوتة أو استحداث رسوم جديدة.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول أبو ذكري إن المحامين أجبروا على مضاعفة قيمة أتعابهم التي تشمل رسوم القضية، خصوصا وأن الأنظمة الجديدة التي أقرتها الدولة فرضت عليهم إضاعة الكثير من الوقت والجهد والمال.

ولا تحصّل المحاكم رسوما ثابتة عن كل قضية -كما يعتقد البعض- لكنها تتقاضى رسوما على كثير من التفاصيل الصغيرة المتعلقة بالقضية، وهو ما يزيد القيمة الإجمالية للنفقات، بحسب المتحدث.

على سبيل المثال، رفعت الحكومة أسعار الدمغات من 1.5 جنيه إلى 15 جنيها (الدولار حوالي 30 جنيها) وزادت سعر “دمغة العقود” التي توضع على كل ورقة من أوراق القضية، من جنيه واحد إلى 3 جنيهات -وفق أبو ذكري- الذي يقول إن بعض هذه القضايا قد يتألف من 50 ورقة وربما ضعف أو أضعاف هذا العدد حسب الموضوع.

هذه التفاصيل صعدت بأتعاب قضية “صحّة التوقيع” مثلا من ألف جنيه إلى 5 آلاف، بسبب ما طرأ عليها من زيادات وإجراءات كانت تنجز سابقا في ساعة واحدة، وأصبحت تستغرق 3 أيام، على حد قول أبو ذكري.

وأضاف المحامي “أنا رفعت دعوى هذا الأسبوع أمام القضاء الإداري كانت تتكلف في السابق 150 جنيها، الآن كلفتني 650 جنيها لدفع رسم عادي، رسم استعجال، ضريبة، دمغة محاماة” لافتا إلى أن هذا نوع بسيط من القضايا مقارنة بقضايا أخرى أكبر وأكثر كلفة.

ويعزو زيادة مصروفات التقاضي إلى عوامل أخرى غير الرسوم، لافتا إلى أن الجنح والجنايات لا رسوم عليهما، لكن أتعابهما أصبحت تبدأ من 4 آلاف و10 آلاف جنيه بدلا من ألف و5 آلاف على التوالي، بالنسبة له هو على الأقل، وهذا بسبب زيادة المواصلات والطعام والشراب وإطالة أمد الإجراءات، وكلها أمور تزيد مشكلة إطالة أمد التقاضي.

وتابع “المحامي جزء من المجتمع، عليه التزامات عائلية ومصروفات شأنه شأن أي مواطن، وبالتالي كلما زاد الغلاء زادت أتعابه، وهذا كله على يزيد أعباء الموكلين”.

ووفقا للمتحدث فإن الحكومة تتحدث عن فرض ضريبة على المحامين بقيمة 14% من رسوم القضية، بدلا من الضريبة القديمة التي كانت تتراوح بين 20 و120 جنيها، وهو أمر سيضاف على الموكل أيضا.

 

تطوير منظومة التقاضي

في أكتوبر/تشرين الثاني 2021، قال وزير العدل المستشار عمر مروان إن المحاكم تنظر في 11 مليون قضية سنويا، لكنه عاد في فبراير/شباط 2022 قائلا إن العدد يصل إلى 15 مليونا لكافة أنواع القضايا (مدني وجنائي وأسرة) مشيرا إلى أن مصر بها 14 ألف قاض فقط، بعضهم يعمل بقضايا جنائية ومدني وأسرة.

ولفت مروان إلى أن الوزارة تعمل بشكل جاد على إنهاء كافة القضايا القديمة، مشيرا إلى أن ظروف الجائحة حالت دون الانتهاء من كافة القضايا المؤجلة خلال 2021 كما كان مقررا، مشيرا إلى إنهاء كافة قضايا محكمة الأسرة التي كانت منظورة قبل 2021، باستثناء 16 قضية، والانتهاء كذلك من كافة الدعاوى المدنية الابتدائية التي كانت مرفوعة قبل 2020 باستثناء 2394 قضية.

وتعمل الوزارة -وفق مروان- على تطوير منظومة القضاء تكنولوجيا، حيث أصبح رفع الدعاوى وتجديد الحبس يتم عبر الإنترنت.

 

رسوم غير مفهومة

من جهته، يقول المحامي نادي أبو العلا إن الحكومة أصحبت تلزم صاحب الدعوى بدفع رسوم التقاضي وأتعاب المحاماة مقدما، بدلا من تحصيلها من الخسائر بعد انتهاء الدعوى، وهذا قد يدفع صاحب الحق للتراجع عن التقاضي أصلا بسبب عجزه عن سداد هذه الرسوم.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف أبو العلا أن الرسوم زادت بطريقة غير تعجيزية بعد أن كانت في المتناول، لافتا إلى أن “دعوى إيصال الأمانة مثلا أصبحت تكلف صاحبها ما يصل إلى 5 آلاف جنيه، وبالتالي فإن كل من له دين مثبت بإيصال أمانة بهذا المبلغ أو أقل منه لن يلجأ للمحاكم”.

هذه الإجراءات كما يقول المتحدث “تعني أن على الناس ضمان حقوقهم من خلال إيصالات أمانة على بياض حتى لو لم يتجاوز الدين الألف جنيه، ناهيك عن أنها تعني ضياع كل من له حق سابق بألف أو ألفين أو حتى 5 آلاف جنيه، ومضمون بإيصال بنفس قيمة الدين، ما لم يكن قد رفع الدعوى قبل فترة”.

وتابع “في السابق كنا نحصل على الأتعاب من الخاسر بعد انتهاء القضية، وكنا نكتب الطلبات والدعاوى بخط اليد على ورقة عادية، ونحصل على شهادات من الجدول أو صورة من الحكم مقابل 1.5 جنيه و15 جنيها على التوالي، الآن أصبحنا ملزمين بشراء نماذج مطبوعة من النيابة مقابل 10 جنيهات وتعبئتها من أجل الحصول على أي مستند، إلى جانب فرض رسوم شهيد ورسم عن كل سنة من سنوات البحث وآخر عن كل ورقة من أوراق القضية”.

 

التطوير جزء من المشكلة

هناك مشكلة أخرى أكبر، كما يقول أبو العلا، وهي أن تطبيق الأرشفة الإلكترونية ساهم في تأخر كل ما يتعلق بالتقاضي، لأن الموظفين القدامى لا يجيدون التعامل مع التكنولوجيا، وبالتالي يستغرقون شهرا للقيام بأمور قد ينجزها من يجيد التعامل مع الحاسوب والإنترنت في يومين أو ثلاثة بحد أقصى، مضيفا “الاعتماد على التكنولوجيا هدفه تقليص الوقت، لكنه أطال أمد الحصول على الأوراق عمليا”.

أما عن طول أمد التقاضي فهو أمر واقع في مصر -وفق أبو العلا- الذي يؤكد أنه واقع يصعب تغييره، لأن المشكو في حقه غالبا ما يتعسف في استخدام القانون من أجل المماطلة.

وأَضاف “القضاة يريدون إنهاء القضايا لأنها بالآلاف، لكنهم مجبرون على منح كل طرف كافة حقوقه، وهو ما يؤدي لتأجيل القضايا أكثر من مرة ولمدد تبدأ من شهر وتصل إلى 4 أشهر بالجنح، أما الجنايات فقد يصل التأجيل إلى 6 أشهر كل مرة”.

 
المصدر : الجزيرة

About Post Author