الدجاج البرازيلي ينجح في خفض أسعار الدواجن المحلية.. فهل يضر الإنتاج المصري؟
القاهرة ـ لاحظ مستهلكون انخفاضا طفيفا في أسعار الدجاج مؤخرا بعد أن تضاعف سعر كيلو الدجاج المحلي خلال أقل من عام بشكل جعل العزوف عن شرائه هو الأسلم تجنبا لمزيد من استنزاف الميزانيات المتداعية للأسر.
وباتت اللحوم البيضاء ملاذا لكثيرين لجؤوا إليها بديلا للحوم الحمراء التي قفزت أسعارها إلى مستويات كبيرة مؤخرا.
وتدخلت “جهة سيادية” -حسب وسائل إعلام محلية- لاستيراد نحو 50 ألف طن من الدجاج البرازيلي المجمد، في مواجهة الارتفاع المتوالي في الأسعار، فيما يستهلك المصريون نحو 180 ألف طن من الدجاج سنويا.
وتعد البرازيل من أكبر منتجي الدواجن بالعالم، وتصدّر إلى عدد من الدول العربية، ومنها مصر التي كانت على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن قبل أعوام، حتى صدمت المصريين مشاهد لإعدام الكتاكيت على يد المربين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بسبب أزمة نقص الأعلاف الناتجة عن تراجع الاستيراد الذي فاقمه شح الدولار.
وحل التجار على رأس قائمة المتهمين باستغلال الأزمة لمضاعفة أرباحهم، فيما يدافع هؤلاء عن أنفسهم بأن الأعلاف ومستلزمات الإنتاج تقف وراء الارتفاع الكبير في أسعار الدجاج.
ويباع الدجاج البرازيلي زنة كيلوغرام واحد بنحو 65 جنيها (دولاران تقريبا)، فيما يباع الكيلوغرام الواحد من الدجاج المحلي بنحو 80 جنيها (نحو 3 دولارات).
فهل يعني ذلك أن مباراة الدجاج البرازيلي والمحلي في السوق المصري ستنتهي بفوز ساحق لصالح البرازيلي؟ يتساءل معلقون، فيرى بعضهم أن المنتج المحلي لا يمكنه المنافسة سعريا مع المستورد، فالدواجن المحلية مهددة بالنفوق، ولن تصمد الدجاجة المحلية طويلا في هذه المباراة، في ظل إقبال المزيد من المستهلكين على البديل البرازيلي مدفوعين بالسعي للتوفير في الميزانيات الأسرية ولو على حساب الذائقة الشعبية التي اعتادت اللحم المحلي الطازج.
“بين البرازيلي والمحلي”
واندلع صراع بين مشجعي الدجاج البرازيلي والمحلي على منصات التواصل الاجتماعي، ويقول مشجعو الدجاج البرازيلي المجمد إنه مذبوح وفق الشريعة الإسلامية، وإن مذاقه لذيذ، بل وأفضل من المبيع في محلات الدجاج التي يمكن أن تكون ناقلة لجراثيم لا توجد بالدجاج المجمد.
بالمقابل، هناك اتهامات بأن صلاحية الدجاج البرازيلي توشك على الانتهاء، وأن مواد صناعية مسمومة مستخدمة لحفظه، كما أنه مصعوق بالكهرباء، مما يعني عدم توافقه مع اشتراطات الذبح وفقا للشريعة الإسلامية.
وكشفت جولة للجزيرة نت في الأسواق المحلية عن تباين في أسعار الدواجن المحلية، فتبدأ في مناطق بنحو 70 جنيها للكيلوغرام (2.3 دولار)، وصولا إلى نحو 90 جنيها (3 دولارات) لدى بعض باعة الدجاج الطازج.
أما بالنسبة للمجمد فإن المستورد الأكثر شيوعا منه هو البرازيلي، ويصل سعر الدجاجة زنة 1.3 كيلوغرام إلى نحو 90 جنيها، مما يعني أن الكيلوغرام الواحد يقل عن ذلك السعر بنحو الثلث.
والملاحظة الأخرى أن عبوة الدجاجة مثبت عليها تاريخ إنتاج يرجع إلى أقل من عام بقليل (مايو/أيار 2022) وتنتهي الصلاحية خلال 12 شهرا، مما يعني قرب انتهاء الصلاحية في غضون شهرين.
والمثير أن باعة في متاجر كبرى أكدوا للجزيرة نت أن النوع البرازيلي المثار حوله ضجة يباع لديهم منذ شهور، مما يدحض -برأي إبراهيم نعيم، وهو صاحب متجر لبيع الخضروات واللحوم المجمدة- أن الاستيراد هدفه ضرب الصناعة الوطنية، وأن توفير الدولارات جرى بسرعة لهذا الغرض.
متابعة دقيقة
بدوره، يؤكد رئيس شعبة الدواجن في الغرفة التجارية بالقاهرة عبد العزيز السيد في حديثه للجزيرة نت أن الدجاج المستورد يسد 40% فقط من احتياجات السوق، وهو ما يقدر بـ72 ألف طن من إجمالي استهلاك محلي يبلغ 180 ألف طن، موضحا أنه مع استيراد 50 ألف طن يستمر العجز بمقدار 22 ألف طن.
والمطلوب -وفقا للسيد- أن يتحرك المنتج المحلي لسد الفجوة الباقية، لكن هذا التحرك تكتنفه جملة من العقبات، إذ إن التكلفة الفعلية للمنتج 59 جنيها على أساس أن سعر الكتكوت 28 جنيها والعلف 22 جنيها، وحينما يجري البيع بسعر 65 جنيها تكون لدينا 6 جنيهات مكسبا في الكيلو (الدولار يعادل 31 جنيها).
ويلفت المتحدث إلى أنه لا أحد ترضيه خسارة المنتج مرة أخرى أو تدهور الصناعة، بل الجميع يأمل أن ترتقي منظومة الإنتاج، لكن المشكلة تكمن في المخاوف المرتبطة بانخفاض أسعار المستورد عن تكلفة الإنتاج المحلي.
وتابع “لكن فوجئنا أن انخفاض سعر الكتكوت أدى لارتفاع أسعار المنتج النهائي للدواجن، مما يعني أن هناك خللا يتطلب اعتدال المنظومة واستعادة من خرج منها، لا نريد استيرادا طويل الأمد إلا ضمن آليات كثيرة ضابطة للسوق لا بد أن تراعي الواقع”.
وأشار المتحدث إلى أحد المظاهر المثيرة للدهشة في مسار إنتاج الدواجن، مشيرا إلى أن ما يتم الإفراج عنه من مدخلات الإنتاج يصل إلى المنتج بأسعار مبالغ فيها رغم تخفيضها بتدخلات حكومية.
والمطلوب -وفق السيد- متابعة دقيقة لمسارات المدخلات منذ خروجها من الموانئ بالسعر الحقيقي لضبط السوق، سعيا لإيجاد السعر العادل للمدخلات، والذي لن يتم إلا من خلال بورصة حقيقية.
وهناك بورصة للدواجن، ولكن لم يتم تفعيلها منذ 2011، ويطالب السيد بتشكيل مجلس إدارة يضم ممثلين من وزارة الزراعة والفنيين لحساب السعر العادل بناء على مدخلات الإنتاج ومستلزماته ومتطلباته، ثم تتم إعادة النظر دوريا في السعر، كما يطالب بزيادة المزروعات اللازمة لصناعة الأعلاف.
ملامح الأزمة وحلولها
من جهته، وجه البرلماني أيمن محسب سؤالا إلى الحكومة مطالبا بإيضاح خطتها لإعادة إحياء صناعة الدواجن في مصر، لافتا إلى أن النجاح في حل الأزمة مؤقتا يكون عبر الاستيراد الذي خفض الأسعار المبالغ فيها، لكن الاستيراد لا يصح أن يكون حلا دائما.
وأشار النائب في بيانه إلى أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من الدواجن لفترة طويلة حتى تفاقمت أزمة الأعلاف الأخيرة بسبب ظروف سياسية واقتصادية محلية وعالمية تسببت في خسائر فادحة لصغار المربين ودفعهم ذلك للخروج من السوق، بالإضافة إلى خسارة عدد ضخم من الكتاكيت بسبب نقص علف التسمين.
ووفقا لبيانات رسمية، يبلغ حجم إنتاج الدواجن 1.4 مليار طائر، تنتج نحو 13 مليار بيضة تكفي الاحتياجات المحلية، ويصل حجم الاستثمار في الدواجن إلى أكثر من 90 مليار جنيه (نحو 3 مليارات دولار)، ويستوعب أكثر من 2.5 مليون عامل.
وطالب النائب بضرورة الإفراج عن كميات أكبر من الأعلاف، ودعم صغار المربين، وتوفير الدعم المادي والفني لهم، ودراسة طرح آليات وحوافز لتشجيع زيادة الإنتاج المحلي مرة أخرى، مع تفعيل إستراتيجية توطين المحاصيل التي تدخل في صناعة الأعلاف، ودعم تصنيعها محليا لخفض فاتورة الاستيراد التي تثقل الموازنة العامة للدولة.
من جانبه، أكد سلام رضا -وهو صحفي متخصص في شؤون الإنتاج الحيواني والدواجن- نجاح خطة الحكومة في لجم الأسعار بطرح كميات من المستورد، مشددا -في حديثه للجزيرة نت- على ضرورة إقامة صناعة وطنية، الأولى من الاستيراد، مما يعفي الحكومة من تدبير العملات الصعبة.
ويرى رضا أن كل مستلزمات ومدخلات الإنتاج في صناعة الدواجن متوافرة، والمشكلة تكمن فقط في الأعلاف، إذ إن توازن الأسعار لن يأتي إلا من خلال إتاحة المستلزمات وتوافر الإنتاج.
ويشير إلى أن العقبة الرئيسية في العملية الإنتاجية تكمن في العلف المستورد، أما باقي مكوناتها فهي متوافرة، مطالبا بتوفير الخامات لشهور، ليشعر المنتج بأمان تظهر نتائجه في استقرار الأسعار.
ولفت رضا إلى احتياج المنتجين لنحو 900 ألف طن شهريا من الأعلاف، وتم الإفراج منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى اليوم عن نحو مليونين و300 ألف طن، مما يعني نصف المطلوب.
ويتوقع أن تحتاج مرحلة تعافي الصناعة المحلية لشهور، مؤكدا أن هناك تحسنا كبيرا في قطاع الإنتاج المحلي في ما يخص مزارع الجدود والتسمين والأمهات والبيّاض، بما يواجه احتياجات الموسم الرمضاني، حيث يزيد معدل الاستهلاك ما بين 35% و40%، مطالبا الحكومة بالسعي للموازنة بين مصلحة الصناعة ومربي الدواجن والمواطن.