طهران- بعد مضي 6 أشهر على وصول مفاوضات فيينا الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي إلی طريق مسدود شرع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي يوم الجمعة الماضي في زيارة طهران للمرة الرابعة منذ توليه منصبه في ديسمبر/كانون الأول 2019، بحثا عن حل للخلافات العالقة بين الجمهورية الإسلامية والوكالة الذرية.

وعقب التقرير السري للوكالة الذرية بشأن العثور على جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7% في مصنع فوردو جنوب العاصمة طهران أعلنت الوكالة الدولية وهيئة الطاقة الذرية الإيرانية مع ختام زيارة غروسي إلی إيران عن توصلهما إلى اتفاق لمواصلة التعاون بشأن النقاط الخلافية، بما فيها معالجة قضايا الضمانات المتبقية والمواقع غير المعلنة (مريوان وتورقوز آباد وفارامين) التي تقول الوكالة الذرية إنها عثرت فيها على آثار لليورانيوم.

 

وبينما يؤكد البيان المشترك أن الجانب الإيراني سيسمح للوكالة الدولية -عند الحاجة- بالقيام بمزيد من أنشطة التحقق والإشراف في منشآته النووية سارعت طهران إلى نفي الاتفاق مع غروسي على نصب كاميرات مراقبة جديدة في المنشآت النووية ومسألة الزيارات المتكررة للمواقع الثلاثة، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات عن جدوى الزيارة.

 

  • ما أهمية زيارة غروسي؟

تأتي أهمية هذه الزيارة في أنها تمت عشية اجتماع مجلس محافظي الوكالة الذرية الذي كان قد استنكر في تقريره الفصلي السابق عدم حصول الوكالة على “إجابات مرضية” من إيران عن آثار اليورانيوم المخصب التي عثر عليها في 3 مواقع غير معلنة، وهي مريوان (غرب) وفارامين وتورقوز آباد في محافظة طهران، كما أن الزيارة بددت المخاوف بشأن العثور على جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7%، إذ أرجعت طهران السبب إلى “تقلبات لا إرادية” أثناء عملية التخصيب.

من ناحيته، يقيّم الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية عباس أصلان زيارة غروسي الأخيرة بـ”الإيجابية”، وأنها تمكنت من تحريك المياه الراكدة في الملف النووي الإيراني ووضعه على سكة التعاون والحوار.

وفي حديثه للجزيرة نت يرى أصلاني أن الزيارة ستنعكس إيجابا على اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والملف النووي الإيراني، مشيرا إلى أهمية التفريق بين القضايا الشائكة بين الوكالة الدولية وإيران من جهة وبين واشنطن وطهران من جهة أخرى.

وعلى صعيد متصل، يرى جاويد قربان أوغلي الدبلوماسي الإيراني والسفير الأسبق في جنوب أفريقيا أن حل الخلافات بين طهران والوكالة الذرية يعد البوابة المؤدية إلى حل الخلافات السياسية بشأن الملف النووي الإيراني، موضحا أن حل القضايا التقنية مع الوكالة الذرية سيسرع حلحلة الخلافات السياسية والعكس صحيح، وفق قوله.

وفي السياق، كتبت وكالة “نور نيوز” التابعة لأمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في تغريدة على تويتر أن أهم نتيجة لزيارة غروسي تتمثل بوضع إطار عمل مشترك لتسريع التعاون في إطار اتفاقية الضمانات بين الجانبين، مستدركة أن التعاون سيكون وفق قانون البرلمان الإيراني الموسوم بـ”الإجراء الإستراتيجي لإلغاء العقوبات”

  • ما تأثير الزيارة على المسار السياسي؟

وبالعودة إلى جاويد قربان أوغلي، حيث أوضح للجزيرة نت أنه لا بد من تفعيل الجانبين التقني والسياسي لحل الخلافات بشأن الملف النووي الإيراني مع الغرب، مؤكدا أن القضايا السياسية تتربع على رأس سلم أولويات واشنطن في التعامل مع الملفات الإيرانية، وذلك على النقيض من الوكالة الدولية التي تعتبر المرجع الرئيسي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل.

وأضاف الدبلوماسي الإيراني السابق أن السبيل الوحيد لمنع الأوساط الغربية من إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن يمر عبر التعاون التقني مع الوكالة الذرية واحتواء الخلافات السياسية مع الولايات المتحدة، مؤكدا أن الاتفاق التقني مع غروسي من شأنه أن يحرك المسار السياسي لاستئناف المفاوضات النووية الرامية لإنقاذ الاتفاق النووي.

وعقب الحرب الروسية على أوكرانيا والحديث الغربي عن إخراج المفاوضات النووية عن الأولويات يرى مراقبون في إيران أن زيارة غروسي لم يكن لها أن تتم بغير موافقة أميركية، فضلا عن أن المؤتمر الصحفي لمدير الوكالة الذرية في جنيف الذي اتسم بالإيجابية -عقب زيارته طهران- يرفع احتمالات استئناف مفاوضات فيينا النووية خلال الفترة المقبلة.

في المقابل، تتشاءم شريحة من الإيرانيين من أن تؤثر زيارة غروسي الأخيرة إلى طهران على المسار السياسي في ملف بلادهم النووي، إذ سبق أن فوّت الجانبان الإيراني والغربي فرصة التوقيع على اتفاق يقضي بإنقاذ خطة العمل المشتركة.

ويشير محمود عباس زاده مشكيني النائب المحافظ وعضو لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية إلى أن حكومة رئيسي قد أغلقت ملف المفاوضات النووية بشكل عملي حتى الآن، معبرا عن خشيته من أن يتمسك غروسي -خلال الفترة المقبلة- ببعض المعلومات التي سيحصل عليها من الجانب الإيراني وفق الاتفاق الأخير لتوضيح القضايا الشائكة وإزالة الشكوك.

  • ما الذي قد يعرقل الاتفاق؟

يعتقد الدبلوماسي الإيراني السابق فريدون مجلسي أن اتفاق بلاده مع الوكالة الذرية ليس سوى نقطة البداية لحل القضايا الخلافية بين الجانبين، واصفا الاتهامات بشأن تزويد طهران موسكو بطائرات مسيرة في حربها على أوكرانيا بأنها حجر عثر في طريق المفاوضات النووية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح مجلسي أن مطالب كل من طهران وواشنطن هي التي حالت دون إنقاذ الاتفاق النووي حتى الآن، مضيفا أن طهران تطالب برفع كامل للعقوبات الأميركية والحصول على ضمانات لتنفيذ الجانب الغربي تعهداته وعدم انسحاب واشنطن مرة أخرى، إلى جانب المطالبة بشطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.

وتابع مجلسي أن الجانب الأميركي يطالب بإعادة البرنامج النووي الإيراني إلى ما كان عليه خلال فترة تنفيذ الاتفاق النووي مع إقحام بعض الملفات الإيرانية الأخرى في المفاوضات النووية، مما عطل التوصل إلى اتفاق نهائي على الرغم من أنه كان وشيكا أكثر من مرة، وفق قوله.

 

  • ما السيناريوهات المتوقعة للنووي الإيراني؟

تتعدد السيناريوهات المتوقعة لمستقبل البرنامج النووي الإيراني، ومنها استمرار الوضع الراهن وفق ما يراه الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات عباس أصلاني الذي يضيف أن احتمالات عدم إحياء الاتفاق النووي ستكون مرتفعة خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أن الملف النووي لن يشهد تفعيل آلية الزناد وفق سيناريو استمرار الوضع الراهن.

ويعتقد أصلاني أنه في حال حلحلة القضايا الشائكة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية فإنه من المرجح الانتقال إلى المرحلة السياسية واستئناف المفاوضات النووية من حيث انتهت قبل 6 أشهر، أما في حال استعصت الخلافات بين الجانبين الإيراني والأميركي على الحل فحينها سيكون الاتفاق مؤقتا، بمعنى تحقيق القليل من مطالب الجانبين.

أما عن إحياء الاتفاق النووي فيرى أصلاني أنه على الرغم من أن احتمالات العودة إلى المربع الأول لاتفاق عام 2015 ضئيلة جدا في المرحلة الراهنة فإنها ستبقى أحد السيناريوهات المحتملة.

وعلى الجانب الآخر، يعتقد الدبلوماسي الإيراني السابق فريدون مجلسي أنه مع انتهاء جزء من الالتزامات الإيرانية -وفق الاتفاق النووي- خلال الفترة المقبلة من عام 2023 فإن الجانب الغربي سيقدم على تفعيل آلية الزناد، وأن احتمالات التوافق الجديد وإحياء القديم ضئيلة جدا.

المصدر : الجزيرة

About Post Author