كان مجندا في الجيش السوفياتي ويقود معارك الدفاع عن باخموت.. تعرف على الجنرال الأوكراني أولكسندر سيرسكي
بعد أن قاد قواته في الأسابيع الأولى من الحرب لهزيمة الروس في ضواحي كييف (شمال غرب)، ثم بعد ذلك بأشهر في خاركيف (شمال شرق)، يواجه قائد القوات البرية الأوكرانية الجنرال أولكسندر سيرسكي امتحانا صعبا في مدينة باخموت الواقعة شمالي مقاطعة دونيتسك بإقليم دونباس (شرق)، مع تزايد خطر سقوطها بيد مجموعة فاغنر بإسناد من الجيش الروسي.
يعد الجنرال سيرسكي (57 عاما) أحد أكثر القادة العسكريين الأوكرانيين خبرة، وحين تم تكليفه بمهام الدفاع عن كييف، ولاحقا قيادة الهجوم المضاد في خاركيف في سبتمبر/أيلول الماضي ثم إدارة معركة باخموت، لم تكن المرة الأولى التي تضعه الأقدار في مواجهة الروس.
فمنذ 2014 ولعدة سنوات خاض القائد الأوكراني معارك ضد القوات الروسية والانفصاليين الموالين لموسكو في إقليم دونباس، ولم تكلل بعض هذه المعارك بنفس بالنجاح، إذ استولى الانفصاليون على أجزاء من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك اللتين تشكلان منطقة دونباس، القاعدة الصناعية لأوكرانيا.
وفي الحرب الدائرة حاليا، كسب القائد الأوكراني معارك في دونباس بينها استعادة مدينة ليمان في دونيتسك من القوات الروسية، لكنه خسر أخرى بينها سقوط مدينة سوليدار قرب باخموت.
وقد بدأ سيرسكي حياته العسكرية مجندا في جيش الاتحاد السوفياتي، وتلقى التدريب في أحد المعاهد العسكرية بموسكو، وبعد استقلال أوكرانيا إثر انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، كان لا بد أن يعود للجيش الأوكراني.
وخلال العقدين الماضيين تدرج في المناصب العسكرية حتى رُقي أخيرا إلى رتبة جنرال، وكان قائدا للواء المدرع 72 في دونباس قبل اندلاع الحرب بالإقليم، وعين في 2019 قائدا للقوات البرية، وهو المنصب الذي لا يزال فيه حتى الآن.
ولم تقتصر مهامه على قيادة القوات والعمليات، فمنذ عام 2013 كُلف بالتنسيق مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أجل إحداث تغيير في الجيش الأوكراني يجعله مطابقا لمعايير الحلف، وكان طموح أوكرانيا للانضمام للناتو الذريعة التي استخدمتها روسيا لشن الحرب على جارتها الغربية.
وبالنسبة لمعظم الأوكرانيين كان الجنرال المخضرم مجهولا حتى ظهر في الإعلام خلال الهجوم المضاد الذي سمح للجيش الأوكراني بطرد القوات الروسية من معظم مقاطعة خاركيف في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي عُد بمثابة صفعة أخرى مدوية للقيادة الروسية.
نصران عسكريان
في يونيو/حزيران الماضي، أجرت صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) مقابلة مع الجنرال سيرسكي ضمن تحقيق مطول عن ملابسات بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.
حينها، قال سيرسكي إنه لم يتصور أن تشن القيادة الروسية هجوما عسكريا على نطاق واسع كالذي حدث في ذلك اليوم، وأضاف أنه كان يعتقد أنه إذا شنت روسيا هجوما فسيكون ذلك حول أو داخل حدود مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك في إقليم دونباس.
وقالت الصحيفة إن معظم المسؤولين السياسيين والعسكريين في أوكرانيا لم يتوقعوا أن تكون كييف الهدف الأول للقوات الروسية، التي وصلت بسرعة إلى الضواحي الشمالية والشرقية للعاصمة الأوكرانية قبل أن تضطر للانسحاب بعد ذلك بأسابيع إثر تعرضها لخسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
ومع ذلك، كانت القيادة الأوكرانية قد أوكلت إلى سيرسكي قبيل اندلاع الحرب مباشرة مهمة الدفاع عن كييف في وقت كانت تحركات الجيش الروسي تتزايد على الحدود الشرقية لأوكرانيا.
ووفقا لواشنطن بوست، فإن قائد القوات البرية الأوكرانية قسّم قواته إلى حلقتين بهدف حماية العاصمة؛ الحلقة الأولى في ضواحي كييف البعيدة والأخرى داخل المدينة، ووضع الحلقة الخارجية بعيدة عن الداخلية لتجنيب المناطق السكنية القصف الروسي.
كما قالت الصحيفة الأميركية إنه قسّم المدينة والمناطق المحيطة بها إلى قطاعات عيّن على رأس كل واحد منها ضابطا كبيرا، وبذلك تشكلت سلسلة واضحة من القيادة، وترك الحرية لقائد كل قطاع لاتخاذ القرار بدون العودة للقيادة.
كما أمر سيرسكي قبيل بدء الهجوم الروسي بنقل عتاد سلاح الجو، بما فيه المقاتلات والمروحيات، خارج القواعد الرئيسية حتى لا تتعرض للتدمير من قبل الجيش الروسي.
وقبل أسبوع من بدء الهجوم، نقل الجيش الأوكراني كل مراكز القيادة إلى مناطق ضمن المحاور التي توقع أن يتقدم منها الجيش الروسي.
وفي مقابلة مع مجلة “إيكونوميست” (Economist) منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال سيرسكي إن الروس ليسوا أغبياء وليسوا ضعفاء، مضيفا أن الاستهانة بهم تكون نتيجتها الهزيمة.
وتشير المجلة إلى أن هذا القائد الأوكراني يقف وراء انتصارين مهمين؛ الأول وقفُ الهجوم الروسي على مشارف كييف في مارس/آذار 2022، والآخر طرد القوات الروسية من خاركيف في سبتمبر/أيلول من نفس العام.
امتحان باخموت
في الآونة الأخيرة، ومع اشتداد الضغط الروسي على باخموت، تواترت زيارات الجنرال الأوكراني إلى المدينة، إذ إنه مكلف بالدفاع عن المدينة التي تعد مركزا لتصنيع الملح المستخرج من مناجم سوليدار المتاخمة لها.
وكانت أحدث زيارة له لباخموت يوم الجمعة الماضي، وناقش خلالها مع القادة الميدانيين سبل تعزيز خطوط الدفاع الأوكرانية، وبالتزامن كان الجنود الأوكرانيون يحفرون المزيد من الخنادق في محيطها.
وذهب الجنرال الأوكراني لهذه المدينة -التي وصفها الرئيس فولوديمير زيلينسكي بالحصن- في نفس اليوم الذي قال فيه قائد مجموعة فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين إن باخموت باتت عمليا محاصرة. وفي نفس اللحظة كانت القوات الروسية تدك بالمدفعية آخر طرق الإمداد الأوكرانية نحو هذه المدينة.
وفي زيارات سابقة، أكد القائد الأوكراني أن قواته لن تفرط في باخموت التي كان عدد سكانها قبل الحرب 70 ألفا تقريبا.
وفي الأيام القليلة الماضية، تحدث بعض المسؤولون الأوكرانيين علنا عن فرضية الانسحاب من باخموت بالنظر للضغط الروسي المتصاعد، وفي مقابل ذلك يؤكد مسؤلوون آخرون أن “الوضع حرج ولكن تحت السيطرة”، وأن قواتهم مستمرة في الدفاع عن المدينة.
وقال معهد دراسات الحرب الأميركي إن من غير المرجح أن تنجح القوات الروسية في فرض طوق حول باخموت، وأشار إلى أن القوات الأوكرانية قد تنسحب من بعض المناطق التي تشهد وضعا صعبا.
وتتعرض باخموت لهجمات روسية متواصلة منذ ما يزيد على 6 أشهر مما أدى لتدمير أجزاء كبيرة منها، وبات القتال في الأسابيع الماضية دمويا إلى حد أن وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف قدّر خسائر الروس هناك بنحو 500 قتيل وجريح يوميا، وفق ما نقلته عنه صحيفة “بيلد إم زونتاغ” الألمانية.
ولمنع روسيا من تحقيق أول نصر مهم لها منذ الهزائم المتلاحقة التي تكبدتها في ضواحي كييف وفي خاركيف وأخيرا في خيرسون (جنوب)، سيكون على الجنرال سيرسكي أن يحسم معركة باخموت لصالح الجيش الأوكراني ويتفادى سيناريو سقوط مدينة سوليدار القريبة منها في يناير/كانون الأول الماضي.