بعد طرح أصول الدولة في البورصة.. كيف يؤثر تهاوي الجنيه المصري على مسار الصفقات؟
القاهرة- يشهد شهر مارس/آذار الجاري واحدا من أهم الإجراءات الاقتصادية في مصر، حيث تعهدت الحكومة المصرية بطرح حصص في 32 شركة حتى نهاية الشهر ذاته من العام المقبل مع تصاعد الأزمة المالية في البلاد.
ومن المقرر أن تطرح الحصص الأولى بنهاية الشهر الجاري، بحسب ما صرح به رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الشهر الماضي، في حين سيطرح نحو ربع هذه الشركات بنهاية يونيو/حزيران المقبل.
وتشمل عمليات البيع 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديا، وتضم حصصا في 3 بنوك بارزة هي بنك القاهرة والمصرف المتحد والبنك العربي الأفريقي الدولي، إلى جانب شركات تأمين وكهرباء وطاقة وفنادق وشركات صناعية وزراعية.
كما أن هناك حصصا في شركتين على الأقل تابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، وهما الوطنية للمنتجات البترولية التي تدير سلسلة من محطات الوقود، والوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية (صافي).
لماذا تبيع مصر أصولها؟
تقول الحكومة المصرية إن عمليات الطرح، من خلال البورصة المحلية أو مستثمر إستراتيجي، تأتي في ضوء مخرجات وثيقة سياسة ملكية الدولة وبما يتسق مع الإصلاحات الهيكلية التي يتم اتخاذها.
وتعهدت دول خليجية بضخ استثمارات بمليارات الدولارات من خلال شراء حصص في تلك الشركات المزمع طرحها من قبل صندوق مصر السيادي، لدعم الاقتصاد المصري وتخفيف الضغط على العملة المحلية التي تواجه ضغوطا كبيرة.
هل سيتم البيع بالدولار أو الجنيه؟
مع الاستعداد لتنفيذ برنامج الطروحات، برزت إلى الواجهة مسألة البيع بالجنيه أم الدولار، وأيهما أفضل سواء للحكومة المصرية أو المستثمر الإستراتيجي، خاصة بعد توقف المفاوضات بين أحد صناديق الثروة الخليجية والحكومة المصرية بشأن الاستحواذ على المصرف المتحد المملوك للدولة، بسبب خلاف حول تقييم البنك، حسبما أفادت وكالتا بلومبيرغ ورويترز نقلا عن مصادر مطلعة في وقت سابق.
ويشكل اختيار عملة التقييم اختبارا حقيقيا لقدرة الطرفين على التوصل لاتفاق، لكن رئيس مجلس إدارة صندوق مصر السيادي ووزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، حسمت الجدل بأن الاتفاق مع المستثمرين على تقييم الأصول بالدولار الأميركي أو الجنيه المصري سيكون على أساس كل حالة على حدة، وفقا لوكالة بلومبيرغ.
هذا الجدل بسبب عملة التقييم فسّره الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار بأنه يعود إلى رغبة كل طرف في تحقيق أكبر قدر من المكاسب، لأن التقييم بالجنيه يكون في صالح المشتري، أما التقييم بالدولار فيكون في صالح البائع.
وأوضح نوار في حديثه للجزيرة نت، أن “الذي يقوم بعملية تقييم الأصول في العادة مؤسسات متخصصة في هذا المجال، وأن المسألة ليست مزادا مثل مزادات الأسواق الأخرى، فتقييم الأصول مهنة يعمل بها مختصون، وفي العادة يتم تقييم الأصول بالدولار أو اليورو أو عملة قابلة للتحويل”.
هل يعرقل مسار الجنيه الصفقات؟
تحول تقييم الأصول إلى نقطة جدلية أو خلافية مرده إلى واقع الجنيه المصري الذي يواجه سلسلة انخفاضات مستمرة دون القدرة على الوصول إلى نقطة استقرار تعكس قيمته الحقيقية.
وهوى الجنيه بنحو 100% من قيمته خلال عام واحد من مستوى 15.7 جنيها للدولار إلى نحو 31 جنيها للدولار، فيما يرتفع السعر بنحو جنيهين في السوق السوداء التي نشطت منذ بدء محطات خفض العملة المحلية وشح العملة الصعبة.
ووضعت عدة بنوك توقعات سلبية لمستقبل الجنيه أمام المستثمرين المحتملين وكان توقعها لمستقبل الجنيه على المدى القريب متشائما ويشير إلى احتمالات شبه مؤكدة بحدوث خفض جديد للجنيه المصري والذي ينخفض بالفعل عدة قروش كل يوم أو اثنين في البنك المركزي المصري والبنوك المحلية.
وتوقع بنك “سوسيتيه جنرال” حدوث تراجع في سعر صرف الجنيه المصري بنهاية مارس/آذار، إلى متوسط 34 جنيها للدولار، وجاءت تقديرات “إتش إس بي سي” (HSBC) لسعر الدولار عند مستوى 30-35 جنيها على المدى القصير، فيما رسم بنك “كريدي سويس” مسارا للجنيه باتجاه سقف 35 جنيها للدولار.
ما حجم الأزمة المالية؟
تعد الفجوة التمويلية التي تعاني منها مصر، وتقدر بنحو 17 مليار دولار، المحرك الرئيسي لبرنامج الخصخصة الذي يترقبه الشركاء الدوليون ويحث عليه صندوق النقد والبنك الدولي كأفضل الخيارات لمعالجة الأزمة الاقتصادية الحالية.
وبحسب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحتاج البلاد إلى 100 مليار دولار على مدى 7 سنوات لسد الفجوة الاستيرادية والتي تصل إلى نحو 30 مليار دولار سنويا.
وعقّد خفض وكالة “موديز” التصنيف الائتماني لمصر موقفها المتأزم أصلا، لأنه ينعكس بالسلب على قيمة الجنيه من جهة، وقيمة الأصول من جهة أخرى، ولكنه يسهل على المشترين مهمة الحصول على سعر أفضل.
وخفضت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، الشهر الماضي، تصنيف مصر من “بي2” (B2) إلى “بي3” (B3) مع نظرة مستقبلية مستقرة، لأول مرة منذ 10 سنوات، بسبب تخوفها من تراجع احتياطيات النقد الأجنبي في البلد.
هل تخسر مصر من البيع؟
يرى رئيس شركة الاستشارات الاستثمارية “بويز إنفستمنت” شريف عثمان، أن “المشكلة لا تكمن في عملية التقييم بقدر ما هي خطوة في الاتجاه الخاطئ، لأن البيع لن يعوض إيرادات تلك الشركات التي تدخل خزانة الدولة، إلى جانب صعوبة تعويض مثل تلك الشركات والأصول الرابحة”.
وأضاف عثمان، في تصريحات للجزيرة نت، أن “أي مستثمر سيحاول الاستفادة من تراجع قيمة الجنيه قبل إتمام أي صفقة، بينما مصر تريد الارتباط بالدولار حتى لا تخسر مع انخفاض الجنيه، ولكنها ستخسر في كلتا الحالتين”.
ما وضع صافي الأصول الأجنبية؟
تسببت أزمة نقص العملة الصعبة في تراجع صافي الأصول الأجنبية، بحسب بيانات البنك المركزي، وبلغ سالب 654.43 مليار جنيه من سالب 494.3 مليارا في نهاية ديسمبر/كانون الأول، (ما يقرب من 160.2 مليار جنيه أي نحو 1.7 مليار دولار) نتيجة استحقاق ديون وتصفية المستوردين لأعمال متراكمة في الموانئ.
وفي انتظار بدء الخصخصة، التي ينظر إليها البعض بعين الريبة، طرحت مصر لأول مرة في تاريخها، نهاية الشهر الماضي، صكوكا إسلامية بقيمة 1.5 مليار دولار، بعائد 11%، لتمويل مشروعات استثمارية وتنموية مدرجة في الموازنة العامة.