بين الشماتة والخوف من تزايد شعبيته.. هذه أبرز حسابات الديمقراطيين تجاه محاكمة ترامب
واشنطن- تحت شعار “لا أحد فوق القانون” جاءت سياسة قادة الحزب الديمقراطي في التعامل مع قضية توجيه اتهامات جنائية للرئيس السابق دونالد ترامب، رغم تضارب مشاعرهم من الابتهاج والشماتة إلى القلق والخوف من أنها قد تزيد من شعبية ترامب داخل حزبه، خاصة مع استمرار سيطرة الاستقطاب الحاد علي الحياة السياسية الأميركية.
بالنسبة لأي سياسي آخر، يمثل توجيه اتهامات جنائية له بمثابة إشارة إلى نهايته السياسية، لكن في حالة ترامب فإن السؤال -حسب بعض الديمقراطيين- هو إلى أي مدى ستكون الملاحقة القضائية بمثابة وقود لحركة بدت وكأنها تتراجع، في حين يعتقد بعض مخططي الحزب الديمقراطي أن ترامب أسهل مرشح يمكن التغلب عليه في انتخابات 2024، لأنه يحفز الديمقراطيين ويُقسّم الجمهوريين والمستقلين.
ويستدل الطرف الأخير على رأيه بنتائج آخر 3 انتخابات، إذ خابت آمال الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية للكونغرس 2018 والانتخابات الرئاسية 2020، والانتخابات النصفية للكونغرس 2022، التي عكست نتائج مخيبة لترامب شخصيا، ولتياره الأوسع المعروف باسم “ماغا”.
ومن هنا يرحب الديمقراطيون بخوض السباق الرئاسي أمام ترامب، مقارنة بمرشح جذاب صغير السن على غرار حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس (45 عاما)، الذي سيظهر تنافسه مع بايدن البالغ 80 عاما فارق السن الكبير بينهما.
التزام الصمت وجمع الأموال
لم يعلق الرئيس جو بايدن على القضية حتى الآن، في وقت نصحت فيه المتحدثة السابقة باسم البيت الأبيض جين ساكي الديمقراطيين بعدم التعليق، وقالت موجهة حديثها للقادة الديمقراطيين “إذا استطعت، اخفض رأسك وابق بعيدا عن التعليق على المحاكمة في الوقت الحالي”.
وفي برنامجها التلفزيوني على شبكة “إم إس إن بي سي” (MSNBC)، أشارت ساكي إلى أحد استطلاعات الرأي الذي وجد أن 90% من الجمهوريين و70% من المستقلين وحوالي 30% من الديمقراطيين يعتقدون أن قضية المدعي العام لمنطقة مانهاتن ضد ترامب مسيسة.
من جهتها، عملت اللجنة القومية للحزب الديمقراطي على استغلال القضية لجمع مزيد من التبرعات المالية، وركزت اللجنة على نقطة دعم الحزب الجمهوري بأكمله لترامب. وذكرت اللجنة -في بيان لها- أنه “بغض النظر عما يحدث في الإجراءات القانونية القادمة لدونالد ترامب، من الواضح أن الحزب الجمهوري لا يزال في قبضة الرئيس السابق”.
في حين قالت لجنة العمل السياسي لمجلس الشيوخ للحزب الديمقراطي -وهي اللجنة المسؤولة عن إبقاء الديمقراطيين أغلبية في مجلس الشيوخ- إن توجيه الاتهام والاعتقال المحتمل لترامب “لحظة مهمة لديمقراطيتنا” لكنها حذرت من أن “عملنا لم ينته بعد”.
وجاء في رسالة إلكترونية للجنة -أُرسلت لمئات الآلاف من المشتركين في قائمتها البريدية- “فلنكن واضحين تماما: في ضوء الأخبار المذهلة عن لائحة الاتهام غير المسبوقة لدونالد ترامب، لم يكن من الواضح أكثر من أي وقت مضى أننا بحاجة إلى هزيمة المتطرفين الموالين له في مجلس النواب”.
انتخابات 2024 حول ترامب
خلال حملته لشغل منصب المدعي العام لدائرة جنوب مانهاتن عام 2020، تعهد إلفين براغ بالإيقاع بدونالد ترامب، وتفاخر براغ بأنه رفع دعاوى قضائية ضد ترامب وعائلته وشركاته “أكثر من 100 مرة”.
ويدرك الديمقراطيون أن توجيه لائحة الاتهام لترامب ستضع في موقف صعب منافسيه على بطاقة الحزب في انتخابات 2024، إذ سيتعين عليهم اتخاذ موقف من هذه الملاحقة القضائية، فسيتم سؤالهم باستمرار عن ترامب، وليس عن إخفاقات رئاسة بايدن أو ارتفاع عمره الكبير، وهي قضايا يجب أن يناقشها الناخبون بتمعن.
ويضيف انتماء المدعي العام إلى الحزب الديمقراطي مصداقية لتفشي الشكوك في الملاحقة القضائية التي لا يمكن فصلها عن الوضع السياسي الأشمل.
وهناك خطر آخر يشغل عددا من خبراء القانون الدستوري يتمثل في السابقة التي تضعها هذه المحاكمة، فالمدعي العام بمانهاتن يخرق قاعدة سياسية ظلت قائمة لأكثر من 230 عاما، بمجرد توجيه الاتهام إلى رئيس سابق ومرشح حالي. وسيمنح ذلك فرصة لبعض المدعين العامين الجمهوريين في عدد من الولايات إلى السعي للشهرة والمكسب السياسي من خلال فعل الشيء نفسه مع مسؤولين ديمقراطيين.
تعبئة غير مقصودة للجمهوريين
في المقابل، أبدى كثير من الناخبين الجمهوريين دعمهم للرئيس السابق ضد ما يرونه “اضطهادا سياسيا ممنهجا” يُمارس ضده منذ سنوات. وفي ردهم على افتتاحية لصحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) تؤيد محاكمة ترامب، عبّر كثير من الناخبين الجمهوريين عن غضبهم مما قام به الديمقراطيون.
إذ تقول أنطونيا تامبلين، من منطقة برونكس بمدينة نيويورك، “إنها ليست ديمقراطية عندما يلاحق الحزب الحاكم -المحمي بوسائل الإعلام المتعاطفة معه- خصومه السياسيين بوقاحة، ويحاول الآن القضاء على أكبر تهديد له: الرئيس السابق دونالد ترامب. إن القضية المعروضة علينا ليست مسألة ملاحقة قانونية، بل هي مسألة تتعلق بقضايا حقوق الإنسان، إنه اضطهاد سياسي”.
في حين اعتبر مايكل جيه دي ستيفان، من مدينة جيمس تاون بولاية رود آيلاند، أنه “منذ سنوات، وضع الديمقراطيون ووسائل الإعلام الليبرالية أنفسهم بشكل مقدس كأبطال ومدافعين عن الديمقراطية.. لكن سعي المدعي العام ألفين براغ لتوجيه الاتهام إلى دونالد ترامب يكشف أن الديمقراطيين يستغلون هذه الأشياء أكثر من كونهم مدافعين عنها.. إن انحراف المدعي العام براغ البشع عن العدالة قد يذهب بأميركا إلى أحد أسوا أيامها”.