مسلسل "الأخير مِنّا" (The Last of Us)، الذي عُرض على منصة "إتش بي أو" (المصدر إتش بي أو)

مسلسل "الأخير مِنّا" (The Last of Us)، الذي عُرض على منصة "إتش بي أو" (المصدر إتش بي أو)

لم يكن أحد يتصور أن ألعاب الفيديو، مهما بلغت شهرتها أو قدرتها على سرد القصص، يمكن أن تتحول إلى مصدر إلهام لعمل تلفزيوني، يعتبره الناقد البريطاني ستيفن كيلي “إنجازا رائعا”.

هذا العمل هو مسلسل “آخرنا” (The Last of Us)، الذي عُرض على منصة “إتش بي أو” (HBO)، في 15 يناير/كانون الثاني الماضي، مُقتبسا من إحدى ألعاب الفيديو الشهيرة التي صدرت بالاسم نفسه عام 2013، وأثار إعجاب الجمهور والنقاد.

 

وجذب المسلسل 4.7 ملايين مشاهد بمجرد بثه لأول مرة، ثم 10 ملايين مشاهد في اليوم التالي، ثم 18 مليون مشاهد بحلول نهاية الأسبوع، وقد تجاوزت مشاهدات الحلقة الأولى حتى الآن 22 مليون مشاهد. كما قفز للمرتبة الـ29 على قائمة أفضل 250 مسلسلا على موقع “آي إم دي بي” (imdb). ووصف بأنه “أحد أفضل ما يمكن مشاهدته هذا العام”.

مما حدا بمبدعي العمل أن يعلنوا عن موسم ثان منه، بعد أقل من أسبوعين على عرض الموسم الأول المكون من 9 حلقات، قائلين “الآن يسعدنا القيام بموسم ثان”، بحسب موقع “إنترتينمنت ويكلي” (ew).

نجاح مذهل ومضمون

فالمتابع للساحة الفنية العالمية سوف يلاحظ أن محاولات مخرجي السينما والتلفزيون للاقتباس من ألعاب الفيديو الشهيرة تُكلل بالنجاح المُبهر، بدءا من لعبة فيديو “المحقق بيكاتشو” (Detective Pikachu)، التي ذاع صيتها في جميع أنحاء العالم عام 2018 تحت امتياز “بوكيمون”، قبل أن يُحولها المخرج الأميركي روب ليترمان إلى فيلم كوميدي خيالي مدته 104 دقائق في عام 2019، بعنوان “بوكيمون: المحقق بيكاتشو” (Pokémon: Detective Pikachu)، حصد 10 جوائز، وحقق أرباحا تعادل 3 أضعاف تكلفته (حوالي 450 مليون دولارا إيرادات، مقابل ميزانية تُقدر بـ150 مليون دولار).

ثم الاقتباس الثاني من سلسلة ألعاب الفيديو اليابانية الرائدة “القنفذ سونيك” (Sonic the Hedgehog) التي صدرت عام 1991، ووصفت بأنها “ممثلة لثقافة التسعينيات”، وأدرجت ضمن أعظم الألعاب على الإطلاق.

وأصبحت الأعلى مبيعا، حيث حققت أكثر من 6 مليارات دولار حتى عام 2022. وحوّلها المخرج الأميركي جيف فاولر إلى سلسلة من أفلام الحركة والمغامرة والكوميديا، صدر منها جزآن في عامي 2020 و2022، حصدا مجتمعين 5 جوائز ورُشحا لـ15 جائزة، وحققا إيرادات تقدر بـ725 مليون دولار، مقابل ميزانية بلغت 185 مليون دولار، ومن المنتظر أن يعرض فاولر الجزء الثالث في عام 2024.

وصولا إلى أحدث اقتباس ناجح بين أيدينا الآن، من لعبة فيديو تدور حول الرعب والمغامرة والبقاء على قيد الحياة بعد نهاية العالم، باعت 37 مليون نسخة وفازت بـ320 جائزة في مجال الألعاب. وهو الاقتباس الذي اعتبره كيلي “أفضل تعديل للعبة فيديو على الإطلاق”.

إبداع الاقتباس

“آخرنا” مسلسل لمبتكر اللعبة الأصلية، نيل دروكمان، وكريج مازن مبتكر مسلسل “تشرنوبل” (Chernobyl) عام 2019، تدور أحداثه حول رجل وفتاة مراهقة يسافران عبر الولايات المتحدة خلال كارثة نهاية العالم.

وقد كشف دروكمان في مقابلة مع صحيفة “ذا نيويوركر” (newyorker) الأميركية، عن أحد أسرار نجاحه، وهو الالتزام المخلص في كل شيء يتعلق بالقصة الأصلية التي “تقدم دراسة للشخصيات تتسم بعمق مذهل، في أجواء من الظلام والعنف والبطء والكآبة والرهبة”، تشبه بشدة أيقونات التلفزيون والسينما المرموقة، مثل رائعة الأخوين كوين، “نو كانتري فور أولد من” (No Country for Old Men).

وذلك وسط الأهوال التي اجتاحت الولايات المتحدة في خضم أحداث نهاية العالم، جرّاء كائنات آكلة للحوم البشر، مصابة بفطر متحور يسمى كورديسيبس، ساعدته أزمة مناخية تجتاح الكوكب، ليقتل مليارات البشر على مدى 20 عاما، عبر انتشاره من الدماغ إلى جميع أنحاء الجسم.

هذا الفطر المتحور يُحوّل من بقي من البشر إلى وحوش مسعورة تلاحق العديد من الناجين، بمن فيهم جويل ميللر، عامل بناء من تكساس في الخمسينيات من عمره، حولته الرغبة في البقاء على قيد الحياة إلى مُهرّب مُتمرس، يفقد ابنته بعد محاولات يائسة لإبقائها في مأمن بولاية تكساس الفوضوية المنهارة تحت وطأة تفشي المرض.

ومعه الفتاة المراهقة إيلي وليامز، التي تبلغ من العمر 14 عاما، التي يصطحبها باعتبارها “المنقذ الذي يبحث عنه العالم، لتمتعها بحصانة نادرة ضد العدوى”، بحسب الناقدة ريبيكا نيكلسون.

أيضا من مفاتيح نجاح العمل، بحسب الناقد ريتشارد نيوبى، “تقديم تجربة مختلفة عن تلك التي يمكن أن يحصل عليها المرء من ممارسة اللعبة، مع جذب كل من هواة الألعاب ومن ليسوا كذلك، بالإضافة إلى جذب من يحبون هذا النوع من (الزومبي) وأولئك الذين سئموا منه”.

إيلي التي تخطف كل مشهد تظهر فيه

فقد بدا “مسلسل الزومبي شديد اللمعان”، على حد وصف الناقد جيمس بونيوزيك، وكأن إيقاعه ضُبط بشكل أساسي على شخصية إيلي (بيلا رامزي)، الممثلة البريطانية التي ظهرت لأول مرة في دور ليانا مورمون، في الموسم السادس من “لعبة العروش” 2016، والتي تعتبرها الناقدة آندي ويلش “مزيجا مثاليا ومتناقضا من البراءة والسذاجة والذكاء”، ويرى فيها كيلي “رعبا صغيرا محببا، مليئا بكاريزما وشجاعة وخفة دم ودفء حقيقيين، يجعلانها تسرق كل مشهد تكون فيه”.

وأصبحت شخصية إيلي بمثابة “البوصلة المثالية” لأداء بيدرو باسكال، الممثل التشيلي المولود في الولايات المتحدة، الذي لعب دور أوبرين مارتل، في الموسم الرابع من “لعبة العروش” (Game of Thrones) 2014.

ظهر باسكال “في واحدة من أمتع جماليات المسلسل العظيمة، كنموذج للممثل العاطفي الحساس الذي نجح في لعب دور جويل، بأدائه شخصية الرجل الفظ والمضطرب، الذي جرده الحزن من إنسانيته، ودفنه تحت أكوام من السخرية والعنف، لكنه يلين ويذوب في جميع أنحاء المسلسل”، كما يقول كيلي.

معللا هذا التغيير في شخصية جويل، بتأثير إشعاع “الفتاة إيلي”، التي كُلّف جويل بتسليمها إلى المليشيا الثورية الساعية لإسقاط وكالة فيدرا لإدارة الكوارث، التي تحكم بقبضة من حديد. على أمل أن يتمكنوا من استخدام مناعة إيلي لتطوير لقاح مضاد لمتحور كورديسيبس، واستعادة الديمقراطية.

المصدر : مواقع إلكترونية

About Post Author