تلقي التوترات العرقية والدينية الأخيرة في الهند الضوء على تاريخ طويل من الصراعات شكّل خطوطا حدودية بين بلدان شبه القارة الهندية، ورغم تناقض الآراء حول ذلك الانفصال الكبير وتبعاته، لا سيما الحروب التي خاضتها الهند وباكستان منذ 1949 حتى مطلع السبعينيات، يبدو لافتا للنظر دور مجموعة من المفكرين والمثقفين المسلمين، ممن عاشوا في شبه القارة الهندية الواقعة تحت الاستعمار البريطاني، في تشكيل دولة جديدة.
وبعد أكثر من 7 عقود من إنشاء باكستان، لا يزال صعود النزعة الانفصالية الإسلامية في جنوب آسيا والظروف التي أدت إلى باكستان من الموضوعات المثيرة للجدل، وفي السنوات الأخيرة استكشفت العديد من المؤلفات الجديدة جوانب مختلفة من القضية التي تمس بوجه مباشر “السؤال الإسلامي” في الهند اليوم.
في كتابه الجديد بعنوان “ملحمة القيادة: الانفصالية الإسلامية وإنجاز دولة باكستان المنفصلة”، يناقش الأكاديمي إسكندر حياة أستاذ التاريخ والسياسة العامة وعميد كلية العلوم الاجتماعية بجامعة “إف سي كوليدج” بلاهور قصة محمد شاه آغا خان الثالث (1877-1957) الإمام الـ48 للطائفة الإسماعيلية النزارية الذي اضطلع بدور كبير في تشكيل الموقف السياسي لمسلمي شبه القارة الهندية وفي نقل آرائهم إلى البريطانيين.
يقدم هذا الكتاب تأريخًا فريدًا “للانفصاليين المسلمين” الذين أثروا وأسهموا في تشكيل جنوب آسيا الحديثة، ويصف الكتاب رحلاتهم في الهند البريطانية، لا سيما سيد أحمد خان الذي وضع الأساس للحركة السياسية الانفصالية الإسلامية، وأيضا العلامة محمد إقبال الذي أخذ قضيته إلى أبعد من ذلك وصاغ فكرة الدولة المنفصلة، وأيضا سيد أمير علي (مولانا محمد علي)، وكذلك القائد الباكستاني محمد علي جناح الذي بعد أن طالب بدولة منفصلة حوّلها إلى حركة قومية باكستانية وقادها لتحقيق دولة باكستان المنفصلة عن الهند.
يعدّ فصل الكتاب الجديد عن الآغا خان مهمًّا أيضًا لأن إسهام الآغا خان في السياسة الهندية غالبًا ما يكون حظه التجاهل، رغم دوره المركزي في كونه نوعًا من “شخصية الأب” التي تدور حولها جميع أطياف السياسة الإسلامية.
آغا خان ومسلمو شبه القارة الهندية
قاد آغا خان الثالث وفدًا من 35 سياسيًّا مسلمًا لمناقشة مطالب المسلمين في شبه القارة الهندية مع نائب الملك البريطاني، اللورد مينتو، في 1906. وكان أحد المؤسسين وأول رئيس دائم لرابطة مسلمي عموم الهند (AIML)، كان هدفه النهوض بأجندات المسلمين وحماية حقوق المسلمين في الهند البريطانية.
ولد آغا خان الثالث في كراتشي بالسند أثناء الحكم البريطاني (باكستان الآن)، لآغا خان الثاني وزوجته الثالثة، نواب عالية شمس الملوك، حفيدة فتح علي شاه فارس وثاني سلاطين السلالة القاجارية. وبعد تخرجه من كلية “إيتون” البريطانية ذهب للدراسة في جامعة كامبردج.
وفي عام 1885، في سن السابعة، خلف والده ليصبح “إماما للشيعة الإسماعيليين”، وسافر إلى أجزاء بعيدة من العالم للقاء أتباعه، ومنحته الملكة فيكتوريا في عام 1897 وسام فارس للإمبراطورية الهندية، وحصل على تقدير مماثل لخدماته العامة من الإمبراطور الألماني، وسلطان العثمانيين، وشاه بلاد فارس، وحكام آخرين.
في عام 1906 كان الآغا خان عضوًا مؤسسًا وأول رئيس لرابطة مسلمي عموم الهند، وهو حزب سياسي دفع باتجاه إنشاء دولة إسلامية مستقلة في المناطق الشمالية الغربية من الهند، ثم تحت الحكم الاستعماري البريطاني، وتم تأسيسها لاحقًا؛ دولة باكستان عام 1947.
في مؤتمرات المائدة المستديرة الثلاثة (الهند) في لندن من عام 1930 إلى عام 1932، لعب دورًا مهمًا لتحقيق الإصلاحات الدستورية الهندية.
وفي عام 1934 أصبح عضوًا في مجلس الملكة البريطانية الخاص، وخدم بصفته عضوًا في عصبة الأمم (1934-1937)، وأصبح رئيسًا لعصبة الأمم في عام 1937.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أثرت التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية البعيدة المدى تأثيرًا عميقًا في عدد من المناطق التي يقيم فيها أبناء طائفته الإسماعيليون، وفي عام 1947 استُبدل الحكم البريطاني في شبه القارة الهندية بدول مستقلة ذات سيادة هي الهند وباكستان ثم بنغلاديش، وأدى ذلك إلى هجرة ملايين من الناس ووقوع خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
الانفصال الكبير
في مقال نشرته مجلّة “نيوزويك” في نسختها الباكستانية، قال الكاتب خالد أحمد إن دولة باكستان وسكانها مدينون لآغا خان الثالث لإسهاماته في تنمية البلاد.
ورأى الكاتب أن موقف آغا خان من الوضع في الهند كان مشابها لموقف سيد أحمد خان من قبله، إذ “أعطى الأولوية للأقلية المسلمة على حساب الهوية الوطنية الهندية” كنوع من الاستجابة للضغوط التي تمارسها القومية وإرثها الاستعماري على الأقليات، ولم يكن يرى المسلمين على أنهم مجرد طائفة بل عدّهم كيانا وطنيا له الحق في التمثيل.
كشفت إصلاحات المجلس التشريعي لشبه القارة الهندية في عام 1892 بشكل واضح ومقنع أنه لا أمل في التوصل إلى اتفاق منصف للمسلمين داخل حزب المؤتمر الحاكم أو بالتحالف معه. ونظرًا لظهوره المباشر القاسي وخبرته في السياسة الهندية، لم يُترك لآغا خان أي خيار سوى السير على خطى سيد أحمد خان الذي دعا إلى وحدة المسلمين وتقدمهم ومصلحتهم.
كان لدى آغا خان اعتقاد راسخ بأن تمكن المسلمين من الحصول على اعتراف بانتخاباتهم المنفصلة يعني أنه يجب أن تكون لديهم أيضًا منظمة سياسية لجعل هذا التمثيل المنفصل فعالا، وسرعان ما تمكن آغا خان من التأثير في عدد لا بأس به من القادة المسلمين. في عام 1906، وبعد اختتام الدورة السنوية للمؤتمر التربوي المحمدي، قرروا إطلاق حزب سياسي إسلامي.
ترأس الاجتماع نواب الملك وحضره مندوبون من مختلف أنحاء الهند يمثلون مختلف الطبقات الاجتماعية، وأسفر ذلك عن تأسيس رابطة مسلمي عموم الهند، وهي تتويج منطقي للتطورات التي بدأت مع إدخال المؤسسات التمثيلية في الهند.
انتُخب آغا خان أول رئيس لرابطة مسلمي عموم الهند، وظل في هذا المنصب حتى استقالته عام 1912، لكن انسحابه لم يعن أنه لم يعد مهتما بالحياة السياسية وأحداثها في الهند. وفي الواقع، أتاح له هذا الانسحاب فرصة مثالية للتفكير في الوضع من جديد واقتراح مخرج للهند في هذه المرحلة التطورية للحكم البريطاني، لا سيما في ما يتعلق بالمأزق الإسلامي.
كتب آغا خان كتابا مهما عن السياسة الهندية بعنوان “الهند في مرحلة انتقالية: دراسة عن التطور السياسي” في عام 1918، وقد نشر بالفعل عددا من الأعمال المثيرة للجدل مثل “التعليم الإسلامي في الهند” (1902)، و”الغرض الحقيقي من التعليم” (1904)، و”وثيقة حقوق المسلمين” (1906)، و”بعض الأفكار حول السخط الهندي” (1907)، و”نصيحة للرابطة الإسلامية”، و”مشكلات الأقليات في الهند” (1909).
وبعيدا عن السياسة والخطط السياسية، كان أحد الاهتمامات الرئيسة لآغا خان الارتقاء بمشروع تعليمي لسيد أحمد خان لرفع مكانة كلية عليكرة الإسلامية وجعلها جامعة متكاملة بكل معنى الكلمة ومؤسسة للتعليم العالي لجميع مسلمي الهند.