الأوكرانيون ما فتئوا يطلقون النكات رغم الدمار (الأناضول)

الأوكرانيون ما فتئوا يطلقون النكات رغم الدمار (الأناضول)

عادة ما يختار الناس رؤية الأشياء من خلال عدسة كوميدية مما يخفف من وطأة العيش في مواقف قاسية، ولا يبدو أن الأوكرانيين شذوا عن تلك القاعدة فمنصاتهم الاجتماعية تعج بالسخرية من عدوهم.

في تقرير لها لموقع الجزيرة الإنجليزي، جمعت الكاتبة الأميركية جوديث ماتلوف بعض أكثر تلك النكات إثارة، كما تحدثت عن موقف الروس من مثل هذا السلاح.

 

وافتتحت الكاتبة تقريرها بتعليق الأوكرانيين على ما قاله الروس عن أسباب التفجيرات التي هزت في 9 أغسطس/آب 2022 الماضي قاعدة عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم.

وقالت الكاتب، وهي كذلك مدرسة تغطية النزاعات بكلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، إن وزارة الدفاع الروسية تجنبت إلقاء اللوم على أوكرانيا قائلة “ما حدث ناتج عن انفجار العديد من مخازن ذخيرة الطيران” بينما اختار الجيش الأوكراني التعامل مع القضية بحذر ولم تعلن كييف مسؤوليتها عن تضرر الطائرات المقاتلة ولا عن غارة لاحقة بطائرة بدون طيار على مقر البحرية بالمنطقة التي تحتلها روسيا.

وبدلاً من ذلك، حذرت وزارة الدفاع الأوكرانية، بسخرية على تويتر، من مخاطر التدخين، مشيرة بتهكم إلى أن الجنود الروس تسببوا في الانفجارات بأنفسهم من خلال إلقاء سجائر مشتعلة.

وقد غردت جهة أوكرانية، في فيديو سياحي مزيف ورد فيه النص التالي “حان الوقت للعودة إلى الوطن.. القرم هي أوكرانيا” مصحوبا بأغنية Cruel Summer لباناناراما عام 1983، وفي الخلفية سائحان مصدومان يفران من الشاطئ القريب بينما يلوح الدخان المتصاعد من الانفجارات في الأفق.

 

والأيام التي تلت ذلك، ظهر وابل من المنشورات الساخرة المماثلة على العديد من حسابات تويتر العسكرية الأوكرانية، حيث شارك أحدهم نصيحة منظمة الصحة العالمية بأن “التدخين يقتل”.

ونشرت تغريدة أخرى لاذعة بشكل خاص تظهر فيها فسيفساء كابتشا (Captcha) للطائرات المحترقة مع تعليمات لـ “إثبات أنك لست روبوتًا” الرجاء النقر فوق كل صورة تحتوي على طائرة، وإذا لم يكن هناك أي شيء، فانقر على “تخطى”.

فالنكات الرقمية، وفقا للكاتبة، أحدث أسلحة أوكرانيا بالحرب، ورغم أنه لم يتضح بعد ما ستؤول إليه الأمور، فإن تلك الرسائل الساخرة تحظى بملايين المشاهدات على تليغرام وتويتر ومنصات التواصل الأخرى، ويتردد صداها في أوكرانيا نفسها والجمهور العالمي الناطق بالإنجليزية.

ونقلت الكاتبة عن كورنيليو بجولا، أستاذ الدراسات الدبلوماسية بجامعة أكسفورد والمتخصص بالرسائل الرقمية “ربما يكون الوضع العسكري في طريق مسدود، لكن الفكاهة تساعد أوكرانيا على كسب حرب المعلومات”.

لكن مع استمرار الصراع، كما يقول بجولا، اتخذت الحكومة الأوكرانية قرارًا إستراتيجيًا لإبقاء السكان المحليين والأجانب منخرطين من خلال رسائل قصيرة وجذابة يمكن مشاركتها على نطاق واسع، وتكون بالإنجليزية، كي يكون لها صدى لدى الجماهير الغربية.

 

وبعد شهر واحد فقط من الحرب، نشرت وزارة الدفاع مقاطع فيديو تظهر مثلا مزارعين أوكرانيين يسحبون مركبات عسكرية روسية، وفي الخلفية أغان غربية للإشارة إلى أن أوكرانيا جزء من الغرب، مع تغريدات أخرى مقتبسة من الملاكم مالك تايسون أو فيلم رامبو.

ولكن أحد أكثر الاقتباسات التي يراد لها أن تثبت ارتباط الأوكرانيين بالغرب وثقافته هي تلك التي نشرتها حسابات أوكرانية في 31 أغسطس/آب، وتضمنت الأغنية البريطانية الشهيرة من الحرب العالمية الثانية “Run Rabbit.. Run” “اركض يا أرنب.. اركض”.

وأبرزت الكاتبة أن الاستهزاء بروسيا ليس بالجديد في أوكرانيا، ففي أعقاب غزو موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014، قامت الخارجية الأوكرانية بتعزيز قدرتها على المراسلة الرقمية في وحدة اتصالات إستراتيجية يقودها الوزير الحالي دميترو كوليبا، بمشورة من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وقد بدأت بالفعل تلك الوحدة بث صور متحركة وميمات من البرنامج التلفزيوني The Simpsons في إطار الدعاية الرقمية.

وأعطت السنوات التي تلت ذلك البلاد فرصة كبيرة لإتقان حملتها النقدية ضد روسيا، وقد جلب كوليبا هذه المهارة معه إلى محفظته الحالية كوزير للخارجية.

وبالإضافة إلى السخرية من موسكو، يشدد الجيش الأوكراني على رعايته للحيوانات وعطفه عليها، للتأكيد على إنسانية جنوده، وتُظهر الميمات ومقاطع الفيديو كيف يقوم الجنود بإجلاء الحيوانات الأليفة والحيوانات الأخرى من حدائق الحيوان، جنبًا إلى جنب مع مشاهد وحشية الروس.

 

ويتضمن النوع الثالث من الرسائل مقاطع فيديو هي في الأساس أغان تمجد التدمير، ولكنها كوميدية، يتم فيها نشر مقاطع غنائية مصورة مضحكة تصاحب إطلاق الصواريخ ومشاهد القصف، ورغم عدم تناسق هذا الجمع، فإن الموسيقى الجذابة مع كلمات لاذعة جعلت مئات الآلاف يرقصون.

فقد حصدت الأغنية المثيرة للطائرات التركية بدون طيار (بيرقدار) ما يقرب من مليوني مشاهدة، وتظهر معها ابتسامة عريضة لأشخاص يرتدون الزي الرسمي يرقصون ببنادقهم وهم يسخرون من الروس على أنهم “خراف” أو “كائنات خرافية”.

الرسائل الرقمية لروسيا

وفي المقابل، تقول الكاتبة: يلاحظ المرء أن وسائل التواصل الروسية اتسمت منذ بداية الغزو بالقسوة والجدية، وهو ما يعزوه إيلان مانور، المحاضر بالاتصالات في جامعة بن غوريون بالنقب إلى كون “روسيا أدركت مبكرًا أن الدعابة قد تأتي بنتائج عكسية لأن الرأي العام كان ضدها” مشيرا إلى أن الضحية يمكن أن يسخر من المعتدي، ولكن ليس العكس.

وتميل الرسائل الرقمية الروسية -بدلاً من ذلك- إلى تعظيم التهديدات، مثل الحرب النووية، ومن الصعب أن تثير الرعب وأنت تنشر النكات.

ولاحظت الكاتبة أن هذا المنهج مختلف عما عهد عن حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي استخدمت سابقًا محاكاة ساخرة لاذعة للتقليل من شأن القادة والروايات الغربية، ولتخفيف حدة الانتقادات حول تدخل موسكو في (شؤون) الدول الأخرى.

 

وعندما نشر الناتو، عام 2014، صور الأقمار الصناعية لغزو الدبابات الروسية لشبه جزيرة القرم، غرّدت سفارات موسكو بصورة لدبابات دمى، واصفة إياها بأنها “الدليل الأكثر إقناعًا” الذي يمكن أن يتوصل إليه الحلف.

وأرجعت الكاتبة استخدام الأوكرانيين للنكات إلى محاولتهم التقليل من شأن روسيا وسعيهم لرفع الروح المعنوية لشعبهم وسط الدمار الهائل الذي تعرض له بلدهم، فبعدما أصبحت الحرب واقعا معاشا تحول الأوكرانيون إلى روح الدعابة السوداء.

وتقول لقناة الجزيرة صوفيا ماكسيميف منسقة الاتصالات بالمجلة الإلكترونية UkraineWorld “حياتنا كانت دوما صعبة، لذا فإننا نطلق النكات باستمرار كي لا نفقد عقولنا” مضيفة أن الدعابة الأوكرانية زمن الحرب “هي ميزتنا الوطنية، نختار رؤية الأشياء من خلال عدسة هزلية، فهذا يمكننا من العيش بسهولة في المواقف القاسية”.

وتستشهد ماكسيميف بحكاية تسليها بشكل خاص عن جدة ألقت جرة من المخللات على مسيرة روسية قائلة “البعض قد يشكك في هذا الأمر، لكن مثل هذا الموقف السخيف يساعدنا على الضحك والهدوء”.

وأخيرا، علقت الكاتبة الأميركية للجزيرة الإنجليزية: الفكاهة يمكن أحيانا أن تتجاوز حدها فتنقلب إلى ضدها، كما أنها تركز على تمجيد ما يقوم به الأوكرانيون ضد الغزاة وتتجاهل ما يقومون به تجاه ضحاياهم.

 
المصدر : الجزيرة

About Post Author