أبدت الصحافة الفرنسية اهتماما كبيرا بالانتخابات التركية، وتحدث أغلبها عن قوة وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي رآه بعضهم “معجزة حقيقية” ورأى فيه آخرون دليلا على أن أردوغان يحظى بدعم شعبه داعيا الغرب إلى تقبل ذلك، في حين نسبت إحدى الصحف الفضل فيه إلى شباب متدين غُذّي بالقومية الإسلامية، ولكن الجميع اتفقوا على تفوق الرئيس وإحباط المعارضة.
وذهبت صحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) -في تحليل لها- إلى أن ما انتاب الإعلام في أوروبا من جنون يعتمد على الاحتمال الكبير بحدوث نكسة لأردوغان كان يتناسى ثقل الشباب المتدين الذي ينتمي لهوية لا تؤمن بالمعايير الغربية.
وأظهر أن هذا الإعلام ينظر إلى تركيا من خلال مرآة مشوهة تركز على المراكز الحضرية الرئيسة كأنقرة وإسطنبول وإزمير، وتتجاهل تركيا الأناضولية التي ترى في أردوغان المرشح الوحيد القادر على ضمان استقرار بلد محاط ببؤر التوتر ويمكنه رفع صوت تركيا عاليا على المستوى الدولي.
وقال المحلل تيغران يغافيان -في مقاله للصحيفة- إن أردوغان يمكنه الاعتماد على الدعم غير المشروط من الشتات التركي القوي في أوروبا الغربية الذي يحشد بشكل كبير لمصلحته وعلى نقل الأصوات من اليمين المتطرف الحساس لخطابه.
لكنه أبدى شكه في زعيم التكتل المعارض كمال كليجدار أوغلو الذي قال إنه حصل في الجولة الأولى على كل ما يمكن أن يحصل عليه، بخاصة أنه مهما ادّعى إرث أتاتورك أو قيل إنه “غاندي التركي” سيظل في نظر الجميع علويا، ومن غير المعقول أن يسلم ناخب تركي سني عادي مقاليد السلطة المطلقة تقريبًا منذ الإصلاح الدستوري الأخير لعضو من طائفة غير تقليدية.
ومن جهتها، رأت “ليبيراسيون” (Liberation) أن حصول أردوغان على الصدارة بنسبة 49.51% من الأصوات كذّب استطلاعات الرأي، حتى إن الباحث في العلوم السياسية بيرم بالسي قال إنه مدهوش للغاية وخائب الأمل ويشعر بالخجل لأنه أساء فهم الناخبين الأتراك، ويشعر بأنه وقع في فخ القراءات المناهضة لأردوغان بين المثقفين المعارضين في إسطنبول، وهو بذلك يرى نتيجة الانتخابات الرئاسية معجزة وكذلك نتيجة الانتخابات التشريعية التي احتفظ فيها حزب العدالة والتنمية بنصف المقاعد في البرلمان.
انتخابات نزيهة
أما مجلة “لوبس” (L’Obs) فقد وضعت عنوانا بارزا تدعو فيه إلى ضرورة الاعتراف بأن الانتخابات التركية أثبتت أن أردوغان يحظى بدعم شعبه، مشيرة إلى أن النتيجة 49.5% مخيبة للآمال لمن يترأس ائتلافا من 6 أحزاب معارضة لم ينجح إلا في منع الرئيس من المرور في الجولة الأولى.
وفي مقابلة مع الباحث بيرم بالسي الذي قال قبل الانتخابات إن “نموذج أردوغان يلفظ أنفاسه”، اعتذر الباحث عن خطئه الناتج عن وجود أزمة اقتصادية ومعارضة بارزة، وقال إنه سعيد بأنه لم يكن هناك غش ولا عنف، وخلص إلى أن غريم أردوغان سيقبل هزيمته لأنه ليست لديه مصلحة في الطعن في شرعية صناديق الاقتراع التي يعرف أن الأتراك يحترمونها، كما أنه لا داعي لأن يغير أردوغان سياسته إذا فاز لأنها تعمل.
وفي تقرير له، ركز موقع “ميديا بارت” (Mediapart) على خيبة الأمل القاسية للمعارضة التركية التي منّتها استطلاعات رأي عديدة بالفوز في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وكذّبها تصدر أردوغان بنسبة 49% على مرشحها كمال كليجدار أوغلو الذي لم يبلغ 45%، ومع ذلك قال في بيان عام مساء الأحد “سنفوز في الجولة الثانية”.
ونبه الموقع إلى أن فوز المعارضة في الجولة الثانية قد يكون ممكنا إذا تحولت إليها أصوات المرشح الثالث الذي حصل على 5%، وهي أصوات يمينية تعارض أردوغان بالفعل ولكنها أيضا لا ترى غريمه بعين الرضا بسبب وجود الأكراد واليسار إلى جانبه.
وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تضرب تركيا بقوة وعلى الرغم من وصمة الاستبداد التي تلقى على أردوغان، فقد استطاع الرئيس أن يضع نفسه في موقع المرشح المفضل للجولة الثانية.
يقول بائع الشاي مراد بكل اعتزاز “لقد أعاد بلادنا إلى مجدها السابق، عدنا دولة ذات هيبة يحترمها الآخرون في جميع أنحاء العالم”، وقالت غمزة (37 عاما) وهي وكيلة عقارات إن “المعارضة تتكون من خونة تم كسبهم لمصالح أجنبية غايتها تدمير البلاد”.
علاقة معقدة
أما في صفوف المعارضة فقد أفسح الأمل الطريق لليأس، حيث يقول حسين، وهو مهندس تطوع ليعمل مدققا في حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري، بعد أن عاد إلى منزله، “من المحتمل أن يفوز أردوغان في الجولة الثانية. على أي حال بعد هذه النتائج، حتى لو تمكنت المعارضة من الفوز فسيكون ذلك بأعجوبة”.
ولم تختلف صحيفة “لوتان” (Le Temps) السويسرية عن صديقاتها من الصحف الفرنسية، إذ رأت -في افتتاحية لها- أن المعارضة التركية تلاشت آمالها في إزاحة أردوغان رغم أن هناك جولة ثانية، ورأت أنه يتعين على أوروبا أيضا أن توطن نفسها على الانتصار المحتمل للرئيس المنتهية ولايته.
وأوضحت الصحيفة أن فوزا جديدا أصبح واردا للمرشح أردوغان من شأنه أن يجعل العلاقة بينه وبين الغرب أكثر تعقيدا، ورجحت أن تصبح قضية احترام حقوق الإنسان محورية مرة أخرى، ولكن مع نوع من الارتياح المنافق من قبل الغربيين. وخلصت إلى أن قدر تركيا هو أن تبقى إلى الأبد في غرفة انتظار أوروبا، مع أنها ينظر إليها على أنها حصن مناسب للغاية ضد الأخطار التي تخيف أوروبا كثيرا كعدم الاستقرار والمهاجرين.