موجة الحر الأخيرة أجبرت الحكومة الفرنسية على إغلاق بعض محطات الطاقة النووية (غيتي)

موجة الحر الأخيرة أجبرت الحكومة الفرنسية على إغلاق بعض محطات الطاقة النووية (غيتي)

باريس- بعد أن كانت دولة مصدرة للكهرباء، تحولت فرنسا إلى مستوردة، وخسرت موقعها كأول مصدر للكهرباء في أوروبا في النصف الأول من عام 2022، لتحل محلها السويد في الصدارة، وفق ما أظهره تقرير صادر عن محلل بيانات الطاقة “إناب سيس”.

وأشار التقرير -الصادر في العاشر من أغسطس/آب الجاري- إلى أن السبب الرئيسي يعود إلى الانخفاض القوي في الإنتاج الفرنسي، وليس نتيجة ارتفاع الإنتاج في السويد.

 

من جانبه، أشار مدير “إناب سيس” جان بول هارمان إلى أن فرنسا تعاني من مشاكل هيكلية مع منشآتها النووية، محذرا من أن الصعوبات التي تواجهها حاليا ستستمر وأن الوضع لا يظهر بوادر تحسن قريبا.

إضافة إلى موجة الحرارة التي أجبرت السلطات على إغلاق بعض محطات الطاقة النووية، بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الأنهار التي تبرد المفاعلات.

وحلت في المركز الثاني بعد السويد (التي صدرت 16 تيراواتا/ساعة)، ألمانيا التي ضاعفت إنتاجها مقارنة مع عام 2021؛ وذلك من أجل تلبية الطلب الفرنسي بشكل أساسي، وصدرت في النصف الأول من العام الجاري 15.4 تيراواتا/ساعة من الكهرباء لجيرانها، وفق التقرير ذاته.

كتيبة نووية

من ناحيته، قال جورج لوسينت الخبير الدولي في الطاقة والرئيس السابق للاتحاد الدولي لمنتجي وموزعي الكهرباء إن فرنسا قررت خلال أزمة النفط المعروفة عام 1973 الحصول على كتيبة نووية مكونة من 58 مفاعلا بهدف ضمان استقلالية البلاد في إمدادات الكهرباء.

وخلال العقود الماضية، غطت الدولة احتياجاتها من الكهرباء بنسبة تصل من 75 إلى 80% من الطاقة النووية، ونحو 10% من الهيدروليك، ومكنت هذه الكتيبة النووية شركة الكهرباء الوطنية من تحقيق فائض في الإنتاج وتصدير جزء كبير من إنتاجها بفضل الربط الأوروبي.

وتابع -في حديثه للجزيرة نت- “أعتقد أن انخفاض إنتاج الكهرباء في فرنسا يعود إلى قدم عمر المفاعلات النووية الفرنسية، حيث يبلغ عمر السلسلة الأولى من مفاعلات “بوجي-تريكاستين” نحو 40 عاما، إضافة إلى ذلك أغلق مفاعلا “فيزنهايم” 1 و2 عام 2021″.

واستغنت فرنسا من فترة طويلة عن أغلب محطاتها التي تعتمد في إنتاج الكهرباء على الوقود الإحفوري، وعوضتها بمحطات الطاقة النووية، وهناك حاليا محطة طاقة واحدة فقط تعمل بالفحم في كورديماي (غربي فرنسا)، وتنتج أكثر من 67% من الكهرباء عبر محطات نووية، في حين بلغت حصة الكهرباء المنتجة عبر الوقود الأحفوري عام 2020 نحو 7.5%، وتنقسم إلى 0.3% من خلال الفحم و6.9% بالغاز.

French EDF Workers Protest Government's Energy Bill Cap
فرنسا استغنت منذ فترة طويلة عن أغلب محطاتها التي تعتمد في إنتاج الكهرباء على الوقود الأحفوري (غيتي)

تأميم شركة الكهرباء

ولمجابهة هذه المشاكل الطبيعية والهيكلية، ومكافحة الضغوط المتزايدة للحرب الروسية الأوكرانية، وتزايد الطلب على الطاقة وارتفاع أسعار الكهرباء والغاز؛ أعلنت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن -في وقت سابق الشهر الماضي- خططا لإعادة التأميم الكامل لشركة الكهرباء الفرنسية “إي دي إف” (EDF).

وقالت بورن حينها أمام البرلمان “يجب أن نضمن سيادتنا في ضوء تداعيات الحرب في أوكرانيا، أؤكد اعتزام الحكومة امتلاك 100% من رأس مال “إي دي إف”.

واستحسن لوسينت هذه الخطوة وقرار إعادة التأميم، وعدّه جاء في وقته، ولاحظ أن الظروف الراهنة تفرض مثل هذه القرارات للتحكم في سوق الكهرباء والطاقة.

لكنه استدرك قائلا “نحن في فرنسا نمر بفترة حساسة سيتعين علينا خلالها الحد من استهلاكنا، خاصة مع أزمة الغاز التي سببتها الحرب في أوكرانيا، وزادت الصعوبات وتعقدت أكثر بالتأخير في بدء استغلال المفاعل النووي المضغوط الأوروبي فلامونفيل”.

وخلص إلى أنه حان الوقت للسلطة السياسية لاتخاذ قرارات واضحة في ما يتعلق بسياسة الطاقة.

تكيّف الاقتصاد

وبحسب الخبراء والمراقبين، فقد ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها ليس فقط على مستوى تراجع إنتاج الكهرباء في فرنسا، بل على ارتفاع أسعار الكهرباء والطاقة وتدهور القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي أيضا، وهو ما يطرح سؤالا بشأن تداعيات هذه الحرب على الاقتصاد الفرنسي وعلاقتها بالتراجع الكبير في إنتاج الكهرباء؟

ويلاحظ الرئيس السابق للاتحاد الدولي لمنتجي وموزعي الكهرباء في إجابته عن هذا السؤال أن الفرنسيين استفادوا لعدة عقود من سعر الكهرباء الأرخص في أوروبا بفضل “الريع النووي”، وسيتعين عليهم اليوم التعود على دفع الكهرباء والطاقة بسعرها الحقيقي، لأن الاستثمار وإنتاج الكهرباء نشاط رأسمالي.

ويوضح ذلك قائلا “الطاقة ستكون باهظة الثمن في المستقبل، ويجب أن تتكيف اقتصاداتنا مع هذا الواقع، والتدابير التي تتخذها الحكومة هي فقط وقتية ولن تتمكن من إخفاء الواقع المعقّد وقتا طويلا”.

General view of the EDF gas-fired power plant in Bouchain
الحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها على تراجع مستوى إنتاج الكهرباء في فرنسا (غيتي)

إستراتيجية نووية جديدة

وفي فبراير/شباط الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطة إستراتيجية لبناء 6 محطات نووية جديدة، من قبل شركة كهرباء فرنسا بحلول عام 2050.

وأوضح ماكرون أن أول مفاعل جديد سيبدأ العمل بحلول عام 2035، مضيفا أنه سيجري إطلاق دراسات لـ8 مفاعلات أخرى بخلاف المحطات الـ6 الأولية الجديدة.

وقدرت “إي دي إف” حينها تكلفة 6 مفاعلات جديدة بنحو 50 مليار يورو حسب شروط التمويل.

وفي السياق نفسه، أكدت رئيسة الحكومة الفرنسية أن الانتقال الأخضر سيتحقق بمساعدة الطاقة النووية، وحتى تصبح فرنسا أول دولة كبرى في العالم يمكنها الاستغناء الكامل عن الوقود الأحفوري ستوسع قدراتها في الطاقة النووية والمتجددة.

خطر الاحتباس الحراري

وأجبرت موجة الحر الأخيرة الحكومة الفرنسية على إغلاق بعض محطات الطاقة النووية بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الأنهار التي تبرد المفاعلات، وتواجه العديد من المنشآت مشاكل تآكل أدت إلى إغلاق 12 مصنعا من أصل 58 في فرنسا.

ووفقا للمكتب الفرنسي للبحوث الجيولوجية والمعادن، فإن متوسط انخفاض التدفق السنوي للأنهار في فرنسا قد يتراوح بين 10 و40% بحلول عام 2050، وهناك احتمال أكبر لإثارة القلق خلال فصل الصيف، فقد ينخفض مستوى الأنهار إلى 60%.

وبالنسبة لجورج لوسينت، فإن محطات الطاقة الحرارية والنووية تخضع لقوانين الفيزياء وتحتاج إلى الماء لتبريدها وضمان سلامتها، وفي رأيه فإن ارتفاع درجة حرارة الأنهار في الصيف سيؤدي إلى زيادة مشكلة استخدام المصادر الباردة، وسيؤدي إلى قيود على خفض الطاقة، لذلك من الضروري وضع المزيد من المفاعلات بجانب البحر.

ومن المؤكد أن المنشآت النووية المبردة بمياه البحر لا تتأثر بمشكلة انحسار المياه، ولكن ارتفاعها هو ما يشغل علماء المناخ اليوم.

المصدر : الجزيرة

About Post Author