أسير إسرائيلي مريض مقابل 600 فلسطيني يعانون.. هل شكوى تل أبيب في محلها؟
رام الله- عام 2002 اعتقل منصور موقدة من بلدة الزاوية شمال الضفة الغربية، خلال اشتباك مع قوات من جيش الاحتلال. في حينه أطلقت طائرة إسرائيلية النار عليه فأصابته بـ 3 رصاصات، واحدة في الظهر وثانية في البطن وثالثة في الحوض.
اعتقل موقدة (54 عاما) في وضع حرج للغاية ونقل مباشرة للمستشفى للعلاج، وبعد سلسلة من العمليات الجراحية استأصلت خلالها أجزاء من معدته وأمعائه وتم توصيل ما تبقى منها بأمعاء بلاستيكية، وتسببت له رصاصة بشلل نصفي، هذا بالإضافة إلى تلف أعصاب الحوض وفقدانه القدرة على التحكم في البول والبراز.
وقبل أن ينهي علاجه بالكامل، نُقل إلى عيادة سجن الرملة على كرسي متحرك، يجر وراءه أكياس البول والبراز، وقد ثبتت في المنطقة اليسرى من بطنه كرة بلاستيكية لازمته على مدار 20 عاما لم يغادر فيها هذه العيادة، وأصبح لقبه فيها “الشهيد الحي” لصعوبة حالته الصحية.
يقول شقيقه نمر للجزيرة نت “كل زيارة له أفكر بيني وبين نفسي أن استمرار منصور على قيد الحياة بهذا الوضع الصحي الصعب معجزة”.
ومثل موقدة، يقبع في عيادة سجن الرملة 18 أسيرا يحتاجون لرعاية طبية دائمة، بعضهم أصيب خلال اعتقاله، وآخرون أصيبوا بأورام خبيثة خلال وجودهم لفترات طويلة في السجن.
وكما يقول شقيق موقدة، فإن هؤلاء الأسرى يقومون على رعاية أنفسهم بأنفسهم، يساعدهم على ذلك الوجود الدائم للأسرى غير المقيمين في العيادة، كأن ينقل أسير للعيادة لإجراء عملية بسيطة، ويطلب بعض الأسرى من إدارة السجون نقلهم بشكل طوعي إلى هناك لرعاية هؤلاء الأسرى وخدمتهم.
ويطلق الأسرى على هذه العيادة اسم “مقبرة الأحياء” بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها الأسرى فيها والإهمال الطبي، كما يقول شقيق موقدة، الذي يضيف “تفاجأت من تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية وهو يتحدث عن مخالفة المقاومة للمواثيق الدولية باحتجازها إسرائيليا مريضا، عن أي مواثيق يتحدث من يحتجز الأسرى في عيادة الرملة بهذه الظروف الكارثية”.
معايير مزدوجة
والتصريح الذي أشار له موقدة بيان صدر عن رئيس حكومة الاحتلال ردا على إعلان المتحدث العسكري باسم “كتائب القسام” الذراع العسكرية لحركة حماس عن تدهور طرأ على حالة أحد الأسرى الإسرائيليين الأربعة المحتجزين لديها. ويقول البيان “إن حماس تثبت أنها منظمة إرهابية إجرامية، تحتجز مدنيين مصابين نفسيا خلافا لكل المواثيق والأعراف الدولية”.
اللافت أن حديث الاحتلال عن المواثيق والقوانين الدولية -التي تستوجب تقديم العلاج للأسرى من قبل الجانب الإسرائيلي- جاء بالتزامن مع ما نشرته هيئة شؤون الأسرى والمحررين، عن تدهور الحالة الصحية للأسير المصاب بالسرطان ناصر أبو حميد رغم خضوعه لـ 3 جلسات علاج كيماوي.
وبدأت رحلة المرض مع أبو حميد في أغسطس/آب 2021، عندما عانى من آلام في صدره، ورغم تشخيص وجود ورم في رئته فإن السلطات الإسرائيلية أخرت تقديم العلاج له، وبعد أشهر أجريت له عملية لإزالة الورم، وقبل أن يتم شفاؤه بالكامل أعادته إلى سجنه مما فاقم حالته الصحية وأدخله في غيبوبة.
ورغم محاولات عائلة أبو حميد، وهو من مخيم الأمعري القريب من رام الله، إدخال طبيب خاص أو الحصول على تقارير طبية، إلا أن سلطات الاحتلال رفضت ذلك، ولم تسمح لعائلته بزيارته إلا بعد دخوله في مرحلة ميؤوس منها.
وفي تقرير لنادي الأسير الفلسطيني، فإن 600 أسير مريض في سجون الاحتلال ممن تم تشخيصهم على مدار السنوات الماضية، بينهم نحو 200 يعانون من أمراض مزمنة، وسط تزايد في حالات الإصابة بالأورام بعد تسجيل 6 حالات في الفترة الواقعة ما بين أغسطس/آب 2021 ويونيو/حزيران 2022 ليرتفع العدد إلى 25، وهو أعلى رقم يسجل في تاريخ السجون.
وبحسب التقرير فإن غالبية هؤلاء الأسرى واجهوا ظروف اعتقال مشابهة، من حيث تعرضهم لعمليات تحقيق قاسية، وإصابات برصاص الاحتلال قبل الاعتقال أو أثناءه، واحتجاز في العزل الانفرادي لسنوات، أو احتجازهم فترات طويلة في سجون بمنطقة الصحراء (النقب، عسقلان، نفحة، إيشل) ومعظمهم من الأسرى القدامى الذين تجاوزت فترة اعتقالهم 20 عامًا وأكثر.
وقد تسببت سياسة الإهمال الطبي في قتل 72 أسيرًا من شهداء الحركة الأسيرة، وكان آخرهم الأسير سامي العمور الذي استشهد عام 2021 بعد مماطلة في نقله إلى المستشفى بعد تدهور وضعه الصحي وانتظاره لأكثر من 14 ساعة قبل الوصول إلى المستشفى.
وتنص اتفاقية جنيف الرابعة في 4 مواد (76-85-91-92) على حق الأسرى في تلقي الرعاية الطبية الدورية، وتقديم العلاج اللازم لهم من الأمراض التي يعانون منها. وتنص أيضا على وجوب توفير عيادات صحية وأطباء متخصصين لمعاينة الأسرى.
سياسة ممنهجة عمرها عقود
ولكن في حالة السجون الإسرائيلية فإن الوضع مختلف تماما، كما يقول رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس للجزيرة نت.
ويشير إلى أنه يوجد في كل سجن إسرائيلي مركز صحي “أقل من عيادة” يوجد فيها طبيب عام بشكل دائم، ولكن هذا الطبيب عادة يتم استقدامه من الجيش، وغالبيتهم لا يملكون تراخيص مزاولة مهنة معترفا بها من قبل نقابة الأطباء الإسرائيلية. وفي كل عيادة يداوم طبيب أسنان في يوم واحد أسبوعيا ويكون عليه التعامل مع كل الحالات المرضية للأسرى.
ويقوم طبيب عيادة السجن بالفحوصات البسيطة وإعطاء الأدوية المسكنة فقط، وفي حال اضطر الأسير لعلاج إضافي ينقل في مسيرة نقل شاقة إلى عيادة سجن الرملة وكثير من المرات يتم تبليغ الأسير بالتأجيل، حتى أن عملية الفحص والتحقق من المرض في بعض الحالات تستمر لسنوات.
وفيما يتعلق بعيادة أو مستشفى سجن الرملة، فهو قسم في سجن إسرائيلي، يعامل الأسرى طوال فترة وجودهم فيها معاملة الأسرى في السجون العادية من حيث العدد والتفتيش والتقييد خلال إجراء العمليات فيها. ولا تزيد مساحة العيادة على 3 أمتار، ولا يسمح للأسرى المرضى الخروج لها إلا ساعتين في اليوم.
وبحسب فارس فإن سياسة الإهمال الطبي ضد الأسرى عمرها عقود، يكون نتيجتها وفاة المرضى، الذين يمعن الاحتلال في التنكيل بهم برفضه تسليم جثامينهم لذويهم، حيث لا يزال جثامين 9 أسرى استشهدوا في السجون في ثلاجات الاحتلال.
ومن خلال متابعته، يقول فارس إن التلكؤ في إجراء الفحوصات اللازمة، ومعالجة أمراض الأسرى عن طريق التوقعات، رفع أعداد الأسرى الذين يعانون من أمراض مميتة إلى 120 أسيرا، معظمهم يعانون من أمراض السرطان والقلب والفشل الكلوي، وتابع “كل حالات السرطان يتم تشخيصها بعد انتشار المرض بشكل كامل في جسم الأسير، مما يُصعِب علاجها”.