ألتراس الزمالك المصري يجمد نشاطه.. هل يمهد ذلك لعودة الجماهير والإفراج عن المعتقلين؟
القاهرة – متى تعود جماهير كرة القدم إلى الملاعب؟ سؤال يشغل ملايين المصريين المحبين للعبة الشعبية الأولى في البلاد، والذي ربما تملك الأجهزة الأمنية وحدها القدرة على الإجابة عنه، بسبب ما تقول إنها أسباب أمنية تحول دون عودة الجماهير، وسط اعتراضات وجدل بشأن استقرار الأوضاع الأمنية بالفعل منذ سنوات.
في هذا السياق، وفي تطور مفاجئ لنشاط روابط مشجعي كرة القدم في مصر، أعلنت رابطة مشجعي نادي الزمالك “ألتراس وايت نايتس” تجميد نشاطها إلى أجل غير مسمى؛ بسبب ما قالت إنها ضغوط أمنية، وعدم رغبتها في التنازل عن مبادئها أو التنكر للضحايا من الجماهير، مقابل السماح بعودتها للمدرجات للتشجيع.
وتتسم علاقة السلطات المصرية المتعاقبة -منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011- بروابط الأندية والتي ظهرت لأول مرة في مصر عام 2007 (ألتراس ناديي الأهلي والزمالك تحديدا) بالتوتر والصدام الدائم.
وأثار إعلان “وايت نايتس”- والذي جاء في وقت لا تمارس فيه روابط الألتراس أي نشاط فعلي بالمدرجات- تساؤلات حول أسباب عدم عودة الجماهير للملاعب بصورة طبيعية؛ رغم استقرار الوضع الأمني الذي قيل إنه كان السبب في منع حضور الألتراس المباريات منذ 10 سنوات، أم أن القرار يعود إلى الأزمات المستمرة بين قيادات الرابطة مع رئيس النادي مرتضى منصور، واستمرار حبس مؤسسيها بتهم سياسية؟
إرث العداوة
لعبت روابط الألتراس دورا بارزا في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وشاركت في الحشد ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، والدفاع عن المعتصمين بميدان التحرير، وسط القاهرة.
وبعد الإطاحة بمبارك، ظهر نشاط الألتراس على فترات متقطعة، سواء في الفترة الانتقالية التي أدارها المجلس العسكري (من فبراير/شباط 2011 إلى يونيو/حزيران 2012) أو حكم الرئيس الراحل محمد مرسي (2012-2013)، مرورا بنشاطهم في تخليد ذكرى الشهداء في السنوات اللاحقة، وهو ما وضع قياداتها وأعضاءها تحت الملاحقة الأمنية بتهم بينها “الشغب والإرهاب”.
وبلغت العداوة بين روابط الأندية والسلطات ذروتها، بعد الأحداث المعروفة بـ”شغب ملعب بورسعيد” بمدينة بورسعيد الساحلية (شمال شرق)، في فبراير/شباط 2012، ما أدى إلى قرار أمني بمنع الجماهير من حضور المباريات باستثناء مباريات المنتخب الوطني أو المشاركات الأفريقية للأندية.
ففي مباراة جمعت فريقي الأهلي والمصري البورسعيدي، وقعت أعمال عنف أسفرت عن مقتل 74 شخصا، وجرح نحو ألف آخرين فيما يوصف بـ “أكبر كارثة في تاريخ الرياضة المصرية”.
وفي الثامن من فبراير/شباط 2015، سقط نحو 20 قتيلا من مشجعي الزمالك، أغلبهم من الألتراس في مواجهات اندلعت عندما منعت قوات الأمن أنصارا للفريق من دخول ملعب الدفاع الجوي (شرقي القاهرة)، لمتابعة مباراة النادي مع منافسه فريق إنبي.
وبينما نفت الشرطة استخدام الرصاص أو الخرطوش ضد حشود المشجعين، وصف الألتراس ما حدث بـ”المجزرة”، واتهم بعضهم رئيس النادي مرتضى منصور بتدبيرها بسبب قربه من السلطة.
ولم ينته التوتر القائم بين النظام والألتراس، حتى صدر قرار قضائي منتصف 2015 بحظر تلك الروابط واعتبارها “كيانات إرهابية”.
وفي مايو/أيار 2018، أعلن أولتراس أهلاوي (أشهر روابط الأندية بمصر) حل الرابطة رسميا وحرق الشعار الخاص بها، وهو تقليد مُلزم لروابط الألتراس حول العالم حين تعلن حل نفسها؛ وذلك لدواعٍ بينها “الحفاظ على مستقبل أعضائه”.
صفقة مرفوضة
وفي بيان مفاجئ، أعلن أولتراس وايت نايتس، تجميد نشاطه لأجل غير مسمى، ورفض ما سماه “صفقة للعودة للمدرجات” من قبل مجموعة منشقة وفق شروط محددة، وهو ما اعتبره “خيانة للشهداء” ومهادنة لرئيس النادي (مرتضى منصور) والذي وصفه البيان بـ”القاتل”.
وشدد البيان على أن الرابطة لا ترتبط بحركة سياسية، وأن مهمتها الوحيدة دعم النادي في كل مكان، منددا بتشويه قائد الرابطة “سيد مشاغب” المحبوس حاليا، مشيرا إلى أن الأخير يواجه “اتهامات باطلة وافتراءات تمت صياغتها بالمكاتب الأمنية”.
يذكر أنه في سبتمبر/أيلول 2017، أصدرت محكمة جنايات القاهرة، حكمها على المتهمين في قضية أحداث الدفاع الجوي، بأحكام مختلفة بين المؤبد والسجن 10 سنوات، وكان نصيب مشاغب حكم بالسجن 7 سنوات.
ووجهت الرابطة رسالة إلى من سمتهم رفقاء الرحلة داخل المدرجات من جمهور الأهلي (المنافس التقليدي للزمالك) وكافة جماهير ومجموعات الأندية الشعبية، ومجموعات الألتراس في الشمال الأفريقي، أكدت فيها أنها ستظل بعيدة عن يد السلطة.
وتعقيبا على البيان، كشف عضو برابطة “وايتس نايتس”، عن وجود انشقاق داخل الرابطة بين مجموعتين، الأولى جمدت النشاط حسب البيان المعلن، والأخرى أقل عددا ونسقت مع إدارة الزمالك في حضور المباريات، ولم يعد لديها مشكلة مع الأمن.
وفي حديثه للجزيرة نت، توقع المصدر -مفضلا عدم ذكر اسمه- أن تشهد مدرجات جماهير الزمالك الفترة المقبلة، نشاطا ملحوظا لمجموعة وايت نايتس المنشقة، رغم إعلان التجميد، مستبعدا أن تهاجم الإدارة والأمن، أو أن تحيي ذكرى الشهداء في المباريات، كما هو متبع في السنوات الأخيرة، وفق قوله.
الكرة للجماهير
في هذا السياق، يرى الناقد الرياضي عبد الناصر سليمان، قرار تجميد أولتراس وايت نايتس أمرا منطقيا؛ بعد تصنيف الدولة روابط الألتراس جماعات إرهابية، إضافة إلى الضوابط الموضوعة للعودة إلى المدرجات من جديد؛ وأهمها منع أي توجهات سياسية داخل المدرج.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال سليمان إن الدولة مع عودة الجماهير مجددا بشكل طبيعي، باعتبار لعبة كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، والجمهور العامل الأساسي في أية مباراة، ويعد اللاعب رقم 12 فيها، مشيرا إلى ضرورة الالتزام بالضوابط الأمنية، حتى لو وصل الأمر إلى عدم تواجد الروابط الجماهيرية، لو كان ذلك في صالح النظام العام، على حد قوله.
واتهم الناقد الرياضي، روابط الألتراس بأنها تتحدى النظام، وتسعى إلى العودة من جديد إلى التوجهات السياسية المختلفة والمعارضة والسلوكيات السلبية، مشددا على أنه ليس ضد فكرة انتقاد الجماهير للاعبين أو الإداريين أو المدربين، لكن يبقى ذلك مرهونا بألا يصل الأمر إلى انتقاد الدولة نفسها والدخول في غمار السياسة من جديد.
أما عن أسباب عدم عودة الجماهير بصورتها الطبيعية رغم الاستقرار الأمني الحالي، فأوضح سليمان أن هناك توجها رسميا بتوفير الأمن بالمدرجات للوصول إلى الصورة الحضارية المثالية، التي شاهدها العالم خلال تنظيم مصر بطولتي أمم أفريقيا للكبار وتحت 23 سنة عام 2019.
وأشار إلى أن العودة التدريجية للمدرجات من جديد في المباريات المحلية مؤخرا، جاءت وفق الضوابط الأمنية الموضوعة والمتبعة في نظام “تذكرتي”، والتي توفر للجمهور حضور المباريات في سلام ودون تعد على النظام.
وأضاف أن هناك توجها رسميا لزيادة أعداد الجماهير تدريجيا بعد البدء بـ2500 مشجع، إلى أن يستوعب الجمهور الضوابط الأمنية التي تسمح له بالحضور بشكل مثالي.
وتسعى رابطة الأندية المصرية والاتحاد المصري لكرة القدم بالتنسيق مع الأمن، إلى زيادة أعداد الجماهير في مباريات البطولات الأفريقية (تصفيات أمم أفريقيا ودوري الأبطال والكونفيدرالية) التي تستضيفها مصر، إضافة إلى مباريات بطولة الدوري المحلي الممتاز المقرر انطلاقه بعد أيام، وفق تقارير إعلامية.
انفراجة للمحبوسين
وبسؤاله حول تداعيات قرار تجميد الرابطة على قضايا قياداتها وأعضائها المحبوسين حاليا على ذمة قضايا شغب وعنف، قال المحامي والحقوقي أحمد ماضي، إن النيابة العامة أفرجت مؤخرا عن عدد كبير من أعضاء روابط الألتراس، متمنيا حدوث انفراجة تشمل جميع الباقين بما فيهم قيادي الرابطة سيد مشاغب.
وفي حديثه للجزيرة نت، يأمل ماضي أن يمهد قرار التجميد إلى انفراجة واسعة، خاصة أن الرابطة لا تمارس منذ فترة طويلة أي نشاط فعلي خاص بروابط الألتراس؛ لأسباب قد يكون بينها الخوف من الملاحقة والمضايقات الأمنية، أو لوجود قيادات وأعضاء في السجون.
وبسؤاله عن أسباب عدم فتح الملاعب للجماهير بشكل كامل في ظل السيطرة الكاملة على الملاعب، اعتبرها أمرا يثير علامات التعجب، بالنظر إلى الاستقرار الأمني، ووضع نظام إلكتروني خاص لحجز التذاكر في حضور المباريات، وتفتيش الجماهير وحظر دخول الأشياء الممنوعة، إضافة إلى رصد كافة التحركات.
غياب سلبي
في المقابل، يقول مشجعون إن غياب روابط الألتراس، أفقد المباريات متعتها في ظل أدائهم التشجيعي القوي والمنظم بالمدرجات، ما أثر بالسلب على أداء الأندية والمنتخبات المصرية في البطولات القارية والدولية.
ويستشهد كريم السيد -أحد مشجعي النادي الأهلي- بالأثر السلبي لغياب الألتراس على حظوظ مصر في بلوغ نهائيات كأس العالم في قطر 2022، حيث ذهبت بطاقة الصعود إلى المنتخب السنغالي، بعد استبدال الألتراس بمشجعين بلا حماس أو أداء قوي في مباراة الذهاب بالقاهرة.
وفي حديثه للجزيرة نت، لفت السيد إلى تأثر أداء لاعبي فريق الأهلي المصري سلبا بسبب الحشد الجماهيري القوي لأولتراس الوداد المغربي، في نهائي بطولة دوري أبطال أفريقيا في المغرب، وخسارتهم اللقب القاري قبل أشهر، وعزا ذلك إلى عدم اعتياد اللاعبين اللعب تحت ضغوط جماهيرية قوية.