إيجاد طرق لمسامحة نفسك يمكن أن يساعد في تخفيف الكثير من المشاعر السلبية المرتبطة بالندم (بيكسلز)

إيجاد طرق لمسامحة نفسك يمكن أن يساعد في تخفيف الكثير من المشاعر السلبية المرتبطة بالندم (بيكسلز)

الحياة مليئة بالخيارات، والكثير من الناس يتخذ قرارات خاطئة في ظروف معينة يندم عليها لاحقا، كونها أدت إلى نتائج كارثية على أرض الواقع.

فغالبية البشر جرّبوا شعور الندم في لحظة ما من حياتهم. وهناك نوع آخر من الندم أشد قسوة، إذ يتعلق بالقرارات والخيارات التي لم نتخذها في حياتنا، والفرص التي أضعناها، ولن تعود لأننا خفنا وترددنا في اتخاذ القرار المناسب في اللحظة الحاسمة.

 

فكيف يتخذ الإنسان خياراته ولماذا يحدث الندم؟ وكيف تتعامل معه وتستفيد منه؟ والأهم، هل ستتخذ خيارات أخرى لو عاد بك الزمن، أم أنك ستعاود اتخاذ القرارات ذاتها إذا ما وُضعت في الظروف عينها؟

يرى الباحث وعالم النفس توماس جيلوفيتش أننا نشعر بالألم بسبب الأشياء التي لم نقم بها أكثر من أسفنا وندمنا على الأشياء التي قمنا بها بالفعل، ودائما يطاردنا سؤال: ماذا لو اتخذت ذاك الطريق بدلا من الطريق الذي سلكته؟ مثلا، هل كان الأهم أن أقوم برحلة حول العالم بدلا من الارتباط والزواج بالفتاة التي أحببتها؟

يقول جيلوفتيش، في تقرير نشرته صحيفة “ذا غارديان” (The Guardian) البريطانية أخيرا، إن “الحياة مليئة بالمسارات التي لم يتم اتباعها، لذلك ليس من المستغرب أن يشعر الناس أحيانا بالندم على القرارات التي اتخذوها أو تلك التي لم يتخذوها”. فهل ستتخذ قرارات مختلفة لو عاد بك الزمن إلى الوراء؟

الغرق في الأسف على مافات يضر بقدرتنا على اتخاذ قرارات حكيمة (بيكسلز)

إذا كنت تؤمن بالإرادة الحرة للإنسان في اتخاذ مساراته في الحياة، فقد تشعر بالتأكيد أن القرارات الأخرى كانت متاحة لك.

في العالم الواقعي، فإن هذه الافتراضات ليست لها جدوى، مثلا: لو تزوجت أو سافرت، لو استقلت من عملك أو لم تستقل، لو اشتريت هذه السيارة أو تلك، هذه كلها خيارات اتُخذت في لحظة معينة ضمن مجموعة من العوامل والأشياء التي تعمل بعيدا عن الوعي المباشر للإنسان، وهي عوامل أثرت في قرارك وقتها.

ويدخل في ذلك أسئلة بسيطة، مثل: ماذا تناولت على الإفطار؟ أو هل نمت بشكل جيد في الليلة السابقة على اتخاذ القرار؟ وجدت دراسة علمية عام 2011 أن الأحكام القضائية تكون أكثر تساهلا بعد استراحة غداء القضاة، وفق صحيفة “ذا غارديان“.

 

وبالتالي، “لو عاد بك الزمن إلى الوراء” هو أمرٌ افتراضي متغيّر، إذ لو عاد حقا ربما ما كنت أصلا في الموقف ذاته الذي اتخذت به ذاك القرار. مثلا، ربما كنت متزوجا من امرأة أخرى، أو كنت تعيش في بلد آخر، ولم تلتقِ بتلك الفتاة أصلا.

كيف تتعامل مع الندم؟

صحيفة “نيويورك تايمز” (New york Times) ومنصة “فري ويل مايند” (Very Well Mind) ذكرتا عددا من الخطوات للتعامل مع الندم وتحويله إلى طاقة إيجابية تدفعنا إلى الحياة، نذكر منها:

  • واجه ندمك ولا تهرب منه

يهرب الكثير من الناس من مواجهة أنفسهم لإبعاد الألم. وأظهرت البحوث أنه من المستحيل الهروب من العواطف من دون عواقب، بل إن تفادي المشاعر المزعجة يجعلها في الواقع أكثر حضورا. لذا، لا تهرب من مشاعرك وواجه نفسك، واعترف بخطئك، واقبل ما تشعر به الآن، لكن لا تغرق في مشاعر الأسى، وضع في اعتبارك البديل، فما حدث صار، والحياة لن تتوقف عند موقف أو قرار أو شخص، مهما كان.

وجدت دراسة عام 2014 أن الغرق في الأسف يضر بقدرتنا على اتخاذ قرارات حكيمة، والتركيز على تلك المشاعر السلبية “تقوّض الأداء” في المهمات البسيطة. ومع ذلك، وجد الباحثون أيضا أنه عندما يجد الناس جانبا إيجابيا في ندمهم، فإنهم قادرون على التفكير بشكل أكثر وضوحا، ويستفيدون من أخطائهم لعدم تكرارها في المستقبل.

  • سامح نفسك

لأن الندم يتضمن الشعور بالذنب واتهام الذات، فإن إيجاد طرق لمسامحة نفسك يمكن أن يساعد في تخفيف الكثير من المشاعر السلبية المرتبطة بالندم. ومسامحة نفسك تتضمن اتخاذ قرار متعمّد للتخلص من الغضب أو الاستياء أو خيبة الأمل التي تشعر بها تجاه نفسك.

يمكنك القيام بذلك عن طريق تحمل مسؤولية ما حدث، والتعبير عن الندم على أخطائك، واتخاذ الإجراءات اللازمة للتعويض. قد لا تكون قادرا على تغيير الماضي، لكن اتخاذ خطوات أفضل في المستقبل يمكن أن يساعدك على مسامحة نفسك والمضي قدما، بدلا من النظر إلى الوراء.

  • اعتذر عن أخطائك

بالإضافة إلى مسامحة نفسك، فإن من المفيد الاعتذار للأشخاص الآخرين الذين قد تأثروا أيضا بقراراتك. ويمكن أن يكون هذا مهما بشكل خاص إذا كان ندمك يتركز على الخلافات في العلاقات أو المشكلات الأخرى التي تسبّبت بضيق نفسي وألم للآخرين.

يمكن للاعتذار الصادق أن يُعلم الشخص الآخر أنك تشعر بالندم على ما حدث، وأنك تتعاطف مع مشاعره.

تعامل مع أخطائك وندمك كفرصة جديدة للتعلم (بيكسلز)
  • اجعل من ندمك فرصة للتعلم

تعامل مع أخطائك وندمك كفرصة جديدة للتعلم، بحيث تساعدك على تغيير طريقة تفكيرك. سيساعدك هذا النهج على رؤية المواقف بطريقة أكثر إيجابية، والتغلب على بعض التشوّهات المعرفية التي غالبا ما تلعب دورا في التفكير السلبي.

والأمر لا يتعلق بإنكار “الندم” بقدر ما يتعلق بإعادة صياغته، أو تحسينه، ورؤيته كفرصة تعلم تساعد في بناء المرونة والحكمة. إنه اعتراف بأن أخطاء الماضي شكلت شخصيتك اليوم، وستساعدك على اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل.

وأخيرا، الندم هو عاطفة سلبية عليك تقبلها كجزء من حياتك، يقول الفيلسوف السويسري هنري فريديريك أميل: “عليك أن تقبل الندم كجزء من الحياة”. فتعلم قبول مشاعرك، ومسامحة نفسك على الأخطاء، واتخاذ خطوات للتعلم من تجاربك، يمكن أن يساعد في تقليل الكثير من المشاعر السلبية المرتبطة بالندم، ويصبح دافعا للنمو والتقدم والتركيز على الحاضر والمستقبل، بدلا من اجترار الماضي والضياع في تلافيفه وثناياه.

المصدر : مواقع إلكترونية

About Post Author