في حديقة البرلمان العراقي، يعدّ متظاهرون الشاي على موقد بدائي ويوزع آخرون البطيخ، بينما جاءت أم مهدي مع أطفالها الأربعة عازمة على البقاء في المكان حتى يطلب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من المعتصمين العودة إلى بيوتهم.
وملأ آلاف من المتظاهرين -السبت مرة أخرى- البرلمان، هدفهم -كما يقولون- البقاء “طاعةً” للصدر.
ويشنّ الصدر حملة ضغط على خصومه السياسيين، رافضا مرشحهم لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني.
يقول مناصرو التيار الصدري إن هدفهم من الاعتصام في البرلمان والمظاهرات هو الوصول للعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد والنقص في الخدمات العامة، في بلد يعاني تردّيا في بنيته التحتية، رغم أنه غني بالنفط.
تقول أم مهدي، وقد ارتدت عباءة تقليدية وحملت على يدها طفلتها الرضيعة وإلى جانبها ابنها ذو السنوات التسع: “عندما يقرر مقتدى الصدر، نذهب”. وتضيف المرأة التي جاءت مع قريباتها الثلاث أيضا: “طاعة السيد أهمّ أمر بالنسبة لنا في الحياة”.
عند مداخل البرلمان، نصب متظاهرون خيمة، بينما تبعثرت حولهم صناديق من المياه. تجوّل المتظاهرون بحرية في المكان، وحولهم رجال الأمن الذين كانوا يتعاملون مع الأمر بشكل طبيعي.
ومع بدء ساعات الليل أمس السبت، وصل نحو 10 شاحنات صغيرة محملة بالمياه التي وضعت داخل مبردّات، وبالبطيخ الذي سرعان ما قُطِّع ووزع على المتظاهرين، بينما وزّع آخرون الأرزّ المطبوخ مع اللحم.
وعند أحد الأرصفة على مقربة من الحديقة، تجمّع بعض المتظاهرين حول موقد بدائي وضعوا عليه إبريقا نحاسيا من الشاي، ووقف شاب طويل القامة على الرصيف يبيع السجائر للمتظاهرين.
يرفض المتظاهرون المرشحَ لمنصب رئيس الوزراء من خصوم الصدر السياسيين في الإطار التنسيقي الذي يضمّ كتلا شيعية، أبرزها ائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة “الفتح” الممثلة لفصائل الحشد الشعبي.
في الطابق الأرضي من مبنى البرلمان، ردّد معتصمون شعارات دينية تزامنا مع بدء شهر محرّم الذي يُحتفى فيه بذكرى استشهاد الحسين بن علي.
تقول زينب حسين من داخل البرلمان وقد ارتدت عباءة سوداء تقليدية ووضعت على كتفيها كفنا أبيض، “تركت بيتي وعائلتي” للمشاركة في الاعتصام.
تردّد المرأة الأسباب التي تجعلها مستاءة ويشاركها فيها ملايين العراقيين، ومنها -كما تقول- نقص الماء والكهرباء والمدارس والمستشفيات، وتضيف متسائلة “لماذا لا يوجد كهرباء في العراق؟ خيرات النفط أين تذهب؟”.
داخل البرلمان، جلس بعض المتظاهرين على الأرائك الفارهة، فيما اختار آخرون الجلوس على طاولات خشبية أو افتراش السجاد الأزرق والأحمر الذي غطّى الأرض، ومنهم من كان يقضي الوقت بتصفّح هاتفه، ومنهم من غفا قليلا.
وفي الشوارع المحيطة بالبرلمان داخل المنطقة الخضراء الشديدة التحصين، جلس متظاهرون على العشب، أو قام بعضهم بالسير لتمضية الوقت.
ويرى المتظاهرون مقتدى الصدر رمزا معارضا وشخصية مكافحة للفساد، منددين بأحزابٍ أخرى تولت السلطة منذ عام 2003، علما بأن العديد من الموالين له يتولون مراكز مهمة في الوزارات.
يقول سيد حيدر (35 عاما) القادم من حيّ الصدر الشعبي في العاصمة إن “الفساد يعمّ جميع دوائر الدولة”، ويضيف “أي إنسان فقير بسيط لا يستطيع أن يصل إلى الدولة أو إلى الوزارة ما لم يكن مرتبطا بحزب سياسي”.
وأكد على “الطاعة” لمقتدى الصدر، وشدّد على أنه يشارك في الاعتصام بانتظار “التعليمات”، ورأى أن الصدر هو “الشخص الوحيد الذي يدافع عن الفقير اليوم في العراق”.