أوكرانيا تبدأ عملية تحرير لوغانسك وعينها على “مدن المثلث”
كييف- “عملية تحرير منطقة لوغانسك من الروس انطلقت رسميا، والأعلام الأوكرانية بدأت العودة على أسطح المباني الحكومية في التجمعات السكنية هناك”.
عمليا، وبهذه الكلمات؛ يعلن رئيس الإدارة العسكرية في منطقة لوغانسك بإقليم دونباس سيرغي هايداي دخول حرب بلاده مع روسيا منعطفا جديدا، بتوجه عمليات أوكرانيا “المضادة” صوب منطقة تميزت عن غيرها بسيطرة للروس، شملت نحو 99% من مساحة أراضيها.
والأربعاء الماضي، أعلنت الإدارة فعلا دخول القوات الأوكرانية 4 تجمعات سكنية في جنوب غرب منطقة لوغانسك، لكن الأنظار تتجه إلى 3 مدن رئيسية فيها، تعرف باسم “مدن المثلث”، لما تحتله من أهمية إستراتيجية لكلا الجانبين، إضافة إلى مدن وبلدات مجاورة أخرى مهمة أيضا.
فما “مدن المثلث”؟ وما أهميتها؟ وما الذي تعنيه عودتها إلى السيطرة الأوكرانية؟
الحديث يدور حول مدن ليسيتشانسك وسيفيرودونيتسك وروبيجني في غرب منطقة لوغانسك، قريبا من الحدود الإدارية لمنطقتي خاركيف ودونيتسك.
كانت هذه المدن آخر معاقل الوجود الأوكراني في المنطقة قبل أشهر، وسقوطها بيد الروس مكنهم من السيطرة على كامل الحدود الإدارية لمنطقة لوغانسك تقريبا.
ذلك لأنها تقع على الطريق الدولي “بي-66″، الذي يصلها ببعضها البعض، ويؤدي إلى مدن رئيسية أخرى في الإقليم، وعلى رأسها مدينة لوغانسك جنوبا عاصمة المنطقة وما يسمى “جمهورية لوغانسك الشعبية”، وكذلك بلدة “كريمينّا”، التي تعد أبرز مواقع تمركز القوات الروسية.
والطريق ذاته يستخدم من قبل الروس لإرسال تعزيزاتهم إلى كثير من الجبهات في منطقتي لوغانسك ودونيتسك معا، لا سيما أنه أقصر وأسرع الطرق لهذا الغرض.
الإمكانات والرمزية
تتمتع كل من مدينتي سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك بثروات وإمكانات صناعية ضخمة، لا سيما في مجال الكيماويات، وتتشاركان الإطلالة على نهر “سيفيرسكي دونيتس”؛ أبرز أنهر إقليم دونباس.
ولسيفيرودونيتسك دون غيرها رمزية كبيرة؛ فقد كانت أول مدينة تشهد حراكا انفصاليا مواليا لروسيا في الإقليم عام 2014، قبل أن تتحول إلى مركز رئيسي لقيادة القوات الأوكرانية ضد انفصاليي لوغانسك؛ لهذا فإن للسيطرة عليها تأثيرا نفسيا كبيرا بالنسبة لكلا الجانبين.
هجوم وشيك
والناظر إلى الخريطة التفاعلية التي تحدثها القوات الأوكرانية بالتعاون مع “الشركاء البريطانيين” يدرك جيدا أن “مدن المثلث” من أقرب وأهم الأهداف اللاحقة للقوات الأوكرانية في عمليات تقدمها.
تبعد هذه المدن مسافات تتراوح بين 13 و20 كيلومترا عن قرية بيلاهوريفكا؛ آخر تجمع سكني دخلته القوات الأوكرانية في المنطقة، أي أنها باتت -بسهولة- تحت مرمى نيران الأوكرانيين.
ولكن ما الأسباب التي مكنت الأوكرانيين من تحقيق هذا التقدم؟ وما الأهداف اللاحقة لهم؟
في حديث مع الجزيرة نت، يقول إيفان ستوباك الخبير العسكري في “المعهد الأوكراني للمستقبل”، والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني؛ إن “تفوق الروس كان بفضل الغطاء الناري، من خلال القصف الكثيف الذي يسبق تقدم قواتهم، أو يسحق المدن والأراضي التي تستعصي عليهم. هذا أسلوب روسي معروف، فهم لا يوفرون الذخائر لهذا الغرض”.
ويضيف “عمليا، سبقت عمليات تقدم قواتنا 4 أسابيع كاملة من قصف المواقع الروسية الحساسة بالأسلحة الغربية عالية الدقة، على قواعد قيادة وتحكم، ومستودعات ذخيرة ومخازن وقود، وثكنات ونقاط تمركز؛ وبالتالي خسر الروس هذا التفوق وكثيرا من طرق الإمداد، فأصبح مسار الحرب أكثر عدلا لصالح الأوكرانيين أصحاب الأرض، مقابل هروب المحتلين”، على حد قوله.
الجنوب أولا
ويرى الخبير أن أوكرانيا معنية باستعادة السيطرة على “مدن المثلث” والمواقع الإستراتيجية شرقا، لأن هذا سيمكنها من التقدم والضرب بصورة أعمق، لكنها تهتم أكثر بتحقيق نجاحات على جبهات الجنوب، مضيفا أن اشتداد المعارك في دونباس يعني خسارة كثير من المواطنين الذين جندتهم روسيا في لوغانسك ودونيتسك، ونسبتهم قاربت 100% فعلا هناك.
وأوضح أن معظم المشاكل (القصف والإمداد للقوات الروسية) تأتي من جهة البحر الأسود وشبه جزيرة القرم؛ لذلك فهو يرى أن التوغل جنوبا والاقتراب من القرم سيحد بشكل كبير من ضغط الروس، وسيشكل تهديدا كبيرا لواحدة من أبرز قواعدهم (سيفاستوبول).
ويبدو أن الروس يدركون جيدا هذه الأولوية، فرغم تقدم الأوكرانيين شرقا، أرسلت موسكو مؤخرا نحو 2000 جندي من “المعبئين حديثا” إلى القرم، وصوبه تتجه أغلب الآليات العسكرية الثقيلة، وفق القيادة العسكرية في “الجنوب”.
بين أمل وخشية
وعلى خلفية تقدم الأوكرانيين واستعادة الأراضي، يترقب الأوكرانيون -بأمل وخشية- ما ستؤول إليه الأمور خلال الأيام القادمة.
فيكتوريا سيدة أوكرانية كانت تتجول أمام حطام آليات روسية معروضة في ساحة “ميخايلوفسكا” (وسط كييف) قالت للجزيرة نت “عندما حرروا مدينة بالاكليا التي خرجنا منها في منطقة خاركيف، شعرنا بسعادة كبيرة، ونأمل أن يستمر هذا التقدم. نثق في القوات المسلحة، وفي أن أوكرانيا ستصبح حرة مستقلة”.
وقال الشاب يوري “أتوقع من الروس أي شيء كرد فعل. إرهابهم مستمر منذ سنوات طويلة، قد يقتلون ألفا أو 10 آلاف شخص، لكنهم لن يقتلوا الناس جميعا، ولن يحققوا شيئا في النهاية”.
وبالفعل، كثفت روسيا مؤخرا عمليات قصفِها على أبنية سكنية وبنى تحتية عسكرية ومدنية، وعلى منشآت حيوية في مناطق عدة، مما أدى إلى انقطاع إمدادات الكهرباء والمياه عن آلاف السكان.