إندبندنت: لماذا يريد مئات الأفارقة القتال ضمن الفيلق الأجنبي للدفاع عن أوكرانيا؟
منذ تشكيل الفيلق الأجنبي للقتال في أوكرانيا بأمر من الرئيس فولوديمير زيلينسكي بعد 3 أيام من انطلاق الغزو الروسي للبلد، أعرب مئات الأفارقة من شتى أنحاء القارة السمراء عن رغبتهم في الانضمام إليه للقتال ضد القوات الروسية.
وللوقوف على الدوافع التي تحمل أبناء القارة السمراء على ركوب الخطر من خلال التطوع للمشاركة في حرب ضروس تدور رحاها بعيدا عن قارتهم، نشرت صحيفة “إندبندنت” (the Independent) البريطانية تحقيقا صحفيا تضمن مقابلات مع عدد من الأفارقة الذين أبدوا رغبتهم في الانضمام إلى الفيلق الأجنبي، كما تضمن آراء بعض المحللين حول الظاهرة.
وكشف التحقيق الذي أجراه الصحفيان في الإندبندنت بورتيا كراو وأوزيل مومار لو، عن أن مستوى الإقبال الذي أبداه الأفارقة في دول شتى بالقارة قد فاجأ المحللين السياسيين، فقد انهالت الطلبات التي يتقدم بها مدنيون للانضمام للفيلق الأجنبي الأوكراني على السفارات الأوكرانية في بلدان أفريقية عديدة.
إقبال مفاجئ
ونقلت الصحيفة عن مصادر في السفارتين الأوكرانيتين في جنوب أفريقيا ونيجيريا أنهما تلقتا مئات الطلبات -عبر الهاتف والبريد الإلكتروني وبعضهما تقدم به أصحابه شخصيا- للانضمام إلى الحرب.
وصرحت سفيرة أوكرانيا بجنوب أفريقيا في مقابلة صحفية بأن سفارتها غُمرت بالرسائل بعيد إنشاء الفيلق الأجنبي بأمر من الرئيس زيلينسكي في نهاية فبراير/شباط الماضي.
كما قالت السفارة الأوكرانية في كينيا أيضًا إنها تلقت طلبات عديدة، كما أعرب مدنيون أفارقة ممن حاورتهم الإندبندنت في كل من أوغندا وبوروندي اللتين لا توجد بهما سفارات أوكرانية عن رغبتهم في التجنيد للقتال بأوكرانيا لكنهم لا يعرفون كيف يمكنهم ذلك.
وقالت الصحيفة إن داميان ماجرو، المتحدث باسم الفيلق الأجنبي في أوكرانيا، صرح بوجود أفارقة ضمن الفيلق، لكنه لم يقدم تفاصيل عن عددهم أو جنسياتهم.
كما صرح مسؤول عسكري أوكراني الشهر الماضي بأن الفيلق الأجنبي يضم حوالي 20 ألف مقاتل من 50 جنسية.
الهجرة إلى أوروبا
وكشف التحقيق الصحفي عن دوافع متعددة وراء قتال الأفارقة في صفوف الفيلق الأجنبي الداعم لأوكرانيا من بينها دافع سياسي وهو ما وصفته الصحيفة بأنه دعم ومساعدة أوكرانيا؛ بينما ساق آخرون ضمن التحقيق دوافع مختلفة، أبرزها الهجرة إلى أوروبا.
وتسمح كييف بدخول الأجانب الذين يبدون استعدادا للقتال ضد القوات الروسية دون تأشيرة، وهي فرصة نادرة أمام الأفارقة الراغبين بالوصول إلى أوروبا، الذين غالبا ما تُصنف جوازات سفرهم بأنها الأضعف بين دول العالم.
يهاجر الكثير من الأفارقة، الذين ليست لديهم جوازات سفر، إلى أوروبا عبر قنوات غير شرعية. ويخوض هؤلاء رحلات طويلة محفوفة بالمخاطر برا وبحرا علاوة على ما كانوا يتعرضون له من مخاطر من بينها العنف، والتمييز، والاحتجاز خلال ذلك الطريق الطويل.
وأورد التحقيق رأي ستيفن كروزد، رئيس قسم الحوكمة والدبلوماسية في معهد دراسات الشؤون الدولية في جنوب أفريقيا، الذي قال “إذا فكرنا قليلا، سوف نجد أن أغلب المتطوعين من الشباب وذوي اللياقة العالية الذين يرون أن المشاركة في الحرب بأوكرانيا تذكرة خروج من أفريقيا وطريقة لدخول أوروبا ومن ثم الإقامة هناك”.
أما إبراهيم نايي، الباحث بمركز الديمقراطية والتنمية، وهي منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان، فيرى أن أغلب (الأفارقة الذين يتقدمون للذهاب إلى أوكرانيا حاولوا السفر إلى أوروبا من قبل عبر طرق غير شرعية”.
مبادئ ومصالح
وكان من بين المتطوعين للانضمام إلى الفيلق الأجنبي الداعم لأوكرانيا، الذين أجرت معهم الإندبندنت مقابلات؛ عامل البناء السنغالي ألسان فاي الذي أكد أنه بمجرد أن شاهد الأنباء عن الغزو الروسي لأوكرانيا، شعر برغبة قوية في تقديم المساعدة.
وقال فاي، البالغ من العمر 45 عاما والمقيم في قرية صغيرة قرب العاصمة السنغالية: “لا أستطيع تحمل الظلم، ولا أحب أن أرى الناس يعانون”.
وبدأ الرجل بالفعل التواصل مع السفارة الأوكرانية في داكار عبر الهاتف وأخبر المسؤولين هناك برغبته في الانضمام إلى القتال في صفوف الفيلق الأجنبي. وبالفعل وجّهته السفارة إلى طريقة التقدم عبر الإنترنت، لكن الحكومة السنغالية طالبت بوقف تجنيد مواطنيها في ذلك الوقت بعد أن وصل عدد المتقدمين للتطوع للقتال من أجل كييف إلى 35 سنغاليا بحلول مطلع مارس/آذار الماضي.
وبينما أكد فاي أنه لا يريد “استغلال الحرب” لتحقيق مصلحة شخصية، اتضح من كلامه أن جزءا من رغبته في الانضمام إلى الفيلق الأجنبي بأوكرانيا كان بدافع إمكانية البحث عن عمل هناك بعد انتهاء الحرب.
وروى فاي للصحيفة عن تجربته في عام 2005 عندما ألقت السلطات القبض عليه أثناء محاولته الهرب في قارب صيد إلى إسبانيا. وقال إنه تلقى مساعدة من صديق له كان يدين له بالمال عرض عليه خوض تلك التجربة مقابل تسديد تكلفة الرحلة. لكن فاي سرعان ما اعتقل مع صديقين آخرين بعد أن صعدوا على متن القارب.
معوقات
ويشير التحقيق إلى أن حكومات دول أفريقية عديدة تمنع مواطنيها من التطوع للحرب في أوكرانيا ضد الغزو الروسي، خلافا لموقف بلدان مثل كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة التي لم تمنع مواطنيها من الانضمام إلى الفيلق الدولي الأوكراني.
وقد يرجع ذلك إلى الخشية من عواقب ذلك عندما يعود المقاتلون إلى ديارهم من الحرب.
ويقول إبراهيم نايي، من مركز الديمقراطية والتنمية إن ذلك قد يكون “من أجل تجنب ما حصل في ليبيا.. حيث خرج الشباب الأفارقة في بعض الحالات للقتال كمرتزقة (خلال الحرب التي أطاحت بمعمر القذافي) وعادوا بتوجهات عنيفة وانضموا لبعض الحركات المسلحة في بلدان مثل مالي ونيجيريا وتشاد”.
ويشير التحقيق إلى عامل آخر قد يكون الدافع وراء منع الحكومات في بعض البلدان الأفريقية من السماح لمواطنيها بالتطوع للقتال، وهو الخشية من تعكير صفو العلاقات مع روسيا على المدى البعيد.