ثاني أهم القطاعات الصناعية في إيران.. هكذا أثرت العقوبات الأميركية على إنتاج السيارات
طهران- بعد أكثر من 50 عاما على إنتاج أول سيارة ركاب في إيران، تصنف طهران قطاع صناعة السيارات بأنه ثاني أهم القطاعات الصناعية في البلاد بعد قطاع النفط والغاز، وبالرغم من تعثره بفعل العقوبات الغربية والخسائر التي تكبدها خلال السنوات الماضية لكنه واصل تقدمه على المستوى العالمي.
وتظهر أحدث بيانات المنظمة الدولية لمصنعي السيارات (OICA) تقدم صناعة السيارات في إيران 3 مراكز على المستوى العالمي بإنتاج 949 ألفا و817 سيارة ركاب، لتحل في المرتبة العاشرة بين الدول المتقدمة في صناعة السيارات، خلال الأشهر 9 الأولى من 2022.
واستنادا إلى بيانات المنظمة الدولية لمصنعي السيارات، فإن الصين احتلت المركز الأول بإنتاجها أكثر من 16 مليون سيارة للركاب، تليها الولايات المتحدة التي أنتجت أکثر من 5 ملایین، ثم اليابان ثالثا، والهند رابعا، وكوريا الجنوبية بالمركز الخامس من تصنيف المنظمة الدولية.
وبالرغم من معاناة القطاع جراء العقوبات الأميركية التي عرقلت تدفق قطع الغيار من الخارج، تمكنت مجموعة شركات تصنيع وتجميع سيارات الركاب في إيران من تسجيل نمو بنسبة 31.2% خلال الأشهر التسعة الأولى من 2022 مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي حيث حلت في المرتبة 13 عالميا.
وفي أحدث تقرير للشركات المصنعة للسيارات في إيران، أعلنت شركة “إيران خودرو” أن معدل إنتاجها اليومي بلغ 2700 سيارة في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في حين أن شركة “سايبا”(Saipa) قالت إن الإنتاج اليومي بلغ نحو ألفي سيارة.
وبزيادة نسبة الإنتاج الأخيرة، تحافظ صناعة سيارات الركاب في إيران على مركزها الأول بالمنطقة، متخطية حاجز مليون سيارة في العام، وفق مهدي خطيبي المدير التنفيذي لشركة “إيران خودرو” لصناعة السيارات الذي تحدث مؤخرا عن خطط لرفع الصادرات إلى دول آسيوية وأفريقية إضافة إلى روسيا.
العقوبات الأميركية
ورغم تسجيل قطاع صناعة السيارات في إيران وثبة في الأرباح عقب إقرار الاتفاق النووي عام 2015، ودخول مستثمرين أجانب إلی البلاد، إلا أن انسحاب واشنطن منه عام 2018 وضع حدا لتعاون الشركات الأجنبية مع طهران مما كبّد الأخيرة خسائر كبيرة جراء تراجع الشركات الغربية والشرقية عن العقود المبرمة معها.
ومع عودة العقوبات الأميركية على إيران، غادر العديد من شركات السيارات الأوروبية -منها بيجو وسيتروين ورينو الفرنسية وفولفو السويدية ومرسيدس بنز الألمانية، وأخرى شرقية مثل بريليانس وشنغان الصينيتين- مما أدى حينها إلى تراجع إنتاج السيارات في هذه البلاد إلى أقل من النصف بسبب الصعوبة في توفير المواد الأولية وعرقلة استيراد قطع الغيار من الخارج.
كما واجهت “إيران خودرو” و”سايبا” -أكبر شركتين مصنعتين للسيارات في إيران- صعوبات حادة في تسليم الطلبيات المبيعة للزبائن مسبقا، مما أدى إلى تجمهر العملاء أمام مقراتهما للمطالبة بتسلم سياراتهم.
ولم تقف تداعيات العقوبات الأميركية -على صناعة السيارات في إيران- عند منع جذب الاستثمارات الأجنبية وعرقلة واردات قطع الغيار، بل امتدت إلى عرقلة تصدير الإنتاج إلى بعض دول المنطقة مثل أوكرانيا وتركمانستان وكازاخستان وموريتانيا ولبنان، وفق وكالة أنباء إرنا الرسمية التي تؤكد وجود مصانع إيرانية في بعض الدول مثل العراق وسوريا وأذربيجان وفنزويلا وبيلاروسيا والسنغال.
الاكتفاء الذاتي
وحول هذا الموضوع، يرى الباحث الاقتصادي بيمان يزداني أن العقوبات الأميركية شكلت حافزا للنهوض بقطاع السيارات نحو تحقق الاكتفاء الذاتي، موضحا أن طهران كانت قد خططت عام 2003، في وثيقتها العشرينية الموسومة بـ “إيران في أفق 2025” أن يحتل قطاع سيارات الركاب المرتبة الأولى في الشرق الأوسط، والخامسة في قارة آسيا، والمرتبة 11 على مستوى العالم، وهذا ما تحقق بالفعل حتى الآن.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول يزداني إن بلاده عالجت عجزها في قطع غيار السيارات -عقب فرض العقوبات الأميركية وامتناع الشركات الأجنبية عن تزويدها بالمعدات اللازمة- وذلك عبر التخطيط لتوطينها وتحقيق الاكتفاء الذاتي، إلى جانب تصميم طرازات حديثة وتطويرها باستمرار لتفادي الواردات والحد من خروج العملة الصعبة.
ولم تقتصر مساعي الشركات الإيرانية على توطين قطع الغيار، إذ اتخذت “إيران خودرو” و”سايبا” خطوات جبّارة في مجال صناعة محركات وطنية خلال السنوات الماضية -والكلام للباحث يزداني- الذي توقع أن يواصل القطاع نموه خلال السنوات المقبلة على صعيدي زيادة الإنتاج وإدخال طرازات حديثة من جهة، وتوفير أسواق خارجية لا سيما بعد انضمام إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون، من جهة أخرى.
وخلص يزداني إلى أن الانتقادات التي وجهها مرشد الثورة علي خامنئي -مطلع فبراير/شباط الماضي- إلى شركات صناعة السيارات في بلاده بسبب افتقارها للمتانة والرصانة ودعوته إلى تحسين جودتها واحترام مستخدميها، شكلت النواة الأساسية للقفزة التي حققها القطاع خلال الأشهر التسعة الماضية.
تدني الجودة
صحيح أن قطاع صناعة السيارات في إيران حقق خلال العام الأخير وثبة في زيادة حجم الإنتاج الذي بلغ مليون سيارة، فإن مستخدمي هذه العربات لا يزال يشتكون من تدني جودتها، ويرى مراقبون إيرانيون في منع استيراد المركبات الأجنبية عاملا لإرغام شريحة كبيرة من المواطنين على اقتناء الصناعة الوطنية.
في السياق، يعتقد الباحث الاقتصادي، غلام رضا مقدم، أن العقوبات الأجنبية على الاقتصاد الإيراني وحرمان طهران من استيراد العديد من التقنيات المتطورة، دفعت إلى الحد من استيراد الصناعات التي تتوفر نسخ مماثلة لها في الداخل.
ويرى مقدم -في حديثه للجزيرة نت- أن زيادة حجم إنتاج السيارات في إيران يأتي على حساب الجودة، مستدركا أن تدني الأسعار المفروضة من قبل الحكومة على الشركات المنتجة للسيارات كبّدتها خسائر فادحة مما أدى إلى تراجع جودة الإنتاج.
والمعروف أن الحكومة الإيرانية تحدد سقفا لأسعار السيارات التي تعرضها الشركات الوطنية مما يشكل حافزا لتسجيل شريحة كبيرة من المواطنين لاقتنائها من أجل بيعها في السوق الحرة بأسعار قد تصل إلى الضعف، وهو ما دفع بعض الشركات إلى عرض أعداد محدودة من سياراتها في بورصة طهران لبيعها بأسعار قريبة جدا من السوق الحرة.
وتشكل صناعة السيارات في إيران 3.5% من الناتج القومي الإجمالي، وفق آخر الإحصاءات التي نشرتها وكالة أنباء فارس شبه الرسمية.
وبالرغم من أنه لا توجد إحصاءات موحدة عن عدد العاملين في هذا القطاع، إلا أن بعض وسائل الإعلام تتحدث عن مليون عامل وموظف يعملون بشكل مباشر وغير مباشر في القطاعين الحكومي والخاص في ربوع البلاد.
بداية الصناعة
وبموجب ترخيص من شركة تالبوت البريطانية، صنعت إيران سيارتها الأولى بيكان (peykan) عام 1967 في شركة “إيران ناسيونال” أو ما تعرف اليوم “إيران خودرو”. كما أنتجت في العام نفسه حافلات ركاب وشاحنات نقل.
وإلى يومنا هذا تعتبر “إيران خودرو” إحدى كبرى الشركات المصنّعة للسيارات إلى جانب “سايبا” حيث تنتجان نحو 90% من مجموع السيارات في هذا البلد، وتمتلك الدولة بين 14 و16% من أسهم الشركتين.
كما توجد في إيران العديد من الشركات المصنعة للسيارات ضمن القطاع الخاص منها بارس خودرو وكرمان موتور وزامياد وبهمن ومديران خودرو، تصب جل طاقاتها في تجميع السيارات الأجنبية لا سيما الصينية والروسية.