الرباط  أصبح توفير سلة الغذاء الأساسية حملا يثقل كاهل الأسر المغربية الفقيرة، فقد ارتفعت أسعار جميع المنتجات من خضر وفواكه ولحوم ودواجن وبيض وزيوت وغيرها.

تصاعد الجدل حول ظاهرة تعدد الوسطاء بين الفلاح والمستهلك النهائي، ودور المحتكرين والمضاربين في إشعال هذه الأزمة.

 

تقول سميرة فضلي، في حديثها للجزيرة نت، إن موجة الغلاء جعلتها في مفترق طرق وهددت استمرار عملها التجاري، فهي تدير مطعما منذ 3 أعوام بمدينة الجديدة ويعمل لديها 8 عمال.

وتؤكد أن ارتفاع الأسعار أصبح كابوسا، فهي تصحو كل يوم على زيادات جديدة، وأصبح مشروعها مهددا وغير مستقر.

واضطرت لتخفيض العمالة، وتغيير قائمة الطعام عدة مرات، وإلغاء بعض الوجبات بسبب تكلفة مكوناتها التي أصبحت باهظة الثمن.

يصنف رئيس الجمعية الوطنية لجمعيات حماية المستهلك وديع مديح الفئات الأكثر تضررا من ارتفاع الأسعار في الفئات الهشة والفقيرة، ثم الطبقة المتوسطة التي لم تعد قادرة على شراء مستلزماتها الرئيسية.

 

وقال مديح للجزيرة نت إن الجمعية رصدت ارتفاع أسعار الغذاء خلال عام، فوجدت أن ارتفاع الأسعار بلغ 800 درهم العام الماضي و1500 درهم العام الحالي.

وأشار إلى أن الطبقة المتوسطة لم تعد قادرة على الادخار، واضطرت لتخفيض أي مصاريف إضافية في العلاج والتعليم والغذاء، مؤكدا على ضرورة تدخل الحكومة لإيجاد حلول جذرية.

وصلت أسعار البطاطس والبصل والطماطم لمستويات غير مسبوقة في المغرب (الجزيرة)
وصلت أسعار البطاطس والبصل والطماطم لمستويات غير مسبوقة في المغرب (الجزيرة)

من المسؤول؟

ألقى مسؤولون حكوميون باللائمة على المضاربين والوسطاء في ارتفاع الأسعار بالأسواق، كما أن برودة الطقس أضرت بعدد من المنتجات الزراعية، في حين يرى خبراء وناشطون من المجتمع المدني أن زيادة تصدير المنتجات الزراعية أثرت على حجم البضائع المتوفرة في السوق المحلي.

وأشار تقرير “المغرب في مواجهة صدمات العرض” الصادر عن البنك الدولي إلى وجود فجوة كبيرة في أسعار المواد الغذائية بين المنتجين وتجار التجزئة.

وأكد التقرير أن الأسر الأكثر احتياجا لا تزال تعاني بشدة من آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتضخم.

ويؤكد مدير مرصد العمل الحكومي محمد جدري على وجود اختلالات في سلاسل التوريد بسبب ما أسماها “ممارسات غير أخلاقية” يقوم بها مضاربون وسماسرة ومحتكرون وتتسبب في رفع الأسعار بشكل صاروخي.

 

ويقول، في حديث للجزيرة نت، إن المضاربين والمحتكرين يستفيدون من ضعف مراقبة الأسعار من طرف الأجهزة الرقابية سواء على المستوى المركزي أو المحلي.

وأكد أن الفلاح الصغير هو الحلقة الأضعف في هذه السلسلة، فهو يبيع الخضر والفواكه بدرهم أو 3 دراهم، لكنها تصل إلى المستهلك النهائي بـ13 درهما (نحو 1.5 دولار أميركي).

وأشار وديع مديح إلى تداخل المهام بين الإدارات المعنية في مراقبة الأسواق، فرغم تعددها فإن عملها الميداني ضعيف بسبب محدودية الموارد البشرية واللوجيستية، مما دفع إلى حدوث فوضى استغلها من أسماهم “تجار الأزمات” لرفع الأسعار عبر المضاربات غير القانونية والتخزين السري للسلع.

التصدير

ويرى رئيس جمعية سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء عبد الرزاق الشابي أن الجفاف والبرد وغلاء البذور والمحروقات ليست وحدها الأسباب وراء ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية في الأسواق.

ويعزو، في حديثه للجزيرة نت، تفاقم هذه الأزمة إلى نزيف تصدير المنتجات الزراعية إلى أوروبا وأفريقيا دون مراعاة احتياجات السوق المحلي.

 

ويؤكد أن منتجات زراعية مثل الجزر والشمر والقرنبيط لا يتم تصديرها، لهذا هي متوفرة في الأسواق ولم ترتفع أسعارها.

وأضاف أن العشوائية في التصدير من شأنها الإضرار بالأمن الغذائي، ويشدد على ضرورة ترشيد تصدير المنتجات الزراعية ومراعاة احتياجات الأسواق المحلية.

حتى الأسواق الشعبية بضواحي الرباط شهدت ارتفاعا ملحوظا في أسعار المنتجات الزراعية (الجزيرة)
حتى الأسواق الشعبية بضواحي الرباط شهدت ارتفاعا ملحوظا في أسعار المنتجات الزراعية (الجزيرة)

إجراءات لخفض الأسعار

وأكد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش أن أسعار المنتجات الغذائية من الخضر واللحوم والزيوت بدأت في الانخفاض بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ أسبوع وبسبب تحسن الظروف المناخية، مشيرا إلى أن الأسعار ستواصل التراجع في الأيام القادمة حتى تصل إلى المستويات الاعتيادية قبل شهر رمضان.

وقد أعلنت الحكومة المغربية منذ أسبوع عددا من الإجراءات بسبب الشكاوى المتصاعدة من الغلاء، وأطلقت حملات لرقابة إمداد الأسواق بالمواد الغذائية ومحاربة المضاربات في مختلف الأقاليم.

وسجلت لجان المراقبة مخالفات تتعلق بالأسعار وجودة المواد الغذائية، وأعلنت العثور على مخازن سرية خصصت لتخزين بعض المواد الغذائية بهدف المضاربة، واتخذت إجراءات قانونية في حق مرتكبي هذه المخالفات.

من جهة أخرى، قررت الحكومة إلغاء الضريبة على القيمة المضافة، مع وقف استيفاء الرسوم الجمركية على استيراد الأبقار الموجهة للذبح بهدف خفض أسعار بيع اللحوم، إلى جانب مواصلة دعم أسعار النقل التي من شأنها أن تساهم في استقرار أسعار المواد الغذائية.

 

وشهدت أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعا غير مسبوق بسبب خلل في إنتاج اللحوم وفقا لتصريحات وزير الفلاحة والصيد البحري محمد صديقي، الذي أشار إلى أن الأسباب الرئيسية ترجع إلى الجفاف وعدم التلقيح الاصطناعي للأبقار خلال سنتي الجائحة.

وكشفت الحكومة عزمها استيراد ما لا يقل عن 40 ألف رأس من الأبقار قبل حلول شهر رمضان كدفعة أولية، في إطار خطة لاستيراد 200 ألف رأس من الأبقار مع حلول الصيف المقبل.

ومنذ بداية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، استوردت المملكة المغربية 5 آلاف رأس من العجول الموجهة للذبح عبر المركز الحدودي لميناء طنجة المتوسط.

وأعلنت الحكومة وقف تصدير الخضر والفواكه إلى أفريقيا لضمان تزويد السوق الوطنية بالمتطلبات الرئيسية من المنتجات الزراعية.

تفاؤل حذر

ويشير محمد جدري إلى أن الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة وبدأت تنفيذها، مثل إلغاء رسم استيراد الأبقار ووقف تصدير المنتجات الزراعية إلى السوق الأفريقية، ستمكن من تزويد السوق المحلي باحتياجاته من هذه المنتجات خلال الأسابيع القادمة، وهو ما سيؤدي  لانخفاض الأسعار تدريجيا.

 

وأكد أن الحملات التي تقوم بها لجان المراقبة في الأسواق والمحلات التجارية، ستردع السماسرة والمضاربين، داعيا إلى دعم عمل هذه اللجان بتوفير المزيد من الموارد البشرية واللوجيستية والحوافز المالية.

وطالب المتحدث الحكومة بإعادة النظر في سلسلة التوريد حتى لا يستغل السماسرة صغار الفلاحين.

ويتوقع جدري أن تخفف الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة من وطأة الأزمة، بشكل تدريجي وعلى مراحل.

المصدر : الجزيرة

About Post Author