قال بيان لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، إن 70% من السوريين ربما لا يتمكنون في المدى المنظور من توفير الطعام لعائلاتهم.

وأضاف البيان “بعد 12 عاما من الصراع، والاقتصاد العاجز نتيجة للتضخم الجامح، والانهيار القياسي للعملة المحلية والارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الغذائية، هناك 12 مليون سوري لا يعرفون من أين ستأتيهم الوجبة التالية من الغذاء، و2.9 مليون آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع”.

 

وقال المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي ديفيد بيزلي، الذي وصل إلى سوريا مؤخرا، إذا لم يتم التعامل مع هذه الأزمة الإنسانية في سوريا “فستزداد الأمور سوءا إلى حد لا يمكننا تخيله”.

موجة جديدة من الهجرة الجماعية

وحذر ديفيد بيزلي، في حال استمرار الأزمة الحالية، من موجة هجرة جماعية للسوريين كالتي “اجتاحت” أوروبا عام 2015. وتساءل المسؤول الأممي “هل هذا ما يريده المجتمع الدولي؟”.

وأضاف “إن لم يكن الأمر كذلك، فعلينا اغتنام هذه الفرصة بشكل عاجل لتجنب الكارثة التي تلوح في الأفق، والعمل معا لتحقيق السلام والاستقرار للشعب السوري”.

وأكد البيان ازدياد أسعار المواد الغذائية في سوريا بنحو 12 ضعفا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وأشار إلى أن سوريا باتت الآن سادس أكبر دولة من حيث عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي في العالم، مشيرا إلى أن 2.5 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد، وتتعرض حياتهم للخطر بدون مساعدات غذائية.

)طابور خبز في العاصمة السورية منطقة باب توما عدسة المراسلة (أرشيف
طابور خبز في العاصمة السورية منطقة باب توما (الجزيرة نت- أرشيف)

تحرير الأسعار هل يحل المشكلة أم يفاقم المعاناة؟

وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية قد أصدرت، يوم 16 يناير/كانون الثاني الماضي، تعميما على مديرياتها يقضي بمتابعة إعلان الأسعار في الأسواق وفق الفواتير التداولية التي تُحرر من المنتجين والمستوردين وتجار الجملة.

 

ووجهت الوزارة مديرياتها لاعتماد فواتير المنتجين والمستوردين وتجار الجملة أساسا في تحديد أسعار البيع للمستهلك وفق نسب الأرباح المحددة.

وردّت الوزارة هذا الإجراء إلى “المتغيرات المتسارعة في بنود التكاليف، خاصة سعر الصرف، وارتفاع تكاليف مستلزمات الطاقة، وحرصا على استمرارية تدفق المواد في الأسواق، وتداول الفواتير الحقيقية”.

ويسمي خبراء الاقتصاد هذا الإجراء “تحرير الأسعار”، الذي من خلاله يتم تحديد أسعار مختلف السلع في الأسواق بموجب قانون العرض والطلب من دون تدخل من الدولة لتحديد سقوف سعرية للسلع.

ويقول موريس، الباحث والصحفي الاقتصادي من دمشق، للجزيرة نت “إن تحرير الأسعار يعني تخلي الوزارة عن دور كانت تلعبه في السابق ولم يعد الآن مجديا، فمنذ بداية عام 2022 تقريبا لم يعد تجار الجملة ولا حتى تجار التجزئة يتقيدون بنشرات الأسعار التي تصدرها مديريات الوزارة؛ لأن تلك النشرات كانت تستند إلى أرقام ومعطيات غير واقعية لا يمكن الأخذ بها”.

 

ويضيف أن هذا الإجراء سيحوّل الغضب والانتقادات الحادة -التي كان يوجهها السوريون سابقا للوزارة ومسؤوليها لعدم قدرتهم على ضبط الأسعار- إلى التجار الذين سيظهرون على أنهم جشعين، “وسيبدد علاقة المسؤولية السابقة التي كانت بين الحكومة الضامنة لانخفاض أسعار السلع الأساسية -وهو ما كان قائما منذ سبعينيات القرن الماضي- والمواطنين المستهلكين لتلك السلع”.

 

وعن أثر تحرير الأسعار على معيشة السوريين، يقول موريس إن ذلك “سيساعد على توفر السلع الأساسية والكمالية في الأسواق، ولكنه، في ظل غياب التنافسية سيجعل السوريين تحت رحمة التجار والمستوردين والصناعيين الذين سيسعرون بضائعهم -التي لا بديل عنها- وفقا لتكلفة الإنتاج أو الاستيراد الفعلية، وبهوامش ربحية عالية لن تتوافق والقوة الشرائية لمداخيل معظم السوريين، وهو ما سيهوي بهم إلى مستويات سحيقة من الفقر”.

أما الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق والمدير الأسبق للمكتب المركزي للإحصاء الدكتور شفيق عربش، فقد قال الخميس الماضي -في حديث لصحيفة الوطن الموالية للنظام- إن القرارات التي تصدر عن الحكومة، بما في ذلك قرار تحرير الأسعار، عبارة عن ردود أفعال مرتجلة وغير مبنية على دراسات دقيقة لنتائج هذه القرارات وانعكاسها، مؤكدا أن “الحكومة لا تملك اليوم قاعدة بيانات تسمح لها باتخاذ قرار علمي ومدروس”.

 

آخر مصادر البروتين خارج حسابات السوريين

وشهدت الأسواق السورية مؤخرا ارتفاعا كبيرا في أسعار معظم السلع الغذائية الأساسية متأثرة بالانهيار المستمر لسعر صرف الليرة أمام الدولار، والذي سجل 6900 ليرة (الخميس الماضي)، وباستمرار أزمة شحّ المشتقات النفطية من الأسواق وارتفاع أسعارها في السوق السوداء.

ويواجه السوريون في مناطق سيطرة النظام صعوبة في الحصول على الغذاء المناسب، الذي يحتوي على البروتينات والمعادن والفيتامينات الضرورية للجسم، نتيجة لارتفاع أسعار اللحوم والبيض وغيرها من السلع الأساسية للأمن الغذائي.

وارتفعت أسعار هذه السلع الأسبوع الماضي إلى مستويات قياسية، إذ سجل سعر كيلو لحم الغنم 55 ألف ليرة (8 دولارات)، بينما بلغ سعر كيلو لحم العجل 50 ألفا (نحو 7 دولارات)، وسجل سعر كيلو الدجاج 22 ألفا (نحو 3 دولارات)، في حين وصل سعر صحن البيض -آخر مصادر البروتين التي كان يعتمد عليها السوريون- إلى 21 ألفا (نحو 3 دولارات).

 

في حين يبلغ متوسط رواتب موظفي القطاعين العام والخاص في مناطق سيطرة النظام نحو 150 ألف ليرة (21 دولارا) منذ عام 2021.

المصدر : الجزيرة

About Post Author