محمد رمضان بطل مسلسل "جعفر العمدة" (مواقع التواصل الاجتماعي)

محمد رمضان بطل مسلسل "جعفر العمدة" (مواقع التواصل الاجتماعي)

بينما يسهر المصريون لتناول السحور وأكواب الشاي والقهوة في الساعات الأخيرة قبل أذان الفجر، صار معتادا أن نرى مسلسل “جعفر العمدة” على شاشات التلفاز في المقاهي الشعبية، يتابعه الكل بحماس.

يتفاعل الحاضرون معه ويشجعونه ويكادون يصرخون غيظا لأن جعفر لم يفهم بعد أن ابنه الذي يبحث عنه هو أقرب أصدقائه فعلا، في شغف يماثل ما حدث مع المسلسلين السابقين “الأسطورة” و”البرنس”، وربما زاد الشغف هذه المرة، فقد أتقن صناع العمل محمد سامي مخرجا ومحمد رمضان بطلا هذه الثيمة.

 

تبدو القصة للوهلة الأولى عادية تقليدية قدمتها الدراما المصرية مرارا، جعفر العمدة (محمد رمضان) يختار زوجته الرابعة لتنتقل للعيش في بيته مع زوجاته الثلاث، ثم فجأة يعود الأمل أن ابنه الذي خطف منه رضيعا ربما لا يزال حيا، فما الجديد الذي يجعل هذا المسلسل يحقق أعلى نسب المشاهدات؟

مسلسل جعفر العمدة - محمد رمضان
في مسلسل “جعفر العمدة”، يمزج صناع العمل عددا من الثيمات الشعبية المميزة (مواقع التواصل الاجتماعي)

ثيمات محمد رمضان المحببة

في مسلسل “جعفر العمدة”، يمزج صناع العمل عددا من الثيمات الشعبية المميزة؛ البطل الفتوة الذي أعطاه الله -من زينة الحياة الدنيا- المال والنفوذ والنساء، ولم يحرمه من البنين، جعفر هو من حرم على زوجاته الإنجاب، بعد أن خطف ابنه يوم مولده، ولا يعرف حتى الآن إذا كان فعلا حيا، لكن المشاهدين يعرفون!

هناك أيضا ثيمة عودة البطل الغائب للانتقام؛ بطش أعداؤه بأهل بيته في غيابه، أهانوا شقيقه شر إهانة، غدرت زوجة شقيقه به وتزوجت بعدوه، أهينت العائلة كلها على مرأى ومسمع من أهل الحي العريق. الكل يترقب جعفر ليعود وينتقم، لكنه يعود ولا ينتقم.

هنا يواصل صناع المسلسل استلهام الأساطير العظيمة والملاحم الشعبية. كان لأخيل -بطل الإلياذة في أسطورة هوميروس- نقطة ضعف هزمته هي كعبه، أيضا لجعفر القوي الثري نقطة ضعف توقفه عن الانتقام هي ابنه. لا يمكن له أن ينتقم من عدوه لأنه يعتقد أن هذا العدو يعرف أين ابنه (لا يبدو ذلك مبررا دراميا مقنعا، لأن جعفر الذي عرفناه من قبل يمكنه أن ينتزع هذا السر من ألد أعدائه ببطشه وقوته).

علاقات بشرية ومشاعر فياضة

هي أيضا ليست حكاية أخرى عن صراع السلطة والفتوة في الحارة الشعبية، هي أعمق من ذلك بتناول أسمى العلاقات الإنسانية، بما يجعلها تخاطب كل المشاهدين من كل الطبقات الاجتماعية، حب الأب لابنه، هذا الحب الذي من أجله يتخلى عن سلطته، يتنازل مؤقتا عن رد كرامة أهل بيته، يطلب الصفح من ألد أعدائه، جعفر على استعداد أن يفعل أي شيء مهما كان من أجل ابنه.

 

ومن هذه العلاقة ننطلق لعلاقات أخرى، لا تقتصر فقط على الغيرة القاتلة بين إحدى زوجات جعفر، تمتد إلى الأم وصيفة/ صفصف (هالة صدقي) التي تحتفظ بصورة زوجها الراحل، وتملأ جدران بيتها بصوره، وأكثر لذاتها تجدها في سرد سيرته وإعادة حكاياته على مسامع زوجات ابنها. جعفر أيضا يحترم أمه ويحبها كل الحب، ينسى سلطته أمامها ويبكي متطهرا من آلامه.

الأخ سيد (أحمد فهيم) الحائر بين شعوره بالغيرة من شقيقه الأكبر الذي ينتظره لينصره، أو شعوره بالخذلان لأن هذا الشقيق يظن أنه خطف ابنه، أو بالإهانة بعد أن ضربه عدوه وتزوج طليقته.

وإلى جانب العلاقات الإنسانية، هناك الكثير من المشاعر الفياضة؛ الغيرة القاتلة حرفيا بين نسوة جعفر، الشك القاتل الذي يجعل الأخ يشك أن أخاه دبر له مكيدة كبرى، الكراهية العظيمة بين عائلتين جارتين، الخيانة، الذل، الطمع، الرغبة في الانتقام.

طبقات فقيرة وغنية

على عكس مسلسلي “الأسطورة” و”البرنس”، فقد امتد تأثير “جعفر العمدة” للطبقات الأعلى في مصر، أحد أغنى أغنياء مصر نجيب ساويرس يشيد بالمسلسل، بينما نسب المشاهدة هي الأعلى في بلدان عربية مختلفة أيضا، وبالطبع تحقق مقاطع الفيديو من المسلسل ملايين المشاهدات على مواقع التواصل.

 

بالتأكيد لأن جعفر لا يمثل فقط الطبقات الفقيرة، بالعكس هو أغنى أغنياء حي السيدة زينب، ينتمي للطبقات الشعبية فقط بأسلوبه ولهجته وبيته الكبير في قلب الحي الشعبي الشهير بقلب القاهرة، لكنه شديد الثراء، بأمواله الطائلة التي يقرضها لمن أراد، كثير العطاء بتساهله في شروط الإقراض مع من يحترمهم، شديد الكرم بسياراته الفاخرة له ولزوجاته، لا يتحدث إلا ويعطي مستمعيه قولا “مأثورا” بطريقته على غرار “السيدة زينب مفهاش أسياد ولا عبيد.. فيها محترم وغير محترم”.

 

كما يعتز جعفر بأصوله، يؤمن يقينا أن بيته في حي السيدة الشعبي أفضل من فيلا في التجمع الخامس حي الطبقة الغنية المعاصر، جلبابه أكثر أناقة من أي بذلة، لو منعه حراس مطعم غال من الدخول بسبب هذا الجلباب، يقرر جعفر شراء المطعم كله فورا لأنه المكان المفضل لحبيبته. نعم، هناك أيضا الكثير من المبالغات من هذا النوع.

تمثل عايدة (زينة) علاقة الطبقات الثرية الجديدة بجعفر، هي همزة الوصل بينه وبين الأغنياء الذين يتظاهرون بأنهم أثرياء ويعيشون حياة الطبقات العليا بينما هم غارقون في الديون، تظن هي وأصدقاؤها أنها أكثر ذكاء من جعفر، يمكنها أن تخدعه وتستولي على أمواله.

أداء متميز للأبطال

إلى جانب القصة، هناك أداء تمثيلي متقن لطاقم الممثلين، أبرزهم هالة صدقي التي تقدم أحد أفضل أدوارها في دور الحاجة صفصف أو “الملكة” كما يسمونها، الصبي سيف (أحمد داش) الذي يقدم ثنائيا مع محمد رمضان مثيرا لكثير من العواطف لعلاقة أب وابنه (إذا لم يفاجئنا المخرج بشيء آخر في النهاية) أو صديقين أحدهما معلم كبير والآخر تلميذه الأصغر.

بين التشويق والمفاجأة

إذا لم تكن ثيمة الرجل المزواج هي السبب، خصوصا أن الكوميديا التي خلقتها في الحلقات الأولى كانت كوميديا تقليدية للغاية تذكرنا بمسلسل “عائلة الحاج متولي”، ولم تكن هذه الحلقات تحقق نجاحا كبيرا مقارنة بما حدث بعد الحلقات العشر الأولى، وتحول العداوة الأولى بين جعفر وسيف إلى صداقة حميمة يتعجب لها الجميع، كيف يصاحب فتوة السيدة مراهقا في سن ابنه؟

نعم، هذا بالضبط هو السبب، الفتى في سن ابنه، والمسلسل يوحي للمشاهد أنه ابنه فعلا، لكن أغلب الأبطال لا يعرفون، من هنا تتولد الدراما، خاصة أن البعض يتوقع مفاجأة ما في النهاية.

 

وصفة نجاح “جعفر العمدة”

يتفق المتابعون أو يختلفون على شخصية البطل محمد رمضان بكل ما يثيره من جدل، لكنه في الحقيقة حاول أن يخرج من عباءة البطل الشعبي الفتوة خلال العامين الماضيين في مسلسليه “المشوار” و”ملحمة موسى”، لكنه لم يحقق نصف ما حققه مسلسله “البرنس”.

إذًا هي العودة بنفس وصفة النجاح مع نفس المخرج محمد سامي، وليقل النقاد ما شاؤوا، عليهم أن ينزلوا إلى الشارع لمتابعة الجمهور المتحمس أمام شاشات التلفاز في المقاهي، أو على الأقل يتحولوا في مواقع التواصل الاجتماعي لرصد حالة المتابعة الجنونية لهذا العمل.

مساحة حرية إبداعية

لا شك أن هناك مساحة من الحرية الإبداعية أتيحت لصناع مسلسل “جعفر العمدة”، بعد سنوات من قيود رقابية تضعها لجنة رسمية تتابع إنتاج المسلسلات التي تنتجها الشركات المصرية أو تعرضها القنوات المصرية – وأغلبها مملوكة لشركات تتبع جهة رسمية- واليوم تعود مشاهد البلطجة والفتوة ومعارك الحارة إلى الشاشة، ربما شجع نجاح مسلسل “ملوك الجدعنة” قبل عامين من إنتاج خارج مصر دون نفس الخطوط الرقابية على تجاوز هذه القيود.

غياب المنطق

يتغاضى المتابعون عن سلسلة من المصادفات والمبالغات التي قد تهدم أي منطقية للسيناريو، طالما أن ذلك يزيد القصة إثارة وتشويقا، وطالما بقي الابن مع أمه المزعومة على مقربة من جعفر نفسه، وطالما أن الاتفاق بين المشاهد والمسلسل أن هذا العمل رمضاني مكون من 30 حلقة، لا يمكن أن يصل جعفر لابنه الآن. علينا أن نملأ الحلقات بكثير من الحوارات الميلودرامية، الكثير من البكاء، والتطورات المتوقعة أو غير المتوقعة.

يدخل جعفر السجن ظلما، ويخرج سريعا والكل ينتظر انتقامه الأسطوري من عائلة عدوه. المشاهدون يتحرقون شوقا لمشاهد الانتقام الأسطورية التي تليق ببطلهم الشعبي، لكن صناع المسلسل يقررون تأجيل جولة الانتقام إلى المرحلة الأخيرة من المسلسل، هناك دائما جولة أخيرة وحاسمة ستحسم الصراع بين الحق والباطل.

المصدر : الجزيرة

About Post Author