التعديلات القضائية بإسرائيل.. صراعات تعمق الشرخ المجتمعي وتقوض “جيش الشعب”
القدس المحتلة – يعكس اتساع دائرة الاحتجاجات في إسرائيل ضد خطة التعديلات القضائية، التي تقودها حكومة بنيامين نتنياهو، الأزمة الداخلية والاستقطاب، وتعمّق الشرخ في المجتمع الإسرائيلي، والصراع السياسي والحزبي، وحالة الانقسام التي تتنامى يوما بعد يوم.
ويجمع محللون وتقديرات مراكز الأبحاث على أن المجتمع الإسرائيلي -الذي دخل حالة صراع غير مسبوقة على هوية الدولة اليهودية والمشروع الصهيوني وملامحه المستقبلية- لن يعود إلى ما كان عليه.
ويرى هؤلاء أن الشرخ الحاصل في المجتمع الإسرائيلي، والاحتجاجات، والانقسام في الجيش والمؤسسات الأمنية، وتداعيات الانقسام على الاقتصاد والمؤسسات المصرفية والأكاديمية، كل ذلك سيفضي إلى مجتمع إسرائيلي منقسم على ذاته، وليس لديه إجماع على أي قضية حتى فيما يتعلق بالأمن القومي.
هل هي الفوضى؟
وفيما يتعلق بتداعيات التعديلات القضائية والاحتجاجات على المؤسسة العسكرية والجيش، قال محلل الشؤون الأمنية والعسكرية عوفر شيلح إن اتساع دائرة المظاهرات ورفض وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت التعديلات والمطالبة بتعليقها يعكسان الهواجس والمخاطر على وحدة الجيش.
ويعتقد شيلح أن دراية غالانت بمخاطر وتداعيات التعديلات القضائية على الجيش والمؤسسة العسكرية دفعته لإعلان موقفه المطالب بوقف تمرير هذه التعديلات من قِبل الكنيست.
وأوضح شيلح للجزيرة نت أن الاحتجاجات يمكن أن تصل إلى صفوف الجيش، وليس فقط إلى قوات الاحتياط، الأمر الذي يلزم قادة هيئة الأركان بمواجهة رفض المثول لخدمة الاحتياط أو التهرب من الخدمة العسكرية.
ويبدي محلل الشؤون الأمنية والعسكرية قلقه من احتمال تشرذم وتصدع “جيش الشعب” إذا اتسع الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي نتيجة غياب الحوار بين الائتلاف الحاكم وأحزاب المعارضة.
ويري شيلح أنه لا يمكن التنبؤ بالمدى الذي يمكن أن تصله هذه الاحتجاجات، فالأحداث الجارية توحي بأن إسرائيل تتجه نحو الفوضى في ظل غياب قيادة مسؤولة وجامعة.
وتتبنى الطرح نفسه عيديت شفران جيتلمان، رئيسة برنامج “الجيش والمجتمع” في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية والباحثة بمركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، والتي أكدت -في تقدير موقف تلقت الجزيرة نت نسخة منه- أنه “عندما يكون هناك شرخ بالمجتمع الإسرائيلي فهذا ينعكس سلبا على المؤسسة العسكرية والجيش”.
وفيما يتصل بمتانة الجيش في ظل الاحتجاجات وخطة الإصلاحات التشريعية في الجهاز القضائي، فإن جيتلمان تعتقد أنه لا يمكن فصل وعزل الجيش عما يحصل في المجتمع الإسرائيلي، فالحيز المدني يختلط بالعسكري، وعليه فإن حالة التشرذم والصراعات الداخلية تسهم في تصدع مقولة “الجيش الإسرائيلي هو جيش الشعب”.
ولا تستبعد جيتلمان أن يسهم الصراع الداخلي والانقسام السياسي والتفتت المجتمعي إلى زعزعة الثقة في الجيش، وفقدانه قدراته الميدانية مع تآكل قوة الردع، مشيرة إلى أن رفض خدمة الاحتياط والسجال العسكري بداية للتفتت داخل المؤسسة العسكرية، وهو أمر أشبه بكرة الثلج المتدحرجة التي لا يمكن التنبؤ إلى أين ستصل سياسيا وعسكريا.
بداية النهاية
من جانبه، يعتقد محلل الشؤون السياسية والحزبية محمد مجادلة أن تفاقم الأزمة السياسية في إسرائيل يشير إلى أن الاحتجاجات كتبت بداية النهاية لحكومة نتنياهو، مما يعني أن أي قرار سيتخذه سيُواجه بمعارضة داخلية في حزب الليكود، ثم معارضة داخل الائتلاف الحاكم، وهو مؤشر إلى السير نحو إسقاط الحكومة والتوجّه نحو انتخابات جديدة.
وأوضح مجادلة للجزيرة نت أن اتساع الاحتجاجات في المجتمع الإسرائيلي -التي عبر عنها من خلال الإضرابات ومظاهرات ما سُميت بـ”الشلل القومي”- تشير إلى أن هذه الولاية الأخيرة لنتنياهو، وأنه لن يعود إلى كرسي رئاسة الوزراء.
ولا يستبعد مجادلة سيناريو إسقاط حكومة نتنياهو التي أصبحت “هشة وغير متجانسة وتحكمها خلافات داخلية”، مستدركا أنه حتى لو حافظت الحكومة على تماسكها، فستكون ضعيفة وغير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية أو إستراتيجية.
وفي ظل اتساع الاحتجاجات والانقسامات والتشرذم في المشهد السياسي الإسرائيلي، يرى محلل الشؤون السياسية والحزبية أن بقاء هذه الحكومة يعني مزيدا من الإضرابات والغموض تجاه المستقبل.
ولا يستبعد مجادلة أن يتجه نتنياهو -الذي يواجه المحاكمة بملفات فساد وخيانة أمانة- إلى اعتماد المزيد من القرارات الاستفزازية تجاه الفلسطينيين، وتصدير الأزمة الداخلية بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران.
وأوضح أن ما يحدث في إسرائيل تجاوز رفض خطة التعديلات القضائية التي يقودها وزير القضاء ياريف ليفين، وأصبح صراعا على الحكم وهوية الدولة اليهودية، وبالتالي قد تفضي الاحتجاجات لخلق إسرائيل جديدة.
وأشار مجادلة إلى أن الاحتجاجات قد تفرز معسكرا سياسيا جديدا يُخرج إسرائيل من أزمتها، ويأخذ بعين الاعتبار القضية الفلسطينية ودول الجوار. ولا يستبعد أيضا عودة الليكود لتشكيل حكومة جديدة من دون نتنياهو، حيث أظهرت المعطيات أنه بمثابة المشكلة وليس الحل.