التكرار يمثل خطوة مهمة في أي شيء نريد تعلمه (بيكسلز)

التكرار يمثل خطوة مهمة في أي شيء نريد تعلمه (بيكسلز)

عمان- يواجه كثير من الطلاب صعوبة في اختيار الطريقة المثلى لحفظ الدروس وعدم نسيان المعلومات، بهدف تذكّرها حين الحاجة إليها في الاختبارات.

ورغم أن الذاكرة هي عملية تخزين البيانات في الدماغ والقدرة على استرجاعها، فإن عملية الحفظ تستنزف الطاقة العصبية لأنها تستدعي جهدا مكثفا لترسيخ المعلومات أولا. فهل كل ما تعلمناه في المدرسة تم تدريسه بشكل غير فعال؟

 

الحفظ على فترات متباعدة

يتلقى دماغ الإنسان، يوميا، كميات هائلة من المعلومات من خلال الحواس المختلفة، عن طريق الإنترنت وأجهزة الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزة وغيرها. ومعظم هذه المعلومات ليست ضرورية ولا يُستفاد منها لأنها غير مقصودة بهدف التعلم أو مساعدة الإنسان على القيام واجباته اليومية بشكل أفضل.

وتعزو الاستشارية النفسية التربوية في الأردن الدكتورة رولى أبو بكر الأمر إلى أن دماغ الإنسان يقوم بعملية تسمّى النسيان لتصفية الكثير من المعلومات غير الضرورية، مما يتيح الفرصة للوصول إلى المعلومات الجديدة أو الأكثر ضرورة.

وتضيف “لكن بسبب عدم تركيز الإنسان على المعلومات المفيدة فعلا، فإن الدماغ يدخل في مهمة صعبة للتمييز بين الضروري منها وغير الضروري من خلال عملية النسيان، وهذا ما يحصل لدى معظم الطلاب بعد مغادرتهم المدرسة”.

تقنية التكرار المتباعد هي عملية المذاكرة أو الحفظ على فترات متباعدة (بيكسلز)

هناك إستراتيجيات عدة يمكن اتباعها بهدف ترسيخ المعلومات في الذاكرة، ومن أهمها تقنية تربوية تسمى “التكرار المتباعد”، وهو ببساطة عملية المذاكرة أو الحفظ على فترات متباعدة، فمثلا المعلومة التي قمت بدراستها اليوم تقوم بمراجعتها غدا قبل البدء بدراسة معلومة جديدة، وفق الدكتورة رولى.

وتشرح أنه عندما يتم توزيع التعلّم مع مرور الوقت، يتم الاحتفاظ بالمعلومات بشكل أفضل. وهذا يعني، على سبيل المثال، أننا إذا درسنا لمدة 6 ساعات متواصلة ليلة الامتحان، فإن المعلومات ستُنسى بعد أيام قليلة بشكل أسرع مما لو كنا نوزّع تلك الساعات الست بين أيام عدة.

هرم بلوم المعرفي

تقول الاستشارية أبو بكر إن الطريقة الأكثر شيوعا لتطبيق تقنية “التكرار المتباعد” أن نبدأ بتقسيم المعلومات إلى مجموعات صغيرة، مع فهم المحتوى لإمكانية حفظه، بحيث تكون تمارين الحفظ أكثر تواترا في البداية، وتكون متباعدة تدريجيا حتى يصل التعلم إلى المستوى المطلوب.

 

وتشدد على أهمية التكرار، كونه يمثل خطوة مهمة في أي شيء نريد تعلمه، وليس للحفظ المعلوماتي فقط، سواء كنا نتعلم العزف على البيانو أو لغة أجنبية جديدة، فإن تكرار اللعب المستمر على مفاتيح البيانو أو مراجعة المفردات اللغوية هو السبيل الوحيد الذي يوصل إلى الإتقان.

وثمة تفسير علمي لذلك، إذ إن عملية التكرار هذه تزيد من مادة الميالين، وهي الغلاف الدهني المحيط بالمحاور العصبية التي تربط بين الخلايا العصبية في الدماغ. وكلما زاد الميالين، زادت سرعة عمل الخلايا العصبية، وبالتالي يصبح التعلم أسرع والذاكرة أكثر حفظا للمعلومات.

لتطبيق تقنية التكرار المتباعد نبدأ بتقسيم المعلومات إلى مجموعات صغيرة (بيكسلز)

ورغم ذلك، ترى أبو بكر أن هذا لا يكون من دون جهد المعلم في اختيار الأساليب التدريسية والأدوات المناسبة لنقل المعلومات والمهارات والمعارف للطلاب، وإثارة فضولهم والتفاعل معهم، وتهيئة الظروف المناسبة من أجل إكسابهم الخبرات وإحداث تعديل في سلوكهم وتحقيق الأهداف التعليمية المنشودة، بحسب تصنيف “هرم بلوم المعرفي”.

ويشمل “هرم بلوم المعرفي” 6 مستويات، بحيث تمثل المستويات الثلاثة الأولى (المعرفة، الفهم، التطبيق) المستويات الدنيا للتفكير. بينما تمثل المستويات الأخرى (التحليل، التركيب، التقويم) مستويات التفكير العليا.

الفهم ثم التكرار

يقول المتخصص في الطب النفسي الدكتور موسى مطارنة إن الإنسان لا يستطيع حفظ المعلومات من دون فهمها “فالفهم يأتي قبل الحفظ. وبالتالي، يجب أن يبدأ الإنسان فهم المادة، ثم قراءتها قراءة منظمة وفق الخريطة الذهنية، ثم ترسيخها في الذاكرة الدائمة. ففي البدايات، هناك ذاكرة لحظية وموقتة. لذا، فإن ترسيخ المعلومة في الذاكرة الدائمة (الحفظ الحقيقي) يتم من خلال الفهم ثم التكرار”.

ويشرح قائلا “اقرأ وافهم، ثم احفظ المعلومة. ومن ثم راجع كل أسبوع حتى يبقى هناك تواصل معرفي، لأن الذاكرة تحتاج إلى إنعاش دائم ومستمر، وإلا فإن المعلومة ستختفي منها بسرعة. وبالتالي، يجب أن نستمر في تكرار المعلومة أو التواصل المعرفي أسبوعيا، ويحدث ذلك بمراجعة المعلومة بشكل يومي، أو في نهاية الأسبوع بالنسبة إلى الطالب، حتى يبقى على تواصل معرفي دائم مع المادة، فتنتعش الذاكرة بالمعلومة وتبقى موجودة”.

ويرى الدكتور مطارنة أن تقنية “التكرار المتباعد” مهمة في حياتنا، لأنها تساعدنا على تركيز المعلومة وتبقينا على تواصل مستمر معها، فنتمكّن من استرجاعها بأي وقت إذا تم تطبيقها بشكل مستمر ودائم.

 

ويشدد على ضرورة فهم المعلومة، عبر كتابتها وتحليلها وربطها بالصور التي تثبت في الذاكرة أكثر من الكلمة. ويلفت إلى أهمية الحفاظ على المعلومات التي تجنب الإنسان النسيان، وبالتالي إصابته بألزهايمر “فالإنسان الذي تكون ذاكرته منتعشة دائما، تكون الصور واضحة لديه أكثر، وبالتالي تصنف علاقته بالآخرين جيدة، إذ يرى الأشياء بشكل أفضل، ويشعر بأنه متواصل مع الآخرين، لكونه مواظبا على تثبيت المعلومات من خلال الفهم والتركيز ثم الحفظ”، وفق مطارنة.

عندما يتم توزيع التعلم مع مرور الوقت يتم الاحتفاظ بالمعلومات بشكل أفضل (بيكسلز)

كيفية استخدام التكرار المتباعد

حول آلية استخدام تقنية “التكرار المتباعد” للتعلم الفعال، نشر موقع lifehack أربع خطوات تثمر نتائج جيدة للاحتفاظ بالمعلومات، وهي:

1- مراجعة الملاحظات: في غضون 24 ساعة من الاستيعاب الأولي للمعلومات، تأكد من تدوين المعلومات في الملاحظات، وأنك قمت بمراجعتها للاحتفاظ بها على المدى القصير. وأثناء جلسة المراجعة أعد قراءتها، ثم انظر بعيدا وحاول أن تتذكر أهم النقاط. وتذكر أن هناك فارقا بين إعادة القراءة والتذكر، لذا تأكد من النظر بعيدا والابتعاد عن ذكرياتك.

2- استدعاء المعلومات للمرة الأولى: بعد يوم، حاول تذكر المعلومات من دون استخدام أي من ملاحظاتك، حاول أن تتذكر عندما تمشي أو تجلس وتسترخي. يمكنك أيضا زيادة كفاءتك عن طريق إنشاء بطاقات تعليمية للأفكار الرئيسة، واختبار المفاهيم بنفسك.

3- استدعاء المادة مرة أخرى: بعد ذلك، استرجع المادة كل 24-36 ساعة على مدار عدة أيام. يجب ألا تكون جلسات دراسة مطوّلة. جرّب جلسة استدعاء عندما تقف في المصعد أو تنتظر في الطابور، إذ لا يزال بإمكانك إلقاء نظرة على ملاحظاتك، ولكن حاول التذكر أثناء العمل باستخدام هذه الملاحظات. والفكرة من هذه الخطوة هي أن تسأل نفسك بهدف الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها في ذاكرتك البعيدة المدى.

4- ادرسها مجددا: بعد مرور عدة أيام، أخرج المواد الخاصة بك وادرسها مرة أخرى. إذا كانت المعلومات للاختبار، فتأكد من القيام بذلك في غضون أسبوع قبل الاختبار، مما يسمح لعقلك بإعادة معالجة المفاهيم.

 
المصدر : الجزيرة

About Post Author